بهدوء

بقلم
علي الطرهوني
فصل المقال "درء المفاسد على جلب المصالح": بوابة الخروج من الأزمة المجتمعية التونسية

 في تحديد المشكل

 
من علامات فساد سياسة معيّنة هو عدم معرفة أطراف الصراع الحقيقيين داخل الوطن وعدم الاهتمام بمسألة المحافظة على الوحدة الوطنية من التفكك والتلاشي والتغاضي والسكوت على حجم المؤامرات ضد الأمن القومي للبلاد وفضح المكائد وتدبير الانقلابات ضد أمن الدولة وضدّ المواطنين خدمة لمصالح أجنبية تصدّر أزمتها الداخلية نحو الخارج وتلهية الرأي العام عن مشاكلـــه الحقيقيـــة. فهذه القوى الأجنبية المتغطرسة لم تتخلص بعد من عقليتها الاستعمارية القديمة لذلك تتهافت وتغذّي التطاحن بين الشعوب وإدارات دولها بتصدير الفساد بجميع أنواعه والهجوم الثقافي والإعلامي والتربوي على مفهوم الهويــــة الوطنيــــة . والخطير في الأمر أن يشتغل هؤلاء على التناقضات الإيديولوجية وتوظيفها خدمة لمصالحهم الإستراتيجية في منطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا. فلا يخفى أن المخابرات الأمريكية وجهاز الاستخبارات الإسرائيلي متغلغل في دول شمال إفريقيا . وما صرّح به عبد الرؤوف العيادي زعيم كتلة الوفاء بالمجلــــس التأسيســــي هو عين الحقيقة. 
 
ملامح الاستضعاف لدولة الثورة
 
أوّلا : تحاول هذه القوى الأجنبية بمعية بعض الأحزاب المأجورة إلغاء الدولة وهيبتها وفسح المجال لما يسمّونه بالفوضى الخلاقة أي مجتمع اللاّدولة الذي يسود فيه قانون الغاب واصطناع الحروب الأهلية بتغذية الفتن الداخلية والقبلية والعروشية والأمثلة في تونس عديدة.
ثانيا: من ملامح الاستضعاف أيضا السعي إلى تفكيك مفهوم الدولة الضامنة للأمن وضرب المؤسســــة الأمنيــــة حتّى تصبح عاجزة عن ضمان الاستقلال الوطني وبث الخوف في نسيج المجتمع وبالتالي يسهل التحكّم في سيادته " الأمن قبل الخبــــز" وتصبح من مهمّة الدولة السعي لتوفير الأمن عوض حماية حدودها وبذلك تسهّل للجماعات الإرهابية التسلل إلى ترابها. كما سيستنزف الاقتصاد الوطني بكثرة عمليات التهريـــــب وتقف الدولــــة عاجزة عن صدّه.
ثالثا: تحاول هذه القوى الفصل بين الشعب ومكوناته وإداراته والتشجيع على التحالفات المشبوهة "فرق تسد".
رابعا: السعي إلى تغذية حرب غير معلنة من الأصدقاء الأعداء "فرنسا..." وشراء الذمم والضمائر لتخريب مؤسسات الدولة واللعب على المسائل الدينية المفتعلة وتقسيم المجتمع إلى مؤمن وكافر وعلماني وسلفي  أو حداثي و ماضوي...".
خامسا : العمل على التطبيع مع الكيان الصهيونــــــي والتشجيـــع على نشر الفجور والمخدّرات "فضيحة الفتيات التونسيات لتعاطيهن الدعارة في لبنان نموذج لذلك".
سادسا : توريط  الدولة في الديون الخارجية لتصبح مرتهنة لإملاءات الأجنبي وصندوق النقد الدولي.
ولا يخفى ارتباط العديد من رجال الأعمال والمتنفذين السياسيين بقوى خارجية أكثر مـــــن ارتباطـــــهم بوطنهم وهؤلاء مبثوثــــون في دواليب الإدارة والمراكز الحساسة يشجّعون على الفوضــــى وبث الفتنة والمطلبية كأن الوطن بقرة حلوب.
 
بوابة الخروج من النفق
 
هل نملك أن نتشاءم أم نتفاءل أم نتستّر على فتح الملفات؟ فالذين يفجّرون التناقضات الداخلية ويقدّمونها على التناقض الرئيســـــي مع العدو الاستعماري وقوى الامبريالية واهمون. فلا حداثة بدون سيادة وطنية ولا سيادة بدون استقلال ولا استقلال بدون وحدة وطنية لا توفّرها غير الديمقراطية التشاركية المفتوحة على جميع المواطنين التونسيين فلا يجوز أن نقيس الموقف من التيارات الإيديولوجية بمقياس حداثة مغشوشة. فصراعاتنا الإيديولوجية والسياسية تبقى داخلية وتبقــــى مجــــرّد خصومــــات لا عــــداوات وهذه تحلّ بالحوار. فلا عاش في تونس من خانها.
◄  إننا نحتاج اليوم إلى بعث أخلاق وثقافة تدير الصراع. ونحن اليوم بضياع الأخلاق ، أضعنا استقلالنا الوطني خصوصا في التعليم والمسجد والقضاء والإدارات العمومية وارتفع عدد ناهبي المال العام والمرتشين والمتهرّبين من الضرائب والمهرّبين للأموال وسفهاء الاستهلاك وانحرفت العديد من جمعيات المجتمع المدني عن مهامها التي بعثت من أجلها، بل ثمّة من يقدم خدمات ومعلومات للأجنبي أي يتحول إلى عميل صفيق مغفل تحت غطاء مشبوه أو دعوة عشاء من قبل ملحق سفارة أو منظمـــــة دوليــــة أو ندوات أو ما شابه فلا يجب التسامح مع هؤلاء العملاء. يقول أحد الدبلوماسيين  الغربيين " لا تحدثني عن الديمقراطية إذا تعلّق الأمر بالأمن الوطني" يعني أنه لا يمكن تصوّر الديمقراطية بدون وطن مستقل وبدون سيادة. فأين نحن من الشعار الإسلامي " حب الوطن من الإيمان ؟ فالذين يدفعون بالناس نحو التخلّص من التديّن ينسون أهمية الدّين في تحقيق الاستقلال ومقاومة الاستعمار.
◄  و لابدّ من المصالحة بعد المحاسبة لتحقيق مشروع الانتقال الديمقراطي وعلى اليسار الجبهوي الجديد أن يعطي أهمية للمسألة الوطنية ويتصف بالوعي السياسي اللازم لخصوصية المرحلة. وعلى القوى النقابية العمالية التخفيف من الاحتقان السياسي ومبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل مهمّة في هذا الإصلاح.
◄  استعجال العودة إلى التجنيد الإجباري لمقاومة مخدرات الشباب وتوحيد جبهة قوية ضد الخارج وضد نظام التفويت في المؤسسات العمومية والارتهان للأجنبي.
◄  التعجيل بإصلاح ورشات قطاعات التعليم والإعلام والثقافة.
 
مقدمات الحلول
 
لابدّ من القيام بخطوات جريئة تخرجنا من النفق ومن ذلك :
◄  تعديل بعض المؤسسات السياسية الراهنة وتأسيس جبهة وطنية توافقية تشرف على تدبير تحدّيات المستقبل واقتراح الحلول. 
◄  من المهم أيضا تحرير الدين مـــــن شوائبـــــه ومؤسساتـــه ومن البيروقراطية وفقهاء السلطة والدفع به لممارسة التحصين الاجتماعي والتعبئة ضد الأمراض الأخلاقية والدخول في حوار جدّي مع الجماعات التكفيرية أو الجهادية.
◄  العمل على تشجيع ودعم الثقافة الوطنية ضد الميوعة الثقافية.
◄  تطبيق القانون بشكل لا رجعة فيه ضد كل المارقين والخروقات الواقعة.
◄  إصلاح عميق وعاجل وجذري للمنظومتين التعليمية والثقافية والإعلام.
◄  الانخراط مع النقابات في العمل التعاوني المشترك وتقليص الخلافات على قاعدة الولاء للوطن أولا عبر عقد سلمي تعاوني.
◄  ومن المفيد بعث صندوق وطني لدعم التنمية الجهوية والتشغيل ومحاربة المخدرات. 
◄  سن ضريبة على الاستهلاك الرفاهي السفيه كالفيلات الفخمة والسيارات الفارهة والخمور والسجائر والبحث عن مصادر أخرى للتمويل لا تضرّ بالبيئة ولا تستنزف الاقتصاد الوطني وجيب المواطن.
◄  لابدّ من التعجيل بمعالجة الملفات الحارقة كملف الإصلاح الديني والاصلاح الاقتصادي والتعليمي والثقافي والملف الأمني.  
 
الخاتمة
 
إن قوّة التونسيين تكمن في وحدتهم وهذا ليس في حاجة إلى إثبات وإنما أقول أن قوّتنا في معالجة عيوبنا الداخلية من أجل فرض سلطة القانون ومعاقبة المنحرفين الذين وضعوا أنفسهم في المكان والزمان الخطأ . فتونس بعد الثورة كيان هشّ يحتاج إلى ترسيخ تقاليد ومؤسسات صلبة حتّى لا تسقط في الفتنة وقد كان بورقيبة يقول  " لا أخاف على تونس إلا من أبناءها".
فعلى النخب السياسية الارتقاء بوعي إلى حساسية المرحلة ونبذ التباعد حتّى لا تنزلق البلاد نحو الفوضى فتونس للجميع ونعيد فنقول "فلا عاش في تونس من خانها " وما أكثر الخونة هذه الأيام...