إثراء للنقاش

بقلم
محمد الحمار
نظرية "التناظر والتطابق" بين اللغة والإسلام

 في هذا الزمن الذي يتسابق فيه الوعاظ والأئمة وأهل الفتوى لكي يحظوا بجمهور من التابعين يعادل حظوتهم بالمعرفة الدينية، ألاحظ أنّ سيد المواقــــف في مجال الدعوة والإرشاد والخطاب الدينـــي يبقى للأسف التكرار والمعــــاودة والإعــــادة وسائر أشكال الرتابة.

والرتابة التي ابتُلي بها "الإيقاظ الديني" إن صحّ التعبير مُفسدٌ لا فقط للصحة الدينية للفرد والمجموعة والمجتمع، ممّا أدى إلى بروز ظواهر مثل التحجر الفكري والعنف بشتى أنواعه والإرهاب، بل مُفسـدٌ حتّى لِلغة التي في حوزة المسلمين عموما، وللغة العربية على وجه الخصوص، ناهيك أنّ المشكلة اللغوية مازالت قائمة بذاتها في المجتمع العربي الإسلامي بأكمله.
إنّ تزامن المشكلين الاثنتيــــن، التديّنيـــــة واللغويـــة، قد تكون في نظر الباحث "الضارّة" التي ستصبح "نافعة". حيث أنّ المنهاج الـــــذي أقترحــــه كمنقـــذٍ من الرتابة في مستوى علاقة المسلمين بالإسلام  يتخندق في هذا المنظور بالذات: منظـــــور "داوِها بالتي هي (أيضا) الداء".
إنّ سابقية اللغة على الدين، بحكم ارتباطها بأوّل الخلق مثلما جاء في قوله تعالى ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَــــا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء﴾ [ البقرة‏: 31] تبوّء اللغة مكانة المنقذ مـــــن الفســــاد في العقيدة وما يفرزه هذا الفساد من انحطاط في جودة التديّن، فضلا عن دور اللغة كأداة وكفكر أيضا.
فاللغة كما هو معروف أداةٌ للتواصل، ووعاءٌ للفكر، ومُوجّهٌ للفكر (1)، إلاّ أني أفترض أيضا، ولأنها تتمتع بكل تلك الخصال، أنّ اللغة منهاج لتحقيق التديّن الصحيح، لِمن هو متديّنٌ بَعدُ. وتتنزل هذه الفرضيـــة في سياق مشروع النهوض العربي الإسلامي الشامل والقاضي بزرع بذور فكر ينبت فينشأ ثم يكبر، ويمحو في مسار نموه وترعرعه كل فكر بالٍ وباهت وخامل وهدّام.
ومن المنظور الأكاديمي يمكن القول إنّ فرضيتي تحظى بما يكفي من الدعم لكي تتمّ متابعتها. وها هو العلم المعاصر يمهد الأرضية للخيار اللغوي الدينـــــــــي الذي أفترض إمكانية تجسيده كمنهاج لمعالجة مشكلات شتى. إذ يؤكد الباحث الأسترالي بيتر سليك، بالإضافة إلى  أنّ المرء مجبول على الكلام (النظريات الفطرية الولادية)، على أنّ البعد الفطري للتديّن يتناظـــــــــر مع البعد الفطري للغة، حيث يقول: "منذ عمل نعوم تشمسكـــي فــي أواخر الستينــــات (من القرن الماضي) يعترف علماء الألسنيات بصفة عامة أنّ للدمـــــــاغ بنى فطرية تساعد على اكتساب اللغة. كما أنّ عملا أنجِز مؤخرا من طرف علماء النفس التطوريين يدل على أنّ اللغة ليست وحدهـــا التي يتمّ تيسيرها بفضل بنى دماغية فطرية. يبدو فعلا أنّ هذه البنى مسؤولة على كل إدراك عقلي بما في ذلك التذاكر الديني(...). هنالك مفاهيم تتناولها عقولنا بسهولة. وبتشابهٍ كبير مع الاكتساب اللغوي، يقبل العقل آليا مفاهيم معينة دون أخرى بأكثر تلقائية"(2).  
وبالإضافة إلى تحليل سليك فإنّ مؤسس علم السوسيوبيولوجيا، ”ادوارد أوزبرن ولسن“، المرجعية العالمية فـــــي هذا المجــــال منذ الخمسينات من القرن الماضي، قد دفع بحوثه إلى ما وراء الداروينية الكلاسيكية إذ "في تحليل ويلسن، لا يتعلق الأمر بمعرفة ما إذا كانت الديانات حقيقية أم خاطئة. إنها على الإطلاق ضرورية لمواصلة الحياة وإن التوق الدينــــــي مُبرمَـــــج فـــــي الجينــــات. كما أنّ الجينات هي المكان الذي يجب العثور فيه على منابع الخير والشر: وهما مفهومان مبرمجان يوجهان غرائزنا نحو التناسل عوضا عن الاضمحلال" (3).
كم أنّ المنظور القرآني لا ينقص العلم في شيء ولا ينتقصه أيضا. بل قُل إنّ للإسلام السبق بخصوص الوجهين الاثنين للفرضيــــة: أولا، الله تعالى يقدم  إلينا اللغة و الكلام كصفــــــة ولاديــــة، إذ جاء في محكم تنزيله، فضلا عن الآية المذكورة أعلاه : ﴿الرّحْمَنُ عَلَّمَ الُقُرْآنَ خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾‏[ الرحمن‏:1‏ ـ‏4].‏ ثانيا، والله تعالى يبين لنا أنّ التديّن ولاديّ هو الآخر، إذ يقول عز وعلا: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [ الروم : 30] 
ومن أجل تبيين الحيثيات المتعلقة بافتراض أن يكون الخلاص بواسطة تناظر اللغة والدين، لا بدّ من تكريس مبدأين اثنين، واحد سائد ومتعارف وآخر محدث، مع أمل أن ينبثق مِن فعل التلاقح بينهما انقداح شرارة الانتقال من طور الجمود إلــــى طــــور الحركة لدى العقل الفردي والمجتمعي عند المسلمين (4).   
بخصوص المبدأ المتداول فهو لا شيء غير أنّ "الكــــــلام فعــــل". أما المبدأ المحدث و"المجهــــول" فيتمثل في كون "الكلام إسلام". يبقى تقديم وتوضيح الرابط بين المبدأين الاثنين. 
لمّا أزعم أنّ "الكلام إسلام" فإني لا محالة عائد إلى المسَلّمة الألسنية (المتعارفة) المنتهيـــــــة إلى إقـــــرار أنّ "الكلام فعــــل"، لكن مع تأجيل تناول ذلك الجانب المعلــــوم، إلى حين، ريثما تتمّ مواجهة الجانب المستحدث و المجهول. 
وخلافا لِما يتبادر للذهن، فالمجهول مبنيّ على المعلوم في الدين. أعني الفعل والعمل في الإسلام. إنّ الفعل فـــــي الإســـــلام عمــــل: (وَقُل اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُم ورَسُولُــــهُ والمُؤْمِنُــــــونْ) [ التوبة: 105]. كما أنّ العمل تدعيم للإيمان كما جاء في الأثر: "ليس الإيمان بالتمني بــــل مــــا وقّر في القلب وصدّقــــه العمـــــل" (الإمام الحسن البصري). والعمل في الإسلام ليس فقط إنجازا رمزيا أو ماديا من شأنه أن يحسّن أحوال الناس بتحويل واقعهم من سيئ إلــــــى جيّـــــد ومــــــن حســـــن إلــى أحســـــن، إنما هو بالخصوص منهج في الحياة، مثلما جاء في الأثر المشهور:"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا". والخلاصة إلى حد الآن أنّ الإسلام فعل.
الكلام فعل من جهة، والإسلام فعل مـــــن الجهـــــة الأخــــرى. يبقى أن نتوصل إذن إلى تبيين أنّ الكلام إسلام بعد أن تبيّن أنّ كلاهما فعل. أمّا الطريقة الملائمة للتبيين، فتتمثل في وصل فعل الكلام بفعل الإسلام؛ في سياق الواقع المعيش طبعا. ومَن يا تُرى سيكون قادرا على إنجاز الوصل غير المتكلّم المسلم ؟ وما هي الوسيلة التي في حوزته والتي تنطوي على عاملَي الكلام والإسلام غير اللغة؟
إنّ اللغة من المنظور المحدث ستسمح للمتكلم المسلم بالتعبير عن ذاته اللغوية وعن ذاته الدينية في الآن نفسه (والغرض منه استعادة صفة التكامل الوظيفي للغة)، وذلك في بُعد سانكروني (متحد في الزمان والمكان)، وكذلك بالتصرف في الواقع حسب إرادة المتكلم الذاتية. ومن هنا ينبثق الفعل الهادف والعمل الصالح.
ثمّ إنّه حتى لو عزلنا المتكلّم جدلا عن صفة التدين بالإسلام، سنتعرف عليه كإنسان ذي مهارات لغوية عديدة تحتكم إلى قواعد في اللغة وفي التواصل، وتتبع مراحل معلومة أثناء تشغيلها من طرف المتكلـــــم. وهذا الإنسان المستعمل للغة سيُعرّف نفسه على واجهتين اثنتين متلازمتين: واجهة الكلام وواجهة الفعل، ممّا يعني أنه لا يمكن أن يعرّف نفسه متوخّيا الفصل بيــــن الواجهتيــــن. ومن هنا نفهم أولا كيف أنّ كل مستعمل للغة يسعى إلـــــى تقديـــــم نفســـــــه على أنه مختلف عن سائر الناطقين بنفس اللغـــة، وذلك بواسطة توليد كلام يتميز عن كلام الناطق الآخر (وهذا معروف في الألسنيات منذ ”فردينند دي سوسير“؛ الفرق بين اللغة والكلام). ثم نفهم بالتوازي مع ذلك أنه لا يمكن أن يكون فعل الناطــــــــق فلان غير متميز عن فعل الناطق علان.
والجدير بالملاحظة أنّ الاختلاف والتميّز شيء والتوحد والتطابق شيء ثانٍ. لكنّ البحث في سبل تكميل كلاهما الآخر مِن أخطر المسائل، لا في مجال اللغــــة فحسب ولا في مجال التديّن فحسب، بل في الحياة الاجتماعية بكافة أوجُهها. فالسعي إلى إيجاد طريقة يكون بواسطتها العاملان الاثنان متكاملين يعود إلى سببين رئيسيين: أولا، إنّ الاختلاف لازم لإرساء التعددية والديمقراطية وغيرهما من النماذج الفكرية والسلوكية الراقية. ثانيا، إنّ التوحد بدوره ضروري لإضفاء بُعدٍ اجتماعي ووطني وقومي وثقافي نسبي على التربية السياسية للمواطن.
ولكي لا تكون الطريقة مغلوبة بالمنهج التحليلي الديني الصرف، ولا بالمنهج التحليلي العلماني الصرف، تبقى المقاربة اللغوية هي الأقوى لأنها الوحيدة التي ستكفل حق المفكر الإسلامي وحق المفكر العلماني، على حدّ سواء، التوحّد. وليس التوحد الذي أقصده ذاك التجسيد للتماثل في المضمون الفكري ولا هو تلك التماثلية بمختلــــف أصنافهـــــــا الرديئــــــة. إنما أقصد التوحّــــد حول منهاج للتديّن و للتفكير وللتكلم وللفعل.
 ولهذا لغرض أفترض أنّ مهما كانت الخلفية الإيمانية للناطق بلغةٍ ما، فإنّ التوحد لغة/فعل حاصل لا محالة. ولنبحث عن البرهان على ذلك في وضعية المستعمل لثنائي اللغة والحركة، الذي نزعنا عنه صفة التديّن (كما شرحتُ أعلاه). سنلاحظ عندئذ أنّ هذا المتكلم المتميز، والذي هو في الوقت ذاته فاعل يتميز عن غيره بمقتضى اختلاف "كلامه" (وهو معطى ثابت في علم الألسنيات)، وبصرف النظــــر عن تشابه فكرته الإيمانية التي تحفزه على الفعل مع فكــرة غيـــره، أو عن اختلافها عن فكرة غيره، إنما هو دوما موجود في وضع الإنسان الساعي سعيا دءوبا إلى تقريب كلامه من فعله. 
والسعي إلى تقريب الكلام من الفعل يظهر في مشهدين اثنيـــــن. أولا،  ترى كل مستعمل للغة يتجنّب أن يصاب بعيوب من الصنف الذي تتحكم به العلاقة الأزلية بين الكلام والأخــــلاق (عمومـــــا) مثل النفاق والكذب والخيانة وعدم الإيفاء بالوعد والوفاء بالعهد. وحتى إن كان هذا المرء من الصنف الذي يوظـــــف عــــن قصد تلكم الأعمال المكروهــــــة فــــــي حياتـــــه اليوميــــة من نفاق وكذب ومراوغات كلامية وغيرهــــــا مـــــن الأساليب المعوجّــــة، فإنّ حرصه علـــــى أن يكــــون كذلك دليـــــل علـــى أنّ التقريــــب (أو السعـــــي إلــــى التقريب) بين كل ما هو كلام وكل ما هو فعل إنمــــا هو قانــــون يشترك فيه كل من اللغة والحركـــــة. هكذا يمكن تصنيــــف المتكلم/الفاعــــل إلى نوعين: واحد ممتثل للقانــــون (وهو الشخص الـذي نسميــــه "الطيــب") وآخــــر مختـــرق لـــــه (وهو الذي نسميه "الخبيث").
يمكن أن نستنتج ممّا تقدم أنّ قانون التقريب بين الكلام والفعل، بدافع التوحد والوحدة، سواء حصل التقريب بواسطة الامتثـــــــال إلى القانون أو بواسطة اختراقه والعبث به، فإنه في وضع يسمح له بالتحكم في الصورة المتكاملة التي يزودها كلّ المتكلمين الفاعلين بعضهم البعض، إن فرادى أم في داخل المجتمع. وهكذا يكون الحكم الذي يصدره المرء على الآخر أو المجتمع على الفرد بأنه صـــــادق أو كاذب، صريح أو منافق، منفعل أو رصين، مُوالٍ أو خائن، مراوغ أو مباشر، إنما هو حكم مؤسَّسٌ على وحدة الكــــــلام والفعـــــل. وكان الكلام فعلا.
إنّ ممارسة الامتثال أو الخرق، من طرف الناطق باللغة/المواطن الفاعل في المجتمع، إزاء قانون التقريب بدافع التوحـــــــد، مُهمة من الناحية الأخلاقية لأنها تسمح بربط الأواصر بين الأداء اللغوي والأداء الحركي والسلوكي باتجاه التعديل والتصحيح والتحسين. والأهم أن نقرّ لا فقط بأنّ القانون (قانون التقريب بين اللغة والفعل) موجود، بل بأنّ ما يدعّم وجوده وفعاليته إنما هو وجود الطيبة والخبث، والخير والشر، والإيمان والكفر.
 بكلام آخر يتسنى الإقرار بأنّ بإمكان المرء تشخيص"طيبة" الواحد و"خبث" الآخر بواسطة المعيار اللغوي والسلوكي المندمــــــج. ولو طبقنـا الآن المبدأ والقانـــــون والمســــــار كله الذي آل إلى هذا المنوال التشخيصــي ، على وضعية المسلم في المجتمع المسلم، دون تجريده من العامل الديني كما فعلنا أنفا، سنلاحــــظ أنّ جاهزية الإسلام لأن يكون بالحق مكرَّسا في الواقع كدين عمـــــلٍ تتقاطــــع مع ثبوت أنّ الكلام فعلٌ. والنتيجة أن يكون الكلام إسلاما أيضا، فضلا عن كونه فعلا. وكان الإسلام كلاما.
 إنّ هذه المقاربة اللغوية الدينية المزدوجة تتنزل أيضا، وبصفة طبيعية، في تفسير ما لم يقع تفسيره دينيا إلى يوم الناس هذا، وأعني الواقع المعاصر بكل حيثياتـــــه وتشعيباتــــــــه. قد توفـــر هذه المقاربة عن المسلمين عامة والمؤمنين خاصة عناء إرهاق أذهانهم وكذلك أذهان الأئمة والوعـــــاظ والمفسريــــن والفقهـــــاء في محاولــــة من أولئك وهؤلاء (عادة ما تكون فاشلة ومخيبة للآمال) لتشخيــــــــص سلوكهـــم أو سلوك شخــــصٍ ما على الطريقة الدينية المباشرة. 
هكذا سيكــــون علمـــــاء الديــــن وخبراؤه في مأمن من الضغوط المسلطة عليهم من طرف مجتمع لا يفرّق بين مهمة الدين ومهمة اللغة، ولا بين مهمة المجتهد في الدين ومهمّة المجتهد في العلم، إلى درجة أن صار مجتمعا لا يؤمن بالتكامل الطبيعي و المأمول بين عمل مجتهد الدين وعمل مجتهد العلم، وبين الدين وعلــــم مثل علم اللغة.
لكن الحذر واجب في توخي مثـــــل هـــــذه المقاربــــة. ما من شك في أنّ الدين دين واللغة لغة. لكنّ التناظر بينهما، والذي تسمح به مبادئ الدين وكذلك مبادئ العلم، إنما هو تناظر سانح للتطابق (بين الكلام والفعل، مثلما رأينا). والتطابق مربط الفرس في لزوم الحذر.
لتحاشي الوقوع في الخلــــــط، الجديـــــر بالملاحظـــة أنّ التناظر يتحول لا محالة إلى تطابق فقط كلما اقتضت حاجة التوحد التي يمليها قانون وحدة الحياة. لذلك فالتطابق حاصل بين الكلام والفعل، لا بين اللغة والدين مباشرة على أرض الواقع. وبالتالي لا أعتقد أنّ هنالك داعيا للخشية من مغبة أن يؤول التطابق إلى خلـــــط أو مزج بين الأنماط والأنساق اللغوية من جهة والأنماط والأنساق الدينيـــــة مــــن جهـــــة أخـــــرى. لماذا، لأنّ بمجرد حصول التوحد والتطابق حصريــــا بين الكلام والفعل (بموجب قانون وحـــــدة الحيــــاة)، تبقى أية محاولة رامية إلى تحقيق التطابق المباشر بين الدين واللغة (وقد جرّبتُ ذلك) مجرّد تمرين عقلي لا تزيد منفعته العملية والميدانيـــــة عــــن المنفعــــة التي تحصل مــــــن تمريـــــن فـــــي الحساب يهدف إلى حلّ مسألة مجردة.
ومن أجل الخروج بمفهوم الاجتهاد من حيز الإشكال والإجمال والإبهام إلى حيز البيان والإجراء العملي، أتساءل ما الذي عساه يمنع التعاليم القرآنية السمحاء والتوصيات الإلهية والقيم الإسلامية النيرة من أن تلقى طريقها إلى واقع فكري وسياسي واجتماعي واقتصادي يغلب عليه الجمود، و ينتظر الريّ والإغاثــــة، طالما أن وسيلة الري والإغاثة الأولى متوفرة: كلام المؤمن إسلام. 
 
المراجع
 
(1) وقد بيّن هذا الدور بتميّز د. سالم موسى في مقالة بعنوان "اللغة وأثرها في توجيه وتقييد الفكر البشري" ، نشرت على موقع ميدل ايست اونلاين بتاريخ 8-12-2010.
 
(2) بيتر سليك، مدير البحوث بقسم الفيزيولوجيا بجامعة غرب أستراليا و"ديكون" بكنيسة القديس أندرى الانكليكانية، في مقالة بعنوان "المادية والدين" (باللغة الانكليزية)، نشرت بتاريخ 15-8-2002 على موقع:
http://www.onlineopinion.com.au/view.asp?article=492
 
(3) حاوره وذكره وعلق عليه قي صورمون في كتابه "المفكرون الحقيقيون لهذا العصر" (بالفرنسية)، ص 88.
 
(4) نُشرت لي أول محاولة أكاديمية في هذا الصدد (وهي مقدمة لهذا البحث ومكملة له): "الألسنيات لإحياء الكفاءة في فهم الإسلام والحياة"، على موقع "الملتقى الفكري للإبداع" بتاريخ 10-11-2009، وفي مجلة "المستقبل العربي"، العدد 373، مارس/آذار 2010، ص 93.
http://www.caus.org.lb/PDF/EmagazineArticles/mustaqbal_373_93-107%20mhamad%20hammar.pdf