الكلمة لأهل الإختصاص

بقلم
د.محرز الدريسي
أفكار أولية في تطوير القيادة التربوية

  من بين القضايا الحيوية والتي لا يتم تداولها بشكل موضوعي وشفاف مسألة القيادة التربويـــــة التــــي تخضـــع إلـــى حـــد الآن إلى تجاذبات لا تربوية، بينما المطلوب وضع معايير الانتداب ومقاييس التكوين وطبيعة الدور في مؤسسة تربوية ستكون مرآة عاكسة لما يدور في رحم المجتمع. إذ لا يمكن للمدرسة التونسيــة أن لا تساهم بفاعلية في انجاز استحقاقات التحول الثوري في بلادنا وأن لا تقدّم الصورة المناسبــــــة لتونـــس جديـــدة. فهـــل من المقبول الحديث عن قيم الديمقراطية والمشاركة والعمل الجماعي دون أن يقطع إطار الإشراف مع أدوار تتماهى مع الامتثالية والخضوع وانعدام المبــــادرة؟ بأي معنـــــى تتطــــور المدرســــة ما لم ينتقل كافة الفاعلين التربويين من وضعيات التنفيذ الآلي إلى دور المساهمين والمبادرين والمشاركين في صناعة الشأن التربوي واتخاذ القرارات؟ 

 
(1) مواصفات إطار الإشراف ومهاراته
 
من بين معيقات محاولات الارتقاء بمردودية الحقل التربــــــوي أن القيــــادة التربويـــة اختزلـــت أدوارها في التسيير المادي والإشراف على اليومي دون أفق تربوي ومن غير مشروع حقيقي يتكامل مع مشروع مجتمعي ووطني . فمشروع المؤسسة كــــان معطـــلا في مرتكزاته و طرق تصوره وآليات صياغته ومتابعته، وهو أمر مفهوم لانعدام رؤية واضحة للنظام السياسي السابق، أفرزت بالضرورة موقفا عقيما ومضطربا في كافة الحقول بما فيهـا الحقل التربـــوي. لهذا نعتقد أن الحديث عن إصلاح تربوي بنيوي – هنا والآن-لا يكتمل ما لم يشمل بنية التسيير ولا يعيد النظر في تقنيات الإشراف أو ما اصطلح عليه بالقيادة التربوية، وإلا عدّ  تجديدا جزئيا و إصلاحا منقوصا. فالإدارة وآليات القيادة والتسيير لا يمكـــن تحييدهـــا من حقل الإصلاحات التربوية، ولم يعد مقبولا اعتبارها مجرد طابع صوري وشكلي و مجرد أدوات تنفيذ، وأنها لا تؤثــر فـــــي العمليـــة التعليميـــة والتعلّميـــة. وقد بينت الأبحاث الاجتماعية- التربوية أن عنصر الإشراف من بين المتغيرات الفاعلة في " العلبة السوداء"، وأن الظواهر الميكروسكوبية في القيادة عوامل هامة وحاسمة، فما يؤثر في مسارات التعلّم والتربية والتنشئة الاجتماعية ليست فقط المضامين التربوية والبرامج والمناهج البيداغوجية وحواملها التوضيحية، بل مدى تقلص الظواهـــــــر البيروقراطيــــة الكامنـــــة في المدرســــة.
و نستطيع القول بوجود مدخلين في تجديد الإدارة، المدخل الأول يخص التحديث التقني، وذلك بتجهيز الإدارة بالحواسيب واستثمار التقنيات الحديثة في الإعلام والاتصال، أما المدخل الثاني فيتعلق بإدماج فكر تسييري جديد وقيم جديدة في الإشراف والقيادة التربوية. ولا نشك إطلاقا ولا أحد يشك في أهمية التجديد التقني، لكن رغم أهميته وحيويته في عقلنة الفعل الإداري والارتقاء بمردوديّة إطار الإشراف، فإن الوقوف عند هذا المستوى مخل ونظرة شكلانية للإصلاح. أما المدخل الثاني فهو يفضي بالضرورة إلى تجاوز الفكر التقليدي في الإدارة التربوية وآليات القيادة  وتقنيات الإشراف وقادر على مقاومة ضبابية الرؤية  وروتين التمشيات ونوازع اللامسؤولية. لذا نعتقد بحتمية إحداث تغييرات حقيقية في ميدان التربية وتحديدا في مستوى الإشراف، الذي نعده قاطرة التطلع نحو تعديل المنظومة التربوية السائدة التي تحتـــاج إلى مراجعات عميقة تحكمها مصلحة البلاد دون غير، ولا يمكن إنجاز ذلك إلا بإدارة تربوية وقيـــادة تقبـــل أن تتغيــــر وأن تغيـــر بل أن تقود التغير وتنشطه وتفعله. وأن على الكيانات التربوية تجاوز استنادها إلى "مركزية مفرطة" والاتكال التام على المناشير التوجيهية والتطبيق الحرفي للتعليمـــات، وقد أشــــار دوركهايــم لذلك بأن الإصلاحات والمثـــــــل القيميـــة لا تشــــرع بالنصـــوص، بل لا بد أن تفهم وتحب ويرغب فيها من قبل المطالبين بتنفيذها، بمعنى المساهمة في بنائها ومعايشة تشكلها وتهيكلها.
ومن مؤشرات الجودة قيادة تأخذ بعين الاعتبار كل مكونات المنظومة وكافة مستوياتها لضمان تحقيق غاياتهــــا وأهدافهــــــا التــي لا تنشأ في الأذهـــــان فقــــط أو فــــي المكاتب المغلقـــة، وإنما كاستجابة لطلبات اجتماعية ومبررات تاريخية ورهانات آنية. ومع تطور علم الإدارة التربوي عموما وتنامي الأنماط التسييرية وأشكال الإشراف، وما نلاحظه من تغير في أنماط السلوكيات داخل المجتمع، وما نشهده كذلك من تحولات معرفية وتقنية وخاصة قيمية، كل ذلك يستوجب سرعة تخطيط التحديث وتحديث التخطيط لمواكبة المستجدات. كما يتوقف نجاح المؤسسة التربوية إلى حد كبير على طبيعة قيادتها وفعالية إطار الإشراف، فهو المحرّك الأساسي لكل إصلاح وهو المعطل المحوري لأية مقاربات تجديدية، فالقيادة التربوية- ونحصرها هنا- في القيادة المحلية التي تخص مؤسسة تربوية/ مدرسة ، هي المشرفة مباشرة على العملية التربوية والتعليمية، وأن ثمرة الإصلاح ومؤشراتــــه ايجابيــــة كانت أم سلبية تفرز وتبرز ميدانيا داخل المدرسة ومدى قدرة مشرفيها على رسم إشعاعها ونحت تميزها. فالإشراف التربــــــوي وإن كانت له وظيفة تنظيمية وإداريــة في إدارة اليومــــي، إلا أن له وظائف أخرى تربوية وبيداغوجيــــــــة وتسييريــــة وتيسيريـــة، وهذا يتطلب أن تكون القيادة إدارية وتربوية معا، وواعية بأهمية الإصلاح العميق ومبرراته ومتشبعة بوضوح الرؤية ومتبنية لمبادئ الإصلاح وتمشياته. 
الإجراء العاجل يخص انتدابــــــات إطــــار الإشــــراف الإداري الذي تحكمه لعبة خفية لا مقاييس موضوعيـــــة وأصابــــع سريّــــة لا شروطا تربوية، فكلما عبر "المدير" أو الناظر القائد المنتظـــــر عن نزوعه الانقيـــــادي ومهــــارات الانضبـــاط الإداري –الحزبـــي أو الحزبي- الإداري كلما كان مؤهلا ومرشحا لنيل "منصب" المدير واستبعاد عناصر ذات إشعاع وكفاءة، وهو ما جعل هذه المناصب منصب المدير جزاء عن انتماء أو نشاط أو خطوة أو محاباة. فالطلب الأساسي إلغاء المعايير الفئويـــــة و"الشلليــــة" السابقـــة أو المقاييس السياسية وإيلاء الكفاءة والإشعاع الأولويـــة المطلقــة في الانتدابات، وهو الأمر الغائب حاليـــــا والذي يختــــزل الشــروط في الأقدمية وتصمت الوزارة عن رؤية اختيــــار إطار الإشــــراف من حيث مقاييس الانتداب والتكوين والتدريـــب،وهـــذا يفتـــــرض من وزارة التربية  أن :
○ تضبط مرجعية كفايات مهنية ومهارات قيادية.
○ تحدد مقاييس  وشروط الانتداب أكثر من الأقدمية .
○ تنزع إلى تنظيم مناظرات.
○ تعد برنامجا تكوينيا وتدريبيا.
 
(2) مرجعية كفايات القيادة التربوية 
 
 تعرف القيادة التربوية بأنها مجموعة من التصرفات المميزة لإطار الإشراف الميسرة لتعاون الفاعلين التربويين من أجل تحقيق الأهداف التربوية المجمع عليها والمتفق حولها. ويمكن أن نكثف التعريف بالقول أنها انجاز عمل تربوي ما أو أعمال تربوية عن طريق تنسيق عمل فريق من العاملين في الحقل التربوي والتأكد من أن كل الأفراد يعملون معا بطريقة سليمة وأن كل شخص يؤدي دوره بكفاءة عالية واقتدار، وأن القيادة تقود الفريق في تحديد الأهداف والتخطيط وتنفيذ العمل وتحقيـــق التقدم في الأداء مع وضع معايير يقاس بها هذا الأداء. كما تحرص القيادة على الحفاظ على وحدة الفريق وإحساس أفرادها بلذة الانجــــاز، وسعيهـــا للتأثيــــر ايجابيـــا في كل المتدخلين بالتواصل معهم وإشاعة روح التحـــاور ، أي أن القائــد- المدير والفريـــق الإداري في موقع الوسط داخل المدرسة وعليهم يرتكز التمشي الجيد ومناخ العمل والتفاهم والتعاون بين المدرسين والعلاقات الجيدة مع الأوليـــاء. ولا يتلخص تحديث القيادة التربويـــة في "كاريزماتية" المشرف أو خصاله الأخلاقية وقيمه الفردية على أهميتهــا وضرورتها بل فـــي التطابـــــق مــــع مرجعيـــــة كفايـــات لا بد أن تتوفر في القائد التربوي، وهي مرجعية مهارات تنسج وتصاغ انطلاقا من الخصوصيات الوظيفية ومتطلبات النهوض بالشأن التربـــوي وتطويـــــر سبـــــل التسييـــر، وهي تتضمن مهارات شخصية ومهارات علائقية ومهارات قيادية ومهارات تواصلية .
ودون الدخول في تفاصيل هذه المرجعية فإنها تنطلق من النظر إلى القيادة التربوية بأنها تمش تشاركي كأسلوب إداري حديث، يهدف توفير بيئة مطابقة لغرس القيم المدنية لتحسين المهارات وتعزيز انخراط الفاعلين ومراجعة آليات العمل وطرق المتابعة والتشاور و تنمية العمل الفريقي. كما تشتغل منظومة الإشراف في سياق تعزيز العلاقات الإنسانية والتواصل مع كافة المتدخلين التربويين، فالقائد التربوي يمتلك مهارات التحفيز ودعم دافعية العمل  وتشجيع الابتكار ولديه مرونة في التعاطي مع الوضعيات الصعبة والتصرف خلال الأزمات والطوارئ، ويتوفر على مهارات الوساطة  وإدارة الاختلافات وحــل المشكلات واتخاذ القرارات.
يمكن  القول أن الإطار المشرف لديه مسؤولية جسيمة لا تقل أهمية عن أطر التعليم، وتبرز في التقنيات والمنهجيات المعتمـــــدة في تأطير ومساندة النشاط التعليمي والحياة المدرسية وتقوية التواصل بين هيئة التدريس والمتعلميــــن مـــع تقويـــة العلاقـــات بين المدرسة  والبيئة المحلية. فالقائد التربوي أي المدير وفريق العمل يلعب دورا محوريا في التدبير والتوجيه والتسيير والإرشاد والتنشيط ويعمل على خلق مناخ ايجابـــي صلب الطاقـــم التربـــوي وداخل المدرسة ككل مع الابتعاد عن السلوكيات الفردية والتصرفات الانفرادية والشخصية. وكلما استطاع المشرف أن يشكل مجموعات عمل وينسق بينها ويبعث طاقة عمل داخلها، كلما اكتسب ميزة محورية هامة في الإدارة والتصرف وهــــي "التدبير" أو "المدبر" أو "المتصـرف"،  بمعنـى تطور مفهوم الإشراف من إدارة اليومي والحفاظ على عدم وجود إشكالات مكشوفة وطمس الاختلافــــات إلى أهمية الإصغاء إلى الأفكار الجديـــدة والمقترحـــات بل أن يثري وأن يمتلك قدرة اقتراحية. هذه الأساليب في التسيير والإشراف تجعلها قيادة ذات مواصفات مهنية تمكنها من إدارة التنظيمي والتربوي والبيداغوجي والمدرسي بصفة ترتقي بأداء المدرسة وبمردودية المنظومة التربوية. فهي قيادة تعرف إلى أين تسيـــــر وإلى أين تتوجه وتفهم خصوصيـــــة مدرستهــــا وطبيعة موقعهــــا في محيطها ونوعية متعلميها ومعلميها، فكيف بالإمكان أن تقاد المدرسة إذا لم يكن الإطار المشرف عارفا بالطريق؟
والمدرسة على شاكلة الطائرة أو الباخرة في حاجة إلى ربان، لكن الربان لا يقود بمفرده بل يحتاج إلى طاقم من المساعـــدين وعلى شبكة من المعلومات/ المعلمات والمؤشرات كحالة الطقس ودرجة الارتفاع ومستوى الضغط الجوي، وهي معطيات ضرورية لقيادة سليمة وموصلة لبر الأمان. و من مميزات إطار الإشــــراف أن يخيط الرتق بين الإداري و البيداغوجي والفردي والجماعي والآني والمستقبلي والتدريسي والتربوي المؤسسي والمجتمعي والتربوي والمدني، فالمؤسسة التربوية في سياق الرهانات الحالية واللحظة الثورية التي تعيشها بلادنا تطلب من المدير والطاقم الإداري تحسين نتائجها وتجويد مخرجاتها وتطوير مردوديتها وترقية مناخها العلائقي .
 
(3) لا قيادة تربوية دون مشروع تربوي
 
يتعلق تطوير القيادة التربوية إجرائيا ببلورة خطّة تربوية مستقبلية تتحدد شروطها وخصائصها وتمشياتها بشكل جماعي أي بمساهمة كافة مكونات المجتمع و المؤسسة التربوية دون استثناء. إنها مفارقة غريبة سادت وتناقض مقيت هيمن في مرحلة الإصلاحات المعلبة وتحت الطلب، لا يمكن أن نجـــــد لـــــه حلـــــولا إلا بالتركيز على أن لا قيــــادة تربويــــة دون مشــــروع تربــــوي وأن لا إشراف تربوي دون خطّة مستقبلية، إنها تقنية في التصرف تستدعي البصر والبصيرة والحكمة والعقل والوجدان والدّقة والانفتاح. إنها تفتح ورشة لعمل تربوي يثمن كل جهـــــد ويحتــــرم كل فرد ويجذر الإصلاح التربوي ولا يجعل منــه قشــــورا سرعـــان ما تنهار على محك التجارب الحياتية.
وينبغي التأكيد أن التربية الحديثة كما مناخ الانتقال الديمقراطي واستحقاقاته تضع المتعلم كما منظومة الإشراف في أجواء حوارية تحدث فيهم نوعا من الحراك الذهني والعاطفي والسلوكي وتجبرهم على الابتكار والإبداع والاقتراح والخروج من حالة الخمول والتكلس التي سببها النمط التقليدي/الاستبدادي. ولا يفهم الحوار والتفاوض هنا على أنه فعل جزئي أو مرحلـــــة ظرفيــــة، بل يجب أن يكون متأصلا في جوهر العملية التربوية عموما وفي الإشراف التربوي خصوصا، فالنظر في نفس الاتجاه و التمش المشترك يجعل الأنا الجماعية تنبذ الانفراد وتعزز الانتماء للمؤسسة وتتشكل هوية المؤسسة وتترسخ بالأيدي المتشابكة والأذهان المتثاقفة والإرادات المتضامنة، حيث يشعر فيها الكل بحقوقهم وواجباتهم ويعمل الجميع بروح الفريق الواحد سعيا وراء إيلاء المدرسة مرتبة مشرقة. بهذا يؤتي الإصلاح التربوي القادم ثماره ويكون أصله ثابت وفرعه في السماء، وحين يكون الإصلاح لا أوراقا وبرامج نظرية وإنما واقعا مجسدا وانجازات مجسمة  ومتجلية في طبيعة اشتغال المدرسة. والمنهج التشاركي في إصلاح الإدارة منطلقا وأسلوبا وهدفا يمثل قيمــــة إضافيـــة في المنظومة التربوية تستوجب تغييرا جذريـــا فعـــالا في استراتيجيات تسيير المدرسة من حيث التخطيط والتنفيذ والتخلي عن قيم الاستبعاد والإقصاء والطمس والأحادية والفردية وهي ثقافة تدعم دينامية الجماعة التربوية وتنمي ذكاءها الجماعي.  
 و قد بينت سوسيولوجيا المؤسسات أن المدرسة لا تتحرك في فضاء هندسي متشابه بل في محيط معقد ومتطلبات متنوعة، وعلاقات تزداد تعقدا، ولذا نعتبر أن أفضل إجابة على تعقد الصلات الإنسانية والعلاقات مابين المؤسسات ومابين الأفراد هي بساطة التنظم. وأن كل مجموعة بشرية منظمة وذات  إنشاء إنساني ليس لها معنى خارج صلات أعضائها فيما بينهم، وأن"الإنسان ليس مجرد يد أو حتى قلب وإنما رأس بمعنى انه شخص مستقل وقادر على الحساب والمناورة"، إذ يبدو للملاحظ الموضوعي وجود اختلافات و تباينات بين مؤسسة تربوية وأخرى، فوارق متعددة المظاهر والأسباب حسب النتائج والأنشطة و الآليات والموارد و المواقع والعقليات والسلوكات. فكل مدرسة لها خصوصياتها ومميزاتها، وهي ليست متماثلة بل أن كـــــل مؤسســــة منغرســـة في سياق ووسط متميز، وتمنح المؤسسات التربوية الاستقلالية الذاتية في أخذ إجراءات من نمــــط إداري أو تربوي أو بيداغوجي أو هيكلي أو زمني يساهـــم في حل المشكلات وتجاوز الصعوبات. 
هذه النظرة النسقية تساعد في كيفيـــــة التصـــرف في نقل المديريــــن والنظار، وأن لا يوضــــع الجميـــع في "سلّة واحدة"، وأن مقيـــاس الاختيــــار التمكن من صياغة مشروع مؤسسة متكامــــل وفاعـــل وقادر على التصرف المحكم في مكونات المؤسسة. 
ونعتبر أن التفكير والاشتغال على مشروع المؤسسة يقحمنا للنظر في آليات اشتغال المؤسسة، وعوائقها وإمكانية اقتراح تخطيط عقلاني ومنظم للارتقاء بالمدرسة عبر فكرة "مشروع المؤسسة" التي تم "السطو" عليها و توظيفها سياسيا وإفراغها من شحنتها التربويـة ومــــن نجاعتهـــا وفاعليتهــــا. و يعد "مشروع المؤسسة" تمش تشاركي وجماعي وخطّة عمل يساهم  في بلورتها وإنشائها جميع المتدخلين داخــــل المدرســــة وخارجهـــا انطلاقـــا من خصوصياتها وطبيعة المحيط الذي توجد فيه، ويمكن اعتبار "المشروع"  بمثابة عقد تلتزم كافة الأطراف ( المربين- الإدارة- التلاميذ- الأولياء...) بتنفيذه وفق جدولة متفق عليها ومرجعا للمؤسسة التربوية. 
ويشكل "مشروع المؤسسة " الإطار التنسيقي لعدة تجديدات بيداغوجية وتربوية، ويرمي إلى إيجاد تمفصـــل بين الإصلاحــات في مستوى الممارسة الميدانيـــة وتحقيـــق الانسجـــام فيما بينها حتى لا يكون كل مشروع وكأنــــه مساحــــة تربويـــة منفصلـــة عن الأخرى. ويمكن الاشتغال على "مشروع المؤسسة" في الحقل التربوي بفسح المجال نظريا وعمليا لمقاربته كوسيلة عمل جماعي يشارك فيه كل الفاعلين في التصور والتنفيذ والتقييم وإرساء مناخ سليم داخل المؤسسة التربوية، والانفتاح على المحيط المباشر والعالم الخارجي. فلا نتصور قيادة تربوية دون أن تكون محفزة ومشاركة في بلورة مشروع لمؤسستها التربوية، وهو مبدأ ينفي التصنيف الهرمي وتنميط المهام ومراقبة الإجراءات والطابع اللاشخصي في التواصل،  وينزع  نحو توزيع المهام وتعبئة الفاعلين وإبراز قيمة التفاوض ومعاييره . فمشروع المؤسسة مشروع جماعي لا يبنيه المدير أو المشرف التربوي داخل مكتبـــه بل من خلال تشريك كافة الأطراف، والمشروع لا يوجد جاهــــزا وما على المدرسة إلا تطبيقه.بل يرتكز على مجموعة من المكونات الأساسية في تفاعل، ويتحرك في محيط الحاجيات وموجه نحو غايات وأهداف وأثر منتظر على المدى القريب وعلى المدى المتوسط. وتشيع فكرة المشروع روح المسؤولية لدى جميع الأطراف المتدخلة في انجاز مشروع المدرسة، بينما يشجع مشروع المؤسسة على أن تكون الأهداف تفاوضية وتعاقدية، وتمتد زمنيا على مدى متوسط، وتستثمر كفايات متنوعة ومهامها معقدة ومترابطة ومتشعبة وتبنى علاقاتها على التواصل الايجابي واستقلالية ذاتية وللرأي محثة على قيم المبادرة والإبداع. 
ونرى أن تحديث الإدارة المدرسية يؤدي ضرورة إلى تحديث النظام التربوي، ولا نقول بأولوية هذا أو ذاك بل بجدل العنصرين وتفاعل التجديد الجزئي مع التجديد الكلي. وأن المشروع ينبنـــــي على مبدأ الحوار والتشاور كتقنية ويشمل المضمون كافة الحياة المدرسية، وهناك متابعة إستراتيجية تتمثل في مسك لوحة قيادة المشروع تشمل المؤشرات الدالة على تقدم المشاريع ومتابعتها إجرائيا و منح إمكانية المتابعة وضبط الآجال الزمنية بشكل متواصل للتدخل للتعديل والتصحيح.
ومشروع المدرسة جماعي أو لا يكــــــون ونعنـــي بذلك تشريك كل الأفراد داخل المدرسة، بإثارة الشروط الإنسانية والتنظيمية لبناء مشروع جماعي عبر إعداد الأفراد والتشاور وتبادل المعلومات، وذلك  قبل الشروع في التفكير في الأدوات والوسائل، وأنه لا يمكن أن تكون المشاريع مستنسخة بل تتناغم مع خصوصيات المدرسة. 
إن ثورة الكرامة في بلادنا تتطلب منا وضع المؤسسة التربوية على سكة الإصلاح الحقيقي من حيث تطوير المضامين  وتحديث المناهج والارتقاء بنوعية المخرجات ومواصفاتها، ولعل عدم تجاهل القيادة التربوية من الإصلاح والتحديث انتدابا وتدريبا، يعزز عناصر إصلاح تربوي حقيقي يمس اللب والعرق الحي للمسألة التربوية.