الكلمة الحرّة

بقلم
هادي القلسي
إدارة إرادة الشعب: الشعب يريد إسقاط النظام

 أقدم محمد البوعزيزي يوم 17 ديسمبر 2010 على  إشعال جسمه  أمام مركز ولاية سيدي بوزيد فأطلق بذلك شرارة انتفاضة عارمة انطلقت مساندة لقضيته وبسرعة غريبة عمّت البلاد الاضطرابات والاحتجاجات واستغلها الشعب المكبوت طيلة عقود وثار ينادى بشعارات عديدة تعبّر عن إرادته في الحرية والعدالـــة والكرامــة وفي تغيير النظام. وقد تطرقت في الأعداد السابقة لإدارة الإرادات الثلاث الأولى (الحرية والكرامة والعدالة) وسأحاول في هذا المقال التطرّق إلى أهم شعار رفعه الشعب في ثورته ألا وهو ”الشعب يريد إسقاط النظام“.

 
مارس المخلوع ونظامه عبر عقود القمع البوليســي بعد أن تمكن من تصفية الجيش التونسي سنة 1991 من خلال فتنة مكيدة مفتعلة سماها قضية براكة الساحل ذهب ضحيتها 244 عسكريا من مختلف الرتب ( 25 ضابط سامـــي،88 ضابط عـــون، 82 ضابــط صف و49 رجل جيش) فأرعب هذه المؤسسة وأسكتها وأذلها ومسّ كرامتها وبالتالي أفسح المجال وخولّ  لوزارة الداخلية بمختلف إداراتها وخاصة البوليس السياسي من بسط إرادته التسلطية  سالبا إرادة  الشعب في الحرية والكرامة والعدالة وجعله يتخبط في مشاكله اليومية  فاستبق  حتى النوايا ،اعتقل وعذب وسجن وقتل واغتصب وسلب ونهب  إلى أن تمكّن من قبر كل الرغبات لدى الجميع فوصل  به المطاف إلى الهيمنة على التفكير  فأصبح المواطن يعيش في غيبوبة وفراغ تام مكتسيا ثوب هاجس الاعتقال والتعذيب والسجن مقتنعا ذهنيا بمصداقية الأسلوب القيادي للمخلوع فهو الخيار الأمثل  .
 
جاءت حركة البوعزيزي الفردية لتشعل فتيل البركان الهامد وتبرز إرادة الشعب التونسي وصموده وإصراره فاخترق جدار الصمت وثار وصاح الشعب ”يريد إسقاط النظام“ ليؤكد للعالم أن الملك والسلطان والتسلط  لا تستقر على حال، وأن ليل الاستبداد مهما طال يخلفه بزوغ فجــر الحـرية والكرامة والعدالة وتمّ إسقاط هرم السلطة فهل تم فعلا إسقاط النظام؟.
 
أعتقد أننا عشنا حلما لم نستفق منه بعد، فهروب المخلوع وان كان بالأمس القريب أمرا مستحيلا ولا يصدق وخاصة للمضطهدين أمثالي، الذين تذوّقوا طعم الاعتقال والتعذيب والطرد من الوظيفة بدون أجر والمنع من العمل والحرمان من العلاج والتغطية الاجتماعية فتجد أمثالي وكم هم كثيرون يركضون وراء لقمة العيش اليومية فهو شيء محتوم كتب حتى المنية وفقدنا أمل  استرجاع صفة المواطنة  لاعتقادنا استحالة مغادرة المخلوع وحاشيته وأتباعه ومناشديه السلطة فتأقلمنا مع الحال والوضع وارتضينا وقبلنا الابتلاء  .
اختم لقد هرب المخلوع ولم يسقط نظامه للأسباب التالية :  
أولها : استبيحت الحرية  وأصبحت سلاحا لبعث التخويف والترهيب وقطع الطرق والضرر باقتصاد البلاد والثلب والسب  والشتم والمس من الإعراض واستحال تقييد  هذه الحرية  المطلقة  بما يتماشى وأخلاقنا وعاداتنا وديننا
ثانيهما : أصبحت الكرامة منطلقا للنهب والسلب والسرقة والإضراب وكل بطريقته يفرض راية ومنهجه للحصول على لقمة العيش وبالتالي كرامة العيش. 
ثالثهما :أما العدالة فحدث ولا حرج فالمراسيم المتتالية  الوضعية وجهت العدالة  فجناية التعذيب صاغها الى  جنحة  والجريح في سرقة سجل نفسه جريح ثورة والقتيل في جريمة قتل ادمج ضمن شهداء الثورة والعفو التشريعي العام لم يفعل بعد. 
أقدم مثالا في العدالة المرجوة فضحايا مكيدة براكة الساحل لم يتمكنوا من العودة للعمل ولا من الحصول على دخل شهري إضافة للانفلات الأمني والتحديات التي يتعرض لها جهاز القضاء والذي لم يطهر بعد .
 
بقيت كل المجالات إلى اليوم بين أدي مسؤلين تعودوا أكثر من عقدين على نمط خاص في التصرف فهل نصلح ما أفسده نظام قمعي استبدادي ظالم رسخ أساليبه في كل دواليب الدولة ويتم فسخها في سنتين  وعلى هذا الأساس اجزم أن رأس الهرم هرب وبقي الجسم ينشط بكل ما لديه من حنكة وتجربة  وبالتالي  وجب حسن إدارة إرادات الشعب في الحرية والكرامة والعدالة  حتى يتم القضاء على أسس ومبادئ النظام الفاسد. ولن يتحقق ذلك إلا ببسط الاستقرار الأمني وضبط الحرية والانطلاق في إرساء   الكرامة و العدالة حسب مرحلة انتقالية أول الأمر واعتماد جدولة قريبة وبعيدة المدى حتى يطمأن المواطن وينصهر في تفعيل البرامج المجدولة والصادقة والمدروسة والفعالة.