حوارت الاصلاح

بقلم
فيصل العش
حوار شامل مع الاستاذ الجامعي ورئيس منتدى الفارابي للدّراسات والبدائل (الجزء الاول)

 سالم العيّادي من مواليد مدينة صفاقس ، موسيقار ملحّـــن وفيلسوف فــــي نفس الوقت  . عندما تجلـــس إليه لتحاوره تكتشف أنه يجب عليك أن تصمت لتستمع إليه . فيلسوف يتحدث بموسيقى وموسيقار يلحّن فلسفة . هادئ الطباع ، متواضع يتكلم برزانة غير مصطنعة.شديد الغرام بالفارابي لكنّه لا يحلم بالمدينة الفاضلة بل يريد أن يكون فاعلا في الواقع. يقدّم أفكاره ويدفع نحو التغيير لهذا أسس مع بعض أصدقائه ”منتدى الفارابي للدراسات والبدائل“ ويشغل مهمّة رئاسة الهيئة المديرة للمنتدى وعضويّة هيئته العلميّـــة .  متحصّل على شهادة الدراســات المعمّـقة في الفلسفة بملاحظة حسن جــــدّا (2001)  وعلى شهادة الدكتوراه في الفلسفة بملاحظة مشرّف جـــدّا(2008) على إثر تقديم بحث تحت عنوان ”فلسفة الموسيقى عند الفارابي“. درّس في التعليم الثانـــوي لمدّة 10 سنوات ثم باشـــــر التدريس بقسم الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس برتبة أستاذ مساعد  منذ سنة  2009.

له عدّة كتابات ومنشورات من بينها كتاب " الموسيقى ومنزلتها فــي فلسفــــة الفارابي "(2001) و رواية "وآخـرون منّا ومنهـــم"(2003) و كتاب " بيان فلسفيّ لأجل نخب بديلة في الثّــــورة " وهو كتاب مشترك مع الأستاذ الباحث زهير المدنيني . كما نشر له مقالات وبحوث عــدّة من بينها مقال " في الدّلالـــة الوجوديّــــة – الحضاريّــــة للموسيقــــى الصّوفيّـــة- الطــّرائقيّـــة (2002) و  الهويّة والتّواصــــل في الهويّة " و " العقـــل (النطـــق) وهيئاته في نظريّة الموسيقى عند الفارابي " و " فــــي الخيـــال المتعالـــي بوصفه مبدأ الإنشاء الموسيقيّ عند الفارابي "(2010). 
 له مشاركات علميّة في عدّة ملتقيات دولية  من بينها "الملتقى العلميّ الدوليّ: الصورة والفنطاسيا والإبداع" (قابس 2010) و اللقاء الفلسفيّ الدوليّ: Culture, identité et droits de l’homme. Vers une perspective transculturelle" (تونس 2011)
التقيناه وأجرينا معه الحوار التالي :
 
(1) ما الباعث إلى تأسيس منتدى الفارابي؟ ولمَ الفارابي تحديدًا؟ وأيّ دور يمكن للمنتدى أن يلعبه في السّاحة الفكريّة والثّقافيّة التّونسيّة بعد الثّورة؟
 
كانت بداية مشروع المنتدى باجتماع عدد من المهتمّين بالفلسفة من أساتذة تعليم ثانويّ وأساتذة جامعيّين يمارسون التّدريس بعدد من ولايات الجمهوريّة. وكان ذلك قبل الثّورة. وكان السّؤال الّذي استفزّ الجميعَ سؤالا مزدوجا، ألا وهو: كيف السّبيل إلى " إحياء " الأسئلة الكبرى الّتى طرحها الفكر العربيّ الإسلاميّ على نفسه في فترات الإبداع الرّوحيّ المختلفة قديمًا وحديثًا ولكن في سياق ما تفكّر فيه الإنسانيّةُ اليومَ من قضايا كونيّة؟ وإذا كان هذا الإحياء ممكنا فلأجل ماذا؟ أي لأجل أيّ مشروع مدنيّ (حضاريّ وسياسيّ) ولأجل أيّ مثل أعلى إنسانيّ (فكريًّا وأخلاقيًّا وتربويًّا وجماليًّا...)؟
 
كنّا نميل في البداية إلى بعث معهد عالميّ للفلسفة العربيّة الإسلاميّة، وأخذ المشروع يكبر في مستوى التّصوّر. وقد فرضت علينا الثورةُ أن نضيف سؤالا آخر لا يقلّ أهمّية وخطورة عن السّؤال السّابق، وهو: هل من المشروع بعد أن فضحت الثورة التّونسيّة " النّخبَ " أن يستغرق المفكّرُ والمثقّف في هواجسه " الخاصّيّة " النّظرانيّة ويتعالى على هموم النّاس وقضايا الشأن العامّ؟ وكيف يتسنّى للمفكّر أن يكون في الوقت ذاته منخرطا في الواقع فاعلا فيه من ناحية، ومحافظا - من ناحية أخرى - على هويّته كمفكّر فلا ينزل بفكره إلى " العواميّة " والابتذال ولا يشرطه بشروط ظرفيّة متغيّرة متقلّبة؟ 
الحلّ الّذي ارتآه مؤسّسو المنتدى للإجابة الإجرائيّة عن تلك الأسئلة المطروحة هو التّالي: أن نقتحم ميدان العمل الجمعيّاتي فهو الأنسب لربط الصّلة بالواقع. وأن نجعل من " الجمعيّة " فريقَ بحث متعدّد الاختصاصات معنيّ بالدّراسات والبدائل، فهذا الأمر هو الضّامن للحفاظ على هويّة المشروع كمشروع نظريّ تأسيسيّ. ولمّا كان شاغل التّأسيس مهيمنًا كان من الأنسب أن يعبّر عن المشروع النّظريّ لهذه الجمعيّة الفكريّة الثّقافيّة الفيلسوفُ المعلّمُ الثاني أبو نصر الفارابي. وهكذا كانت التّسمية: منتدى الفارابي للدّراسات والبدائل.
 
وللفارابي بعدٌ آخر على غاية من الأهمّيّة هو الوصل الدّائم في استشكال المسائل الفلسفيّة بين النّظريّ والعمليّ، بين التّأمّل الميتافيزيقيّ والتّدبير المدنيّ. وقد صاغ الفارابي مسألةَ الوصل بين الفلسفة والمدينة في نظريّة " التّعقّل " وأخذ لأجل التشريع لها القرارَ النّظريَّ المناسبَ المتمثّل في البحث عن الأرضيّة الجامعة (لا المفرّقة) بين الفلسفة والدّين، بين العقل والوحي، بين الفيلسوف والنّبيّ. 
ومبدأ الجمع بين نظاميْ الخطاب الملّيّ والفلسفيّ هو التّصوّر الّذي اختاره الفارابي للإنسان والّذي صار الانفعالُ والتّخييلُ بمقتضاه جزءً لا يتجزّأ من الوسائط الّتي بها يستكمل الإنسان إنسانيّته أنطولوجيًّا ومعرفيًّا وأخلاقيًّا وسياسيًّا. ومفهوم الانفعال والتّخييل يحيل مباشرة إلى ما نسمّيه نحن اليوم " التّعابير الثّقافيّة " و " المنظومات الرّمزيّة " الّتي تبني رؤية الإنسان للعالم ولمنزلته فيه. وعلى رأس هذه التّعابير والمنظومات يضع الفارابي الخطاب الملّيّ والممارسات الفنّيّة من شعر وموسيقى...
 
على " الفيلسوف الحقّ " أن يجعل من الدّين والفنون لسانًا في مخاطبة " الجمهور " حتّى يوقع " المعرفةَ " فيهم بالوجه الممكن لهم وهو الوجه الانفعاليّ التّخييليّ لا الوجه العلميّ البرهانيّ. وعلى المدينة واجب التّعميم العموميّ للمعرفة وتحقيق شروط التّقاسم الجماعيّ للسّعادة. وعلى هذا النّحو أصبح الدّين والفنّ عند الفارابي مسألة سياسيّة بامتياز علاوة على ما فيهما من أبعاد عقائديّة طقوسيّة أو جماليّة ذوقيّة.
فمَنْ غير الفارابي يمكن أن يعبّر " رمزيًّا " عن المشروع الفكريّ للمنتدى وعن خيار التّنوّع في اختصاصات المؤسّسين له (فلسفة، علوم، فنون، حضارة، تاريخ، لغات...)؟ وإذا كان حضور المتفلسفة والموسيقيّين هو الغالب على المنتدى فذلك لأنّ الفارابي كان موسيقارًا بقدر ما كان فيلسوفًا. وقد انتبهت مراكز البحث والجامعات العالميّة اليومَ إلى عظمة الفارابي في مستويات مختلفة نذكر منها: نحت المفاهيم وبلورة المقولات (مفهوم الملّة ومقولة التّدبير المدنيّ...)، بناء النّظريّات (نظريّة الدّولة / نظريّة النّبوّة / النّظريّة الموسيقيّة...)، استشكال القضايا وتعميق النّظر في شروط حلّها نظريًّا وعمليًّا (قضيّة السّعادة والخير الأسمى مثلا ) ...
 
(2) ماهو الدور الذي يمكن لمنتدى الفارابي أن يلعبه في السّاحة الفكريّة والثّقافيّة التّونسيّة بعد الثّورة؟
 
 يطمح المنتدى أن يلعب دورًا في ساحة أوسع من السّاحة التّونسيّة وذلك في دوائر عربيّة وإسلاميّة وعالميّة. وأظنّ أنّ ما ورد ذكره من معطيات في الفقرات السّابقة يكفي للدّلالة على هذا الطّموح. ولكن السّاحة الوطنيّة هي بكلّ تأكيد أوْلى بما ينوي المنتدى إنجازَه من دراسات واقتراحَه من بدائل، وهي أوْلى أيضا بما نزمع تنظيمَه من ندوات وورشات عمل... خاصّة وأنّ تونس هي مهد الثورات العربيّة وتمرّ الآن بمرحلة حسّاسة هي مرحلة الانتقال الدّيمقراطيّ وبناء مؤسّسات الدّولة والتّأسيس للمشروعيّة عبر صياغة دستور الجمهوريّة الثّانية.
 
ما يهمّنا في شأننا الوطنيُّ أمران متلازمان ينبغي التّفكير جدّيّا في أساسهما النّظريّ من ناحية وفي آليّات التّفعيل والإنجاز من ناحية أخرى. وهذان الأمران هما بمثابة المبدأ الّذي منه تُستَنبَط المقولات السّياسيّة والثّقافيّة والمجتمعيّة، وهما الهويّة والحرية السيّاسيّة .
 
(3) كيف تنظرون إلى قضيّة الهويّة ؟ 
 
سؤال الهويّة بالنّسبة إلينا في منتدى الفارابي هو: كيف السّبيل إلى بناء " هويّة مبدعة " وما هي الأنحاء الممكنة للتّعبير عن هذه الهويّة فكريًّا وسياسيًّا وثقافيًّا وفنّيًّا...؟ 
لا أحد ينكر ما تعرّضت إليه " الهويّة " من استهداف إلاّ على سبيل المكابرة وتلبيس الحقائق أو على سبيل المعاندة وإخفاء الجرائم. وبعض النّخب عندنا ساهم في التّلبيس على شعوبهم وشارك في جرائم " روحيّة " كبرى. واستهداف الهويّة كان بتفكيك مقوّماتها الأساسيّة الّتي هي: الدّين واللّغة والوحدة الجيو-سياسيّة والوعي التّاريخيّ. وكان هذا الاستهدافُ يُدار - ولا يزال - بأدوات غربيّة " حديثة " بعضها عنيف مباشر وبعضها هادئ مخاتل. وكانت النّتيجة أن أصبح الغربُ يعني في الوعي الجمعيّ " الشرَّ المحضَ " وأن صارت الحداثةُ عند قطاع واسع من شعوبنا عدوًّا للإسلام. فخسرنا خسرانًا مؤلمًا من الجهتين: خسرنا ماضينا وخسرنا مستقبلنا فتعطّل حضورُنا في مجرى التّاريخ الرّاهن. 
    ولتفادي هذه الخسارة علينا العمل على صعيدين متكاملين: صعيد إحياء المقوّمات الأساسيّة لهويّتنا. وصعيد امتلاك المكاسب الكبرى للتّقدّم الإنسانيّ العامّ. وليست هذه المهمّة بالهيّنة.
وليست إشكاليّةُ " الهويّة " مشكلا زائفًا كما يتوهّم البعض ولا هي مجرّد " موضوعة " سياسيّة ظرفيّة قسّمت المجتمع التّونسيّ انتخابيًّا على نحو ما كان ينبغي له أن يكون كما يذهب إلى ذلك البعض الآخر. فالهويّة هي جوهر الإشكال الما بعد ثوريّ. فكيف يتسنّى لنا استعادةُ هويّتنا استعادةً مبدعةً فنجنّب أنفسنا السّقوط في " هويّة قاتلة " ؟ هذا هو السّؤال الحضاريّ- التّاريخيّ للثورة. أمّا سؤالها السّياسيّ فهو المتعلّق بالحرّيّة السّياسيّة بما هي الشّرط الضّروريّ للإبداع الفكريّ والحضاريّ. 
 
(4) تحليلك يحيلنا إلى طرح السؤال التالي : كيف يتسنّى التّوفيقُ بين حريّة الفرد الّتي هي البعدُ الأساسيّ للمواطنة وبين سلطة القانون الّتي هي الوظيفة الأساسيّة للدّولة؟ 
 
 لا إمكان للتوفيق بين الأمرين إلاّ على أساس الحلّ التّعاقديّ الاجتماعيّ السّياسيّ الّذي منه تستمدُّ الدّولةُ المشروعيّةَ، أي الحقَّ في ممارسة السّلطة المعنويّة والمادّيّة. وهكذا نحن أمام مهمّتين متكاملتين هما: البناء الدّيمقراطيّ المستنير لمؤسّسات الدّولة، والبناء العقلانيّ للحوار العموميّ. والمهمّة الثّانية هي الضّامن الوحيد للدّيمقراطيّة المستنيرة وذلك لأنّ الحوار العموميّ حين يتحوّل إلى مجال للتضليل والتّزييف وحقل للصّراع حول مواقع القوّة تتحوّل الدّيمقراطيّة إلى مجرّد تزكية شعبيّة للدّيكتاتوريّة. فلا ديمقراطيّة دون أساس معرفيّ ينير الرّأي العامّ. ولمّا كان الأمر كذلك كانت العقلانيّة لازمةً معرفيّةً معياريّة لا غنى عنها في النّظام الدّيمقراطيّ.
 
لا تعني الحرّيّة إذن التحلّل من الضّوابط والحدود وإنّما هي تعني القدرة على التّشريع الذّاتي لحدود يحترمها الإنسان على سبيل الالتزام الدّاخليّ لا الإلزام أو الإكراه الخارجيّ. فما السلطة الّتي إذا التزم بها أحدُنا لم يفقد حرّيّتَه بل تعزّز عنده الوعيُ بحرّيّته وبكرامته كإنسان؟ إنّها سلطة العقل. ولا سبيل إلى الكشف عن مقتضيات العقل إلاّ بالحوار. ولمّا كان الحوار من المهامّ الأساسيّة لمجتمع يؤسّس للتّنوّع دون تمانع وللاختلاف دون شقاق فإنّ الاتّفاق على جملة من المعايير الأخلاقيّة والقيم المعرفيّة يُعتبَرُ الآن مطلبًا حيويًّا بالنّسبة إلينا في سياق المسار الدّيمقراطيّ بتونس والعالم العربيّ عمومًا.
 
(5) ماذا يسعى منتدى الفارابي إلى إنجازه في سياق هذه الأهداف الكبرى التي تحدثتم عنها 
 
يسعى المنتدى إلى إنجاز مهمّتين يدّلان عليهما مفهوما الدّراسات والبدائل:
أ-  فالدّراسات المزمع إنجازها داخل المنتدى هي دراسات تحفر في بنى الاستبداد الّتي جعلت - ولا تزال - الأمّة العربيّة والإسلاميّة أمّة عاطلة حضاريًّا وعاجزة عن الإبداع الرّوحيّ والثّقافيّ. وليس الاستبداد السّياسيّ في تقديرنا إلاّ وجها من وجوه الاستبداد العامّ المتغلغل في العقليّات والتّصوّرات والمؤسّسات ثقافيّةً كانت أو تربويّةً أو حتّى فكريّةً كما تتجلّى في خطاب قطاع واسع من النّخب العربيّة.
 
ب- وأمّا البدائل الّتي يسعى المنتدى إلى بلورتها واقتراحها فهي البدائل الّتي تعزّز القدرة على التّحرّر الفكريّ والثّقافيّ والتّربويّ والّتي يمكن أن تتجلّى في مشاريع فنّيّة إبداعيّة.
 
(6) ما هي الخلفيّة الإيديولوجيّة للمنتدى؟ وهل هو غير مفتوح لمن يخالفكم هذه الخلفيّة؟ ومَنْ منَ المفكّرين العرب المعاصرين تروْنه عمادًا لمشروعكم الفكريّ الثّقافيّ؟
 
منتدى الفارابي للدّراسات والبدائل منتدى عروبيّ - إسلاميّ. وتعكف هيئتُه العلميّة الآن على صياغة الورقة الفكريّة التّأسيسيّة. وقد قطعنا أشواطًا هامّةً من الحوار الدّاخليّ وسترى الورقةُ النّورَ قريبًا. ولئن كان الانتساب إلى المنتدى يقتضي الالتزام بتوجّهاته العامّة فإنّ مشاركةَ نظرائنا من المفكّرين والمثقّفين ممّن لا يشاركنا هذا الانتساب الفكريّ للعروبة والإسلام ممكنٌ في أنشطة المنتدى المفتوحة للعموم. أمّا الدّراسات والبدائل فلا يشارك في إنجازها إلاّ أعضاء الهيئة العلميّة للمنتدى. ونحن نرى أنّ تعميق الدّراسات وإنضاج البدائل يقتضي الانفتاح على من لا يشاركنا الخلفيّة الفكريّة وذلك ممكن في النّدوات واللّقاءات وورشات العمل وغير ذلك من أشكال التّواصل والحوار.
أمّا فيما يتعلّق بالمفكّرين الّذين تتقاطع مشاريعهم الفكريّة مع مشروع المنتدى فهم من حيث المبدأ كلّ المفكّرين الّذين جعلوا الاستبداد والوهم والاغتراب من المسائل الأساسيّة لاهتمامهم النّقديّ وجعلوا من التّحرّر والإبداع شغلهم الشّاغل. ونحن في ذلك لا نميّز بين مفكّر عربيّ ومفكّر غير عربيّ أو بين مدوّنة إسلاميّة ومدوّنة غير إسلاميّة وذلك لأنّ التفكير جهدٌ كونيٌّ لا حدود له. وقد اختار المنتدى لنفسه عبارةً للتّعبير المجمل عن هذا الخيار المنهجيّ، وهذه العبارة هي:  ”لا نفكّر بفكر وإنّما نفكّر في الفكر“. فكلّ التّجارب الفكريّة الإنسانيّة تهمّنا وهي موضوع بحث داخل المنتدى. ونحن لا نتبنّى فكرًّا جاهزًا مغلقًا وإنّما نتبنّى الأفقَ الإسلاميّ كأفق مفتوح على كونيّة الإنسان الحديث في أبعادها المختلفة الفلسفيّة والسّياسيّة والحقوقيّة والمعرفيّة والجماليّة والبلاغيّة...
وهكذا يمكن القول أنّنا ننتسب فكريًّا إلى كلّ التّجارب الفكريّة التّحرّرية المؤصّلة للاختلاف والتّنوّع. أمّا فيما يتعلّق بالسّاحة الفكريّة التّونسيّة فهي تزخر بمحاولات رائدة ولكنّها لم تخلق لها بعدُ  ”خلفًا“ أو لم تتحوّل بعدُ إلى مدارس فكريّة. فهي حصيلةُ مجهودات فرديّة. ونشير على سبيل الذّكر لا الحصر إلى أبي يعرب المرزوقي وفتحي التّريكي وعبد الوهّاب بوحديبة وهشام جعيّط وفتحي المسكيني...
 
    وأودّ أن أشير في هذا السّياق إلى أسماء مجتهدة وفاعلة في السّاحة الفكريّة والجامعيّة التّونسيّة من أعضاء الهيئة العلميّة لمنتدى الفارابي كأستاذ التّعليم العالي في التّاريخ د. علي الزّيدي، وأستاذ التّعليم العالي في اللّغة والحضارة الأنقليزيّة د. منير التّريكي، والأستاذ المبرّز في الفلسفة الباحث في الفلسفة العربيّة زهير المدنينيّ، والأستاذ الباحث في الفلسفة الحديثة سفيان سعد الله... هذا علاوة على أن المنتدى يزخر بالعديد من الباحثين الجادّين في الفنون (موسيقى، مسرح، فنون تشكيليّة...) وفي الحضارة والعلوم الإنسانيّة.
 
    فالمجهود الفكريّ والثّقافيّ للمنتدى يمكن أن يثمر عطاءً جميلا حين يلتقي بالتّجارب والمحاولات الفكريّة النّقديّة التّحرّريّة. وهذا لعمري من التّحدّيات الكبرى الّتي تواجه المفكّر الإسلاميّ اليوم.