نافذة على المغرب

بقلم
بن هشّوم الغالي
جهود الدولة في إصلاح التعليم (2): المخطط الاستعجالي نموذجا

 تعددت المناظرات والندوات والمخططات  الاصلاحية  ابتداء من أول مناظرة وطنية لإصلاح التعليم سنة 1957 انتهاءا بالإصلاح المتمثل في المخطط الإستعجالي وقد جاء هذا الأخير لإصلاح منظومة التعليم، ورصد لهذا الغرض ميزانيــة ضخمة (32 مليار درهم)، واستبشر النــــاس خيـــرا، وضنوا أن التعليم الفاسد سيصبح صالحا. فما هي أهداف المخطط الإستعجالي ؟ وما هي نتائجه؟ وهل استطاع أن يغير المنظومة التعليمية؟ أم ظل سجين التصورات الإصلاحية الورقية؟

انطلق المخطط وفق أجندة خاصة تسعى إلى إصلاح التعليم بشقيه، وإعادة الاعتبار لتعليم متخلف سعيا لإنقاد المنظومة التربوية من الأزمة التي تتخبط فيها، وفي هذا الإطار قامت الوزارة الوصيـــة بتنسيــق مع المجلس الأعلى للتعليم بوضع خطة استعجالية كخارطة طريق في أفق زمني يمتد لأربع سنوات ابتداء من سنة 2009 وتتأسس هذه الخطة على ثلاثة مبادىء:
*المبدأ الأول : الإهتمام بالتعليم الأولي والإعدادي والرفع من جودته لوقف نزيف الهدر المدرسي .
* المبدأ الثاني: فتح المجال أمام التلاميذ والطلاب للتعبير عن طاقتهم ومؤهلاتهم الفكرية والمهنية سعيا لتفريخ طاقات مؤهلة قادرة على الإبداع والابتكار في جميع المجالات .
*المبدأ الثالث: رد الإعتبار لمهنة التدريس عبر التكوين الجاد والمسئول واستعمال تكنولوجيا الإعلام والإتصال.
ولا شك في أن هذه المبادىءكانت تحرص على الفورية والدقة والفاعلية في اتجاه  بلورة تصور شامل يرتقي بالمنظومة العليمية نحو الأعلى.
بعد مرور أربع سنوات على انطلاق خطة الإصلاح هذه، يحق لكل متتبع أن يتساءل عن النتائج والمحصلات، وفي اعتقادي إن كل المؤشرات تؤكد على فشل الوزارة الوصية في تحقيق غايات  المخطط المبنية على الأهداف التالية:
* القضاء على ظاهرة الهدر المدرسي، اعتمادا على الدعم الإجتماعي وااللوجستكي.
* تأهيل المؤسسات التعليمية من خلال توفير البنيات الضرورية؛
* تأهيل العنصر التربوي والإداري ؛
فيما يتعلق بالهدر المدرسي والذي كان الهدف منه البحث في أسباب الانقطاع عن الدراسة ومسببات التكرار في جل الأسلاك التعليمية، لم تعمل  الوزارة الوصية على تقريب المدرسة من التلميذ، وذلك بالعمل على توسيع شبكة النقل المدرسي في العالم القروي على الخصوص، ولم توفر الدعم الإجتماعي للتلاميذ الذين يعانون ضائقة الفقر والبعد عن المدرسة ، ولم تعمم المطاعم المدرسية، وإن وجدت فهي لاتلبي حاجياتهم الغدائية، وتفتقر لكل وسائل النظافة، وكم هي التقارير الصحافية التي كشفت الواقع المزري لهذه المطاعم التي راح ظحيتها العديد من التلاميذ بسبب تسمم غذائي. زد على ذلك الإكتظاظ الذي تعرفه الأقسام في غياب الشروط والظروف التربوية التي يجب مراعاتها  في الفضاء المدرسي، ففي كثير من الأحيان مايفوق عدد التلاميذ الأربعين تلميذا في القسم الواحد ، وفي غياب أحد أو بعض الأطر التربوية يجمع الأستاذ بين تلاميذ قسمين أو أكثر في قسم واحد، وتصوروا معي كيف يمكن للأستاذ أو المعلم أن يدرس في أوضاع كهذه؟ وكيف للتلميذ أن يتعلم ويجتهد ويبتكر في هذه الأجواء؟ وكيف يعبر عن طاقاته ومؤهلاته الفكرية والمهنية ؟ .النتيجة أن المؤطر يصبح متذمرا عاجزا عن الإلقاء والتلميذ عاجز عن التلقي،  مما يؤدي بالأطر التربوية إلى التغيب عن العمل باستمرار لعدم تأهيل الفضاءات التعليمية، وعدم تحفيزهم من جهة ويؤدي بالتلاميذ هم الآخرين في ظل هذه الغيابات المتكررة إلى الانقطاع عن المدرسة من جهة أخرى.
 وفي بادرة من نوعها ولحل مشكل الهدر المدرسي ارتأت الوزارة الوصية في إطار خطة الإصلاح: 
*الرفع من نسبة الناجحين إلى مايزيد عن 90 في المائة حتى ولو حصل التلميذ على أدنى معدل، المهم هو أن تكون نسبة النجاح عالية؛ 
* الاقتطاع من أجور الأطر التربوية للحد من من التغيبات المتكررة، دون الوقوف عند الأسباب؛.
*إعادة انتشار المدرسين بناء على الرغبة وليس على الخصاص؛
* تكليف بعض الأساتذة بتدريس بعض المواد المخالفة لتخصصهم لسد الخصاص، كأن يدرس أستاذ اللغة العربية مادة الفلسفة مثلا. مما يفسر ضيق الأفق عند الوزارة الوصية ونهج سياسة الإصلاح الترقيعية؛
* توزيع محفظات على التلاميذ، وكأن التلميذ يحتاج فقط إلى محفظة وأقلام.
بهذا المنظور إذن يتم رفع مستوى التمدرس  وتحسين الجودة والمنتوج المدرسي، هكذا تنظر الوزارة الوصية إلى إصلاح المنظومة التربوية، ؟ .إن ارتكاز خطة الإصلاح على الشكليات دون الخوض في المضامين ينتج بلا شك تعليما أعرجا هو في أمس الحاجة إلى علاج كيميائي لتقويم ما اعوج منه خلال خمسة عقود متتالية.
أما في مايتعلق بتأهيل المؤسسات التعليمية والذي كان الهدف منه:
* خلق فضاءات مدرسية في مستوى التطلعات ؛
*تحسين شروط العرض التربوي؛ 
*حل مشكل الاكتظاظ وتكدس التلاميذ؛ 
* بناء وتشييد بنايات جديدة وحجرات دراسية مزودة بالتجهيزات الظرورية تلبيى الحاجيات؛
*ترميم مؤسسات أخرى وتزويدها بالماء الصالح للشرب وربطها بالشبكة الكهربائية وبقنوات الصرف الصحي.
فإن كثيرا من هذه الأهداف في مجملها لم يتحقق فالنتائج والمعطيات تؤكد ذلك ؛ فمن أصل 1000 مؤسسة تعليمية كانت مقررة إنشاؤها خلال الفترة الممتدة مابين 2009-2012 تم بناء فقط 510 مؤسسة موزعة على التعليم الإبتدائي والثانوي وجل هذه المؤسسات لا تستجيب لمعايير الجودة ولا تراعي الظروف الإجتماعية والثقافية والبيئية التي تنشأ بها؛ في الوقت نفسه تم ترميم وإصلاح وتأهيل مايزيد عن 40 في المائة من مجموع المؤسسات المتهالكة  في حين ظلت أزيد من 10 ألاف مؤسسة غير مرتبطة بشبكة توزيع الماءالصالح للشرب و لا بشبكة توزيع الكهرباء.وافتقارقها لمرافق صحية نظيفة، ناهيك عن قلة العتاد والتجهيزات وضعفها، وهذا يتنافى مع أهداف المخطط.ويضرب في العمق مشروع" المدارس الجماعتية "الذي نص عليه الوزير اخشيشن  في مخططه الاستهجاني والذي يهدف إلى إعادة تأهيل النسيج المدرسي وذلك بخلق مدرسة نموذجية  تتوفر على شبكة لنقل التلاميذ ومطعم ومسكن للأطر التربوية و الإدارية و تحفيزات مادية وأثاث مدرسي.
أما في ما يتعلق بتأهيل العنصر التربوي والإداري، عن طريق التكوين والتكوين المستمر في مختلف المجالات الإدارية والتربوية والانفتاح على تكنولوجيا الاتصال والمعلوميات لتنمية إمكاناته ومعارفه وقدراته حتى يصبح عنصرا فاعلا في تطوير المنظومة التربوية وقادرا على مسايرة التكنولوجيا الحديثة ومنفتحا على التجارب العالمية ومستحضرا الخصوصية الثقافية والمجتمعية.التي ينتمي إليها.وهذا الشيىء لا يتأتى إلا بتوفير المناخ المناسب لتفجير طاقاته وتنمية ملكاته الفكرية. ليسهم بدوره في التنمية الإقتصادية والعلمية والثقافية .
وأمام ضعف الإمكانات واحتكارها من طرف جهات اعتادت الاقتتات على ما تجود به الوزارة الوصية من عتاد تكنولوجي وأثاث مدرسي وتغييب العنصر البشري في التدبير التشاركي وفي التكوين وقلة المؤطرين وسوء توزيعهم على الخريطة المدرسية وفي غياب إرادة حقيقية في  اعتماد مقاربة شمولية وموضوعية لتدبير شؤون المنظومة التربوية تمشيا مع  مبادئ الحكامة الجيدة  قد أضاع فرصت تنزيل مضامين المخطط الاستعجالي على الوجه الأكمل.كل ذلك أثر سلبا على الأهداف المسطرة في البرنامج الاسعجالي أو بالأحرى الاستهجاني.