كلمة وكفى

بقلم
نجم الدّين غربال
ردّا على دعاة التشريع لاستبداد الدولة

 شاع الاستبداد في تونس بالتزامن مع ضعف ثقافة الحقوق وإفراغ المجتمع من قواه المناضلة من أجل الحقوق والحريات لكن ثورة الحرية والكرامة التي انطلقت سحر ليــــل 2010 وبزغ فجرهـــا يوم 14 جانفـــــي 2011 كانت لحظة تاريخيـــــة حسبناهــــا قطعت مع الاستبداد كفكرة واستأصلتــــه من العقــــول إلا أن ما لاحظناه هذه الأيام من تفاعـــل مشبوه مع استجابــــة المجلــــس الوطنـــي التأسيسي لدلالة من دلالات مطلب العفو العام والذي هو من مطالب الحقوقيون والثـــورة شروعـــا فـــي رفـــع مظلمــــة سلطـــــت على مـــن ناضلوا منذ عقـــود ولا يزالون ضد الاستبـــداد بإقـــراره لمبدأ " التعويـــــض" أثار لــــدي بعض الملاحظات رأيت عرضها ردا على دعـــاة التشريـــع للاستبداد في ضحى ثورة قامت أصلا ضده .   

                                                                                              
أولا القول بالتعويض قول لا يعكس شعـــورا عميقا ولا وعيا كبيرا بحجم الضـــرر الذي لحق عشرات الآلاف من التونسيين طيلة عقود من الزمن لإن مال الدنيا كله لا يعوض مرحلة الشباب التي قضوها بين الفرار والسجون والمراقبة الإدارية التي وصل سقفها ل12 مرة يوميا خاصة في مدينة صفاقس  ولا يعوض الحرمان الاجتماعي والدراسي الذي عاشوه ولا تبعات سنين الجمر والاضطهاد والإقصاء التي لا تزال تلاحق بعضهم  فعدد منهم إلى اليوم محروم من حقه في التدريس على سبيل المثال والمجتمع محــــروم أيضا من خدماتهم و ما يعنيه ذلك من إهدار للمال العام الذي استثمر طيلة ربع قرن من الزمن من أجل إعدادهم ككفاءات البلد اليوم في أمس الحاجة إليهم لجمعهم للقدرة والأمانة في آن واحـــد: القدرة العلمية والأمانة الأخلاقية  هذا الثنائي الذي أفرز طلاقهمــــا لدى بعــــض من النخبة منظومة فساد صاغها المخلوع كادت أن تأتي على الأخضر واليابس في بلدنا لذلك وغيره كثير كان الأجدر القول بجبر الضرر لا التعويض هذا الجبر الذي لا يمكن إلا أن يلامس الضرر المادي لأن الضــــرر الأدبي والمعنـــوي والاجتماعـــي لا يقدر أحد أن يجبره إلا الله سبحانه.
 
ثانيا إن دعاة منع المتضررين من جبر الضرر على نسبيته بدعاوى شتى  إنما يشرعون بدعاويهم تلك للاستبـــداد من حيث يعلمــــون أو لا يعلمون في مستقبل الأيام كيــف لا والحال أنهم بذلك لا يحملون الدولة تبعات ما اقترفته في حق فئات من مواطنيها و يشرعون لها ضمنيا أن تتملص من مسو ولياتها ومن التكفير عن ذنبها تجاههم فضلا عن أنهم يبعثون برسائل للمواطنين بأن النضال ضد الدولــة إن استبدت ليس واجبا يقابله حق فبانتفاء الحق ينتفـــي الواجب لذلك فهم يشرعون لاستبداد مستقبلي وعوا ذلك أم لا مهما رفعوا من شعارات ظاهرها مصلحة وطنية وباطنها مواصلة