في عيدهن

بقلم
اميمة السافي
كيف أعز الإسلام المرأة؟

 قال تعالى فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيْلِ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْـــــسٍ وَاحِــــدَةٍ وَخَلَــــقَ مِنْهَــــا زَوْجَهَـــــا وَبَثَّ مِنْهُمَــــا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُــــونَ بِــــهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً " [النساء : 1]

 
أعيد اليوم طرح مسألة حرية المرأة ومساواتها بالرجل بعد قرن من الزمان خلنا فيه ان هذه المسألة قد وقع الحسم فيها إلاّ ان المستمع اليوم لعديد من الفتاوى الغريبة والأصوات المتأتية من هنا وهناك والتي تحط من قيمة المرأة ومكانتها وإنسانيتها التي منحها إيّاها الاسلام، جعلني اعيد طرح هذه القضية والتي سبقني اليها جهابذة الفقهاء والعلماء وما انا سوى ذرة في بحر علومهم ولكن غيرتي على بني جنسي ورغبتي في استرجاع النقاط ووضعها على الحروف يحثني ويلحني في طرح مسألة نظرة الاسلام للمرأة وكيف اعزّها ومنحها قيمة فاقت الرجل أحيانا.
قبل الانطلاق في تبيان مواطن العزة في الاسلام لابد من الرجوع قليلا عبر التاريخ وإلقاء نظــــرة سريعــــة علـــــى وضعية المرأة عبر العصور وصولا الى نزول الرسالة المحمدية.
 
حقـــائــق عن المرأة عبر التاريخ
 
إن من صفحات العار في تاريخ البشرية ، أن عوملت المرأة على أنها ليست من البشر ، فلم تمر حضارة من الحضارات الغابرة ، إلا وسقت هذه المرأة ألوان العذاب ، وأصناف الظلم والقهر 
فعند الإغريقيين عوملت المرأة على انها شجرة مسمومة، ورجس من عمل الشيطان وعند الرومان قالوا عنها : ”ليس لها روح“ 
وعند الصينيين قالوا عنها : ”مياه مؤلمة تغسل السعادة“ ، 
وعند الهنود قالوا عنها لباس الموت ، والجحيم ، والسم ، والأفاعي ، والنار“ ، بل وليس للمرأة الحق عند الهنود أن تعيش بعد ممات زوجها ، بل يجب أن تحرق معه. وعند الفرس ، أباحوا الزواج من المحرمات دون استثناء، وعند اليهود ، قالوا عنها لعنة لأنها سبب الغواية ، ونجسة في حال حيضها ، ويجوز لأبيها بيعها 
وعند النصارى ، عقد الفرنسيون في عام 586م مؤتمراً للبحث في كينونة المرأة، هل تعد إنساناً أم غير إنسان؟ ! وهل لها روح أم ليست لها روح؟ وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟ وأخيراً، قرروا أنَّها إنسان ، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب. وأصدر البرلمان الإنكليزي قراراً في عصر هنري الثامن ملك إنكلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب (العهد الجديد) أي الإنجيل لأنَّها تعتبر نجسة. وعند العرب قبل الإسلام :تبغض بغض الموت ، بل يؤدي الحال إلى وأدها ، أي دفنها حية أو قذفها في بئر بصورة تذيب القلوب الميتة.
 
كيف حمى الاسلام المرأة
 
أحاط الإسلام المرأة بسياج متين يهدف إلى الارتقاء بها وحفظ حقوقها وتوجيهها إلى طريق الحياة الفاضلة. والإسلام هو أول دين سماوي قرّر للمرأة حق المســــــاواة مع الرجـــــل مع مراعاة طبيعة كل منهما.
 صيغة نداء واحدة
 
ان التفاضل بين الذكر والأنثى ، وبين الناس كافة هو التقوى .قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، [الحجرات:13]
والرسول صلى الله عليه وسلم دعا النساء كما دعا الرجال وبايع النساء على الدخول في الاسلام كما بايع الرجال وصلى إماماً بالرجال والنساء. ساوى بين الرجل والمرأة في العبادات وفي تحمل المسؤولية ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)
وأوجب الله على الرجل والمرأة تكاليف متماثلة، ساوى بينهما فيها. فالصلاة واجبة على الرجل والمرأة وبقية الشرائع
وساوى بين الرجل والمرأة في عمارة الأرض، فكلاهما مأموران بالعمل، قال تعالى: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}. وكلاهما مأمور بأنواع الطاعات، قال تعالى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}،[الأحزاب:35].
وفي القران أكثر من عشرين موضعاً ينادي فيه الله الرجال والنساء بقوله يا أَيُّهَا الناس ..قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } [البقرة:21] و{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [النساء:174] .
لم تقتصر مراعاة الاسلام للمرأة في حدود المساواة بل تجاوزتهـــا الى درجة المحاباة والتفضيل، فكيف حابى الاسلام النساء؟
 
التأكيد على مكانة الام
 
يقول فيها خير البريه عليه الصلاة والسلام حينما سأله رجـــلاً .. وقال له من أحق الناس بحسن صحبتي ..يارسول الله ،
قال له .. أمك .. 
قال : ثم من .. قال : أمك ..
قال : ثم من .. قال أمك ..
قال : ثم من .. قال أبوك ...فهل نادى الرجل وقال هذا ظلم ؟؟؟..
ومن هذه القاعده الذهبية.. جلست الأم على عرش التقدير والإجلال والإكبار، فأصبحت الأم في المجتمع المسلم تعامل أفضل من الملكة بل وأكثر من ذلك بكثير .. !!
 
تخفيف العبادة
 
لقد راعى الدين الإسلامي الحنيف تخفيف العبادة عن المرأة، فالتكليف بالعبادة كالصلاة والزكـــــاة والصيــام والحــج فيه نــوع من المشقة بالنسبة للمسلم العادى أما بالنسبة للمرأة في حالات الحمل والولادة وفي فترة النفاس وعند الحيض فإنها تصبح غير محتملة حيث تكون المرأة في حالــــة ضعف لذلك أعفاها الشــــرع من الصلاة في فترتي الدورة الشهرية والنفاس، كما رخَّص لها بالفطر في حالات الحمل والرضاع والحيض محافظة على صحتها ورعاية صحة طفلها ووقاية لها من الأمراض.أما إذا انتهى العذر فإنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.
 
الوقاية من الأمراض
 
ومن أهم أسباب الوقاية من الأمراض في التشريع الإسلامي أنه حرَّم الاتصال بالمرأة وقت الحيض قال تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهنَّ من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة:222]. 
 
كما حرَّم الإسلام الزنى قال تعالى: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} [الاسراء :32] . ولا شك أن تحريم الزنى يعد من أعظم طرق الوقاية من أمراض كثيرة وخطيرة . كما حرَّم الإسلام الشذوذ الجنسي للوقاية من الأمراض وأوجب العلاج وحــــذِّر من التهـــاون في طلبه محافظة على الصحـــــة قال تعـــــالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكــــــة}[البقرة:195]. ولــــم يقف التشريــــع الإسلامــــي في المحافظة على الصحة عند تقرير أسباب الوقاية من الأمراض، وإنما توجد العديد من الأحاديـــــث النبويــــة الشريفــــة التي تدل على مشروعية العلاج فجعل العلاج مكفولاً لكل مريض.
 
أمن المرأة المسلمة
 
تتمتع المرأة في الإسلام بالحماية الأمنية لبدنها وعرضها وحياتها وكيانها الأدبي والنفسانــــي فتكون بذلك في مأمن من التعدي عليها أو تهديدها أو تعريض حياتها للخطر. ولما كانت المرأة أكثر تعرضاً للمخاطر الأمنية من الرجل لأنها مطمع ومجال للعدوان في ذات نفسها لهذا كانت المرأة أخصَّ بالحماية في نطاق الإسلام.
 
كما قد تتعرض المرأة للهجرة ـ اختيارياً أو إجبارياً ـ مثل الفرار خوفاً على عقيدتها ودينها أو حياتها أو عرضها وفي هذه الحال يكون لها حق اللجوء والإيواء الآمن. قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحونهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنَّ حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن} [الممتحنة:1 ].
فحقوق المرأة في الحماية الأمنية مكفولة ضمن المبادئ الفقهية المتفق عليها من جمهور العلماء.
 
كيف ساوى الاسلام بين المرأة والرجل في الحقوق؟
(ميراث المرأة وشهادتها)
 
لقد أساء البعض فهم موقف الشرع الإسلامي من ميراث المرأة وشهادتها وحاول خصوم الإسلام والمسلمين تشويه مقاصد الشرع الإسلامي في هذا الشأن فرددوا الكثير من المزاعم والافتراءات ومنها: أن المرأة نصف الرجل!! وحقيقة الأمر أن الحكم المستفاد من قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة:282]. فالآية الكريمة تستهدف التخفيف عن المرأة فلا تشغل بحمل عبء الشهادة في المواطن التي يقتضيها حمل هذا العبء من أمور المداينات والمبايعات فكان ذلك سبباً للتخفيف عنها وتدقيقاً في إقامة العدل وليس للتقليل من شخصية المرأة أو كرامتها.
 
كما أن المرأة مقدمة على الرجل في الشهادة في أمور مثل الولادة والبكارة والثيوبة وانقضاء العدة وهي الأمور التي لا يطلع عليها الرجال. فهذه الأمور تتفرد بها المرأة بالشهادة فلا يجوز أن يُقال إن ذلك ضد أهلية الرجل وكرامته لأن ذلك من النظام العام للتشريع الإسلامي الذي يسعى لتحقيق أكبر قدر من التيقن لإقامة العدل.
هذا بالاضافة الى إن شهادة المرأة مساوية لشهادة الرجل في بعض الأمور قال تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرؤ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} [النور:6ـ9 ]. ومن ثمَّ كانت المرأة مساوية للرجل في الشهادة وجوباً ومقداراً وحكماً.
 
لقد أعاد الإسلام للمرأة إنسانيتها وكرامتها التي ضاعت منها في جميع العصور .
وأصبح لها الحق بأن ترث وتتعلم وتعمل و اعاد لها حق الموافقة على الزواج أو رفضه .
وحقق لها حقوقها دون ثورة نسائية، دفعة واحدة 
فقد أعطاها الحقوق المالية، والأهلية القانونية ..ولم يتركها بل وجهها الى كل ما يناسب فطرتها ..
 
وإن كان هناك فرق بين الرجل والمرأة، فإنها لا تعدو مجالات محدودة لا علاقة لها بالمساوة بينهما في الإنسانية والكرامة بل وضعت لضرورات اجتماعية واقتصادية ونفسية .
 
ويبقى الاسلام سباق إلى إيجاد حقوق المرأة التي تنادي بها الشعوب الآن والتي تنادي بها الجمعيات النسائية وسبقهم اليها بقرون عديدة.