اقتصاد ومال

بقلم
منذر محمدي
شهادة التحرير من المعلوم الوحيد التعويضي على النقل بالطرقات أو "شهادة النظافة" أين الأساس

 يمكن تعريف هذه الشهادة بكونها وثيقة تسلمها مصالح الجباية تثبت عدم وجود محاضر جبائية جزائيـــة مرتكبة من قبل سائـــق أو صاحب الشاحنة موضوع هذه الشهادة، وتكون لها علاقة باستعمال الشاحنة، وهي من الوثائق المكونة لملف تغيير بطاقة التسجيل، (البطاقة الرمادية سابقا)، عند نقل ملكية العربة.

 
غير أن شروط تسليمها تكاثرت وتعددت  بحيــــث أصبحت مصالح الجبايـــــة تشتـــرط أن يكون بائع العربة قد قــــــــام بإيـــداع كافة تصاريحه الجبائيــــــــــــــــة. ومما زاد الأمر تعقيدا، فان بعض مصالح الإدارة أصبحـــت تمتنع عن تسليــــم هذه الشهادة كلما تبيــــــن، من وجهــــــــة نظر بعض الأعــــــوان أو المسؤوليــــن، أن بائع الشاحنــــة لم يصرح بكافة مداخيله الحقيقية أو أن تكــــون لــــه ديون جبائية مثقلة بدفاتر قابض المالية.
 
وقد تعددت القرارات والمذكرات التي تقنن وتشرح شروط تسليم هذه الشهادة ويمكــــن الاكتفاء بذكر المذكرة عدد 8641 بتاريخ 20 /10/2003 الصادرة عن المدير العام للأداءات.
 
وقد كان هذا التشعب والغموض المتعلق بالأساس القانوني لهذه الشهادة مدخلا للارتشاء والمحسوبية على نحو يستوجب طرح السؤال الآتي: هل أن هذه الشهادة تعد وثيقة مشروعة؟
 
يمكن الإجابة عن هذا السؤال في محورين اثنين يتعلق الأول بالإقرار بعدم شرعية هذه الشهادة (1) ويتعلق الثاني بكيفية مواجهة غياب الشرعية (2).
 
(1) الإقرار بعدم شرعية هذه الشهادة
 
يمكن إبراز عدم قانونية هذه الشهادة من خلال مخالفة مبدأ شرعية الجباية (أ) من ناحية وتضاربها مع مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية (ب) من ناحية أخرى:
 
(أ) على مستوى مخالفة مبدأ شرعية الجباية
 
لقد ورد بتوطئة دستور 1959 أن النظام السياسي في تونس يرتكز على قاعدة تفريق السلط ونص الفصل 18 على اختصاص السلطة التشريعية بممارسة سلطة التشريع وأضاف الفصل 34 مؤكـــدا على اختصاص هذه السلطة بسن القوانين المتعلقة بالضرائب.
 
وانطلاقا مما ذكر يمكن القــــول أن السلطـــة التنفيذيـــة أو الإدارة لا حق لها في وضع قواعد تدخل في اختصاص  السلطة التشريعية المنصوص عليه بالفصل 34 المذكور وذلك بناءا على مبدأ شرعية الجباية. وهذا يعني أن الإدارة لا يمكن لها إنشاء شهادة التحرير مـــــــــن المعلــــــوم الوحيــــد التعويضـــي على النقل بالطرقـــات أو "شهادة النظافة".
 
(ب)  على مستوى تضاربها مع مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية
 
ينص الفصل 47 فقرة 2 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية على ما يلي: "... يوظف الأداء وجوبا في صورة عدم قيام المطالب بالأداء بإيداع التصاريح الجبائيــــة ... في أجل أقصاه 30 يومــــا من تاريخ التنبيه عليه...".
 
وانطلاقا من منطوق هذا النص، يمكن القول أن المطالب بالأداء يتمتع بمهلة قدرها 30 يوما من تاريخ التنبيه عليه بإيداع التصاريح الجبائية.
 
وفي صورة عدم احترام المطالب بالأداء لهذا الأجل فان الإدارة يمكنها توظيف الأداء بواسطة قرار توظيف إجبـــــاري صـــــادر عن وزيــــر الماليـــــة أو من فوض لــه وزير المالية فــــي ذالك، وذلك حسب صريح الفصــــل 50 من نفس المجلة.
 
ويمكــــــن الطعـــــن في هذا القـــرار أمام المحكمة الابتدائيـــــة في أجل 60 يومــــــا من تاريخ تبليغ قرار التوظيف الإجباري. وتصدر المحكمة حكما قابلا للاستئناف أمام محكمة الاستئنــــاف التي تبت في القضية. ويكـــــون حكمهـــا قابلا للطعن بالتعقيب أمام المحكمة الإدارية، وهي اجراءات يمكن أن تستغرق عدة سنوات.
 
وعملا بقاعدة حسن النية أو بقرينة البراءة، فان الإدارة لا يمكنها مطالبة أي مطالب بالأداء بإيداع تصاريحه الجبائية خلافا للطرق المنصوص عليها بمجلة  الحقوق والإجراءات الجبائية.
 
وفي خصوص العقــــاب الجزائـــــي المنصوص عليــــه بالفصل 89 من مجلة الحقـــــوق والإجــــراءات الجبائية، فان الإدارة لا يمكنها إلا إثارة الدعوى العموميـــــة، باعتبار أنــــه من الناحية النظرية فان القاعدة هي قرينة البراءة وبالتالي فان كل متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته.
 
وهذا يعني أن  شهادة التحرير من المعلــــــوم الوحيــــد التعويضي على النقل بالطرقات أو"شهادة النظافة" مخالفة للقانون باعتبارها تلزم الأشخاص بإيداع تصاريحهم الجبائية بطريقة مخالفة لقواعد مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية.
 
(2) طرق مواجهة هذا الانحراف بالسلطة
 
لاشك أن الانصياع لشروط الإدارة يعد حلا من الحلول للحصـــول على شهادة التحرير من المعلوم الوحيد التعويضي على النقل بالطرقــــات أو"شهادة النظافـــــة"، وبالتالي إمكانية الحصــــول على شهادة تسجيل العربة.
 
 
بيد أن القانون يوفر حلين آخرين يتعلق أولهما بدعوى تجاوز السلطة(أ) ويتعلق الثاني بالحصول على إذن على عريضة(ب).
 
(أ) دعوى تجاوز السلطة
 
طبقا لقانون المحكمة الإدارية فانه يمكن الطعن في القرارات الإدارية اللامشروعة أمام هذه المحكمة. ويطلق على هذا التقاضي تسمية دعوى تجاوز السلطة، الذي يتم بواسطة تحرير عريضة توجه إلى رئيس المحكمـــة الإدارية عن طريق البريــــد، أو تسلم إلى مكتب الضبط مقابل وصل، أو تبلغ عن طريق عدل منفـــذ. وتعتبر إنابة المحامي غير وجوبيه في هذا النزاع.
 
وفي صورة الحكم بإلغاء القرار الإداري المتعلق بإنشاء شهادة التحرير من المعلوم الوحيد التعويضي على النقل بالطرقات وبعد استفاء إجراءات الاستئناف والتعقيب، إن لزم الأمر، وذلك أمام نفس المحكمـــة، فان هذا الحكم يكون ملزما لكافة السلط، ويمكن أن يتمسك به كل من له مصلحة في ذالك، وحينئذ تكون الإدارة ملزمة بإلغاء هذه الشهادة.
 
(ب)  إذن على عريضة
 
يحرر الإذن على عريضة طبق الاجراءات والشروط  المنصوص عليها بمجلة المرافعات المدنية والتجارية ويختص بالنظر فيها رئيس المحكمة الابتدائية الراجع له بالنظر إدارة النقل البري المطالبة بتسليم شهادة تسجيل العربة.
 
ولا يمكن أن يلجأ إلى هذا الإجراء إلا الشخص الذي له مصلحة في ذلك، أي الشخص الذي له مصلحة في تغيير شهادة تسجيل العربة.
وفي صورة اقتناع رئيس المحكمة، فانه يأذن بتسليم شهادة التسجيل بدون توفر شهادة التحرير من المعلوم الوحيد التعويضي على النقل بالطرقات. وفي هذه الحالة فان مصالح النقل البري ملزمة بتطبيق ما ورد بالإذن المذكور.