مجرّد رأي

بقلم
توفيق الشّابي
حواراتنا وأزمة التواصل

 في خضم الجدل الذي تعيشه تونس بعد الثورة لا تخلو جلسة في منزل أو مقهى أو أي مكان آخر من حديث ونقاش حول قضايا الساعة. في إحدى جلساتي الأخيرة في مقهى من مقاهي الحي كان الحوار حول موقع الشريعة والأحكام الإسلامية في واقعنا اليوم وخاصة حول موضوع المرأة والإرث تحديدا. هم مواطنون عاديون ليست لهم أنشطة سياسية أو فكرية لكنهم مثقفون ومطلعون نوعا ما بالنظر إلى مستواهم الدراسي الجامعي. بسرعة برز صوتان انطلق بينهما نقاش احتد سريعا. الصوت الأول يدافع عن ضرورة المحافظة على حق المرأة وفقا للنص القرآني الواضح الذي لا يحتمل التأويل. وكل محاولة للمراجعة هي خروج عن النص ومس بأصول الدين وهي دعوة للعبث بالإسلام لا يعتنقها إلا كافر ملحد خارج عن الملة( طبعا يقولها بحماس فائض، بصوت عال وبجدية كانت غائبة منذ حين). يجيبه الصوت الثاني بحماس أيضا معتبرا أن أحكام الإسلام في مجملها تنضح تفرقة و إرهابا وتخويفا من قطع يد سارق إلى الرجم مرورا ب "للذكر مثل حظ الأنثيين". ولا مجال في القرن الواحد والعشرين للإرهاب والاستبداد وهو ما نادت به الثورة التونسية.

 كان مشهدا مثيرا بالنظر إلى طبيعة الشخصين المتحاورين. في أي لحظة كان يمكن أن تكسر كؤوس الشاي التي بين أيدينا وتطير الكراسي فوق رؤوسنا. لكن أخيرا هدأت العاصفة بعد بعض الدقائق الحارة.
بتقديري، خلاصة مشهد كهذا ليست الأفكار في حد ذاتها. الأفكار التي قد نتفق معها وقد نختلف، بل الأهم من ذلك ما نعانيه من أزمة على صعيد التواصل عند تناول قضايا خلافية. هذه الأزمة تمتد من المواطن العادي إلى المثقف والسياسي ونخبة المجتمع وهو ما نشاهده و نسمعه و نقرأه في وسائل الإعلام من حوارات للطرشان تؤخر ولا تقدم. ولعل أهم مظاهر هذه الأزمة هي ما يلي:
- التمركز حول الذات والاحساس المفرط بامتلاك الحقيقية المطلقة. حيث الغياب التام تقريبا لثقافة تعتمد الحوار وتؤمن بنسبية الأفكار وقابليتها للمراجعة والتصويب مع مرور الزمن.
- سيطرة العاطفة عند تناول أي مسألة وهو ما يفسر بتقديري الحدة والحماسة المفرطة عند الحوار مع الآخر. هذا الأمر يقود الى استعمال عبارات جارحة وعنيفة  تقود الى قطع اية عملية تواصل.
- غياب الحس النقدي عند التعامل مع أية معلومة أو فكرة وهو ما يجعل المواقف تبنى على أفكار مسبقة ومعلومات خاطئة وغائمة أحيانا. 
- غياب المهارات التي يمكن أن تُنجِحَ أية عملية تواصل كالانصات/ الدقة والوضوح وغيرها.
هذا بعض من مظاهر أزمة التواصل التي تمثل عائقا أساسيا أمام انجاح حواراتنا خاصة في هذه المرحلة من تاريخ تونس. هذه المرحلة التي هي مرحلة بناء لمؤسسات ديمقراطية حقيقية وهي أيضا مرحلة تأسيس لثقافة تنبني على الحوار. برأيي ان العمل على تجاوز هذه المظاهر مهم لبناء هذه الثقافة. وهذا العمل هو من مسؤوليات المجتمع المدني والدولة وعلى الفرد أيضا الذي يجب عليه  أن يكون ايجابيا وعلى وعي بمثل هذه السلبيات ويعمل على تجاوزها. ان الانسان مدني بالطبع كما يقول ابن خلدون لذلك لا مناص لنا من أن نتواصل ونتحاور من أجل مجتمع فيه مكان للجميع.