التحليل السياسي

بقلم
الهادي الغيلوفي
الثورة السورية: ثورة حرية وعدالة اجتماعية لا ثورة طائفية

 مخطأ كل من يعتقد أو يتوهم بان الثورة السورية هي ثورة سنية ضد العلويين ا وان لها طابع طائفي فالشعب السوري يعاني منذ قرابة نصف قرن من هيمنة طبقة سياسية فاسدة يترأسها آل الأسد ويشترك فيها شلل من كل الطوائف من سنة ومسيحيين ودروز وعلويين وكل ينال نصيبه من النهب والسرقة بقدر جهده وولائه لراس الفساد الأكبر الذي يتستر بالشعارات القومجية(من قبيل الصمود والتصدي والممانعة وغيرها) التي سرقها من الإباء المؤسسين وانقلب عنهم فالفساد لا طائفة له ولا دين له .

فقد أدركت هذا مبكرا عندما قادتني الأقدار إلي سوريا الحبيبة بداية التسعينات بعد خروجي القسري من تونس لأسباب معلومة مجهولة .عندما وجدت إن التسجيل في الجامعة يتطلب الانتساب للحزب الحاكم هناك ودفع رشوة محترمة للرفاق البعثيين التونسيين الذي كانوا ينفقون هذه الأموال علي بارات المرجى وفنادق الدعارة المحمية من أجهزة المخابرات .
 
عندما انسدت الأفاق أمامي وجدت إخوة سوريين قوميين تقدميين تعهدوا تسجيلي بالجامعة اللبنانية وكم تفاجئت بان يكون إخوتي من الطائفة  الاسماعلية  ليسوا من السنة فكم كان هؤلاء الإخوة رائعين اؤلائك الريفيين الصدوقين الكرماء من تل التوت والسلمية ومصياف الذين أدركوا إن وجودي في الشام خطر لأنني حرا ولا يمكن أن أتعايش مع حفنة من المخبرين الذي يبيعونك بابخس الإثمان. 
 
ومع اندلاع الثورة ومنذ شهورها الأولي انخرط هؤلاء الإخوة في الثورة فاعتقل منهم من اعتقل وضل بعضهم متخفيا ولكن المعضلة إن النظام القمعي لم يجد وسيلة لإضعاف تلك اللحمة الوطنية بين أهل مصياف وأريافها سوي اللعب علي اللعنة الطائفية في محاولة منه لإحداث الفرقة بين أبناء القرية والمدينة الواحدة سوي بث الشكوك والتخوين بينهم وبدا يلعب لعبة يتقنها وسبق له ان تمرس فيها في الساحة اللبنانية بغتيال احدهم ورمي جثته في قرية أخري لا ينتمي إليها طائفيا . 
وفي شهر أوت الفارط  يرن هاتفي ا لأجد احد الإخوة يخاطبني من رقم مجهول ويطلب مني نشر بيان موجود علي صفحة العيش المشترك لأهل مصياف للمساهمة في درئ الحرب المذهبية والطائفية بين مكونات العائلة الواحدة أخي هذا اعرفه منذ ذلك الزمن البعيد تسعينيات القرن الماضي  لا صلة له بالطائفية فكرا وممارسة فهي قومي تقدمي قاتل مع الثورة الفلسطينية في حرب سنة 1982 دفاعا عن بيروت وهو متزوج من سيدة فاضلة سنية  من مصياف وأخته متزوجة من سني من دمشق ومن يومها أدركت إن هذا النظام مستعد أن يلعب كل الأوراق القومجية والطائفية والمذهبية للدفاع عن ملك ورثه من والده وان علي كل إنسان مؤمن بالحرية أن يدعم ثورة هذا الشعب الذي يشارك في الثورة بكل مذاهبه وطوائفه لإسقاط نظام فاسد كتم أنفاس السوريين ما يزيد عن 42 سنة تحت شعارات حق أريد بها باطل. 
فلم تتوانَ السلمية والقامشلي والسويداء وأفراد ومجموعات من قرى اللاذقية وطرطوس ومصياف وصافيتا، ومئات الناشطين، عن الانخراط في الثورة، لأنّها برأيهم ثورة على نظام إفقاري استبدادي، لطالما أذاق الطبقات الشعبية كل صنوف الذل والهوان. وهذا عدا الإفقار العام، كواقعٍ نتج عن السياسات الليبرالية «الاحتكارية» وبخاصة في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة. لذلك، انخرطت تلك البلدات وهؤلاء الناشطون، في التظاهرات اليومية، وفي تقديم كل أشكال الدعم الإغاثي والطبي، وقد فتح «السلامنة» منازلهم «للحموية» منذ الهجوم الشرس للنظام في آب (أغسطس) 2011، وبالمثل فعل أهالي السويداء مع أهالي درعا وعموم السوريين، وذلك في سابقة عمقت التلاحم المجتمعي، وأظهرت عمق اللحمة الوطنية، وأوضحت أن النزعات الطائفية لا أساس لها في سورية، وما محاولات النظام وبعض القوى الطائفية الدفع نحو ذلك، سوى محاولات يحاصرها الشعب، بنزعته الوطنية الجامعة. هذا الفعل كان فعلاً شعبياً، وليس فعلاً سياسياً مقصوداً يقف خلفه كسبٌ سياسيٌّ ما..
 
في المناطق التي فيها غالبية علوية، تراجعت نزعة التأييد للنظام، بعجره وبجره. فقد شهدت دمشق توقف الأحياء التي كانت ترفد الشبيحة بأفراد منها، وبدأت تظهر علامات تململ واسعة في أحياء حمص كالأرمن وغيرها، وفي غير حمص، وقد اتخذ أهالي القرى المحيطة بالحفة في اللاذقية، موقفاً شجاعاً، ضد ممارسات النظام، مما تعرضت له تلك المنطقة من قصف مدفعي، بل احتضن سكان القرى المجاورة أهالي الحفة، حالما هُجروا من مناطقهم، وهناك استياء متنام في كامل المناطق المحسوبة على النظام.
 
الخشية الآن تتمثل في انفلات مجموعات أوغلت بالدماء، إزاء أية مجموعة تخرج بتظاهرة من الأحياء والمناطق المحسوبة على النظام، لأنهم بدأوا يشعرون بتطور الثورة وتوسعها المتنامي، وبالتالي الوصول إلى لحظة عزلهم، وإخراجهم من المناطق التي أسروا أهلها فيها منذ بداية الثورة. هذه الأجواء كانت خافتة، ولكنها تصاعدت بفعل الضعف المتزايد للنظام.
 
طبعاً، هناك شرائح اجتماعية لا تزال على عادتها السابقة المؤيدة لكل ما يقوم به النظام، ولا تزال تثير الهلع والخوف والذعر في المناطق التي يوجدون فيها، ولكنها كظاهرة ستزول حالما، ويتبين للغالبية الشعبية في كل سورية ومنها هؤلاء السكان، أن التغيير صار وشيكاً
 
لقد اعتمد النظام سياسة الضبط الأمني الخفيف مع مناطق الأقليات في بداية الثورة، بما فيها المناطق التي يتكاثر فيها الأكراد والأشوريون، بل كانت محاولته الدائمة عزل أبناء الأقليات عن الثورة، وهو ما جرى مع من اعتقل منهم كافة، ولا يزال مستمراً بالسياسة نفسها في تلك المناطق، ولكنه في الشهر الأخير ومع سياسة التدمير الشامل للمدن، التي اعتمدها كتعبير عن إفلاسه، ليس لجهة الخيار الأمني - العسكري، بل لجهة إفلاسه كنظام من النواحي كافة، فإنه لجأ إلى سياسة القتل لناشطين في كل من السويداء والسلمية وقبلهما في المناطق الكردية، وهو ما عمق الثورة في تلك البلدات ودفع بأعداد جديدة من الناس للمشاركة، وقد توسعت رقعة التظاهرات والاحتقان الشعبي العارم، وكعادة النظام زاد من الوجود الأمني الكثيف في تلك المناطق. لكنْ، تبين بوضوح أن هذا النظام لا يحمي سوى نفسه، وأن الثورة السورية شعبية بامتياز، وأن توسعها أصبح عارماً.
وان ساعة الحسم قد اقتربت وان النصر آت آت آت لا محالة ويرونه بعيد ونراه قريب كل التحية لؤلائك الإخوة في تل التوت والسلمية ومصياف وفي كل الضيع والقرى السورية المقهورة والتي تطلب الحرية دون أية نزعة طائفية تحية لك يا علي يا ناصر يا احمد يا امال يا ندي ندعوا الله أن يكون اللقاء قريب هناك حول صاج الخبز والمدفئة  في مصياف والسلمية وتل التوت الابية.