في العمق

بقلم
د.مصدق الجليدي
في أصول المساواة بين الرجل والمرأة

 يوجد على الأقل خمسة أصول للمساواة بين الرجل والمرأة

1- الأصل الطبيعي: وهو الانتماء إلى الجنس البشري أو النوع الإنساني الواحد.
2- الأصل الشرعي: وهو يتطابق مع الأصل الطبيعي، لقوله تعالى: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة  " وقوله صلى الله عليه وسلم:"النساء شقائق الرجال".
3- الأصل الفلسفي: وهو مفهوم الفرد والإنسان الذي يشمل الذكر والأنثى من بني البشر. وعليه وعلى العقلانية تتأسس الرؤية الحداثية للعالم.
4- الأصل القانوني: الرجل والمرأة متساويان أمام القانون ومسؤولان عن أعمالهما بنفس الكيفية.
5- الأصل الحقوقي: للرجل والمرأة نفس الحقوق الإنسانية والحرمة الجسدية والمعنوية
 
أما الاستعاضة عن مفهوم المساواة بمفهوم التكامل فلا يجوز لأنه يمكن أن يكون تكامل مع وجود المساواة. والتكامل لا يكون بين الرجل والمرأة فقط بل حتى بين الرجال أنفسهم عندما يتقاسمون أدورا في إطار عمل مركب والأمر نفسه بين النساء وبين الرجال والنســـــاء حتــــى على غيــــر تناظر عــــددي بين الجنسيـــن. كما أن المساواة بين الناس حقوقيا لا يعني المساواة بينهم في المكانات الاجتماعية التي تكتسب بحسب كل جهد كل واحد منهـم ولا في مقادير الملكية المالية المشروعة ولا في كل ما هو طارئ فيما بعد التكوين الطبيعي الأول والتفاوتات والفروق الفردية الأصلية، كما هو الشأن في الجانب الموروث من الذكاء والجمال والصحة والقوة.
وبناء عليه، نعتبر التنازل عن مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة تنازل عن مبدإ طبيعي وشرعي وحقوقي وحداثي صميم.
إن مفهوم المرأة ليس مفهوما مطلقا بل هو مفهوم تاريخي واجتماعي، كل مجتمع يضفي عليه من المعاني مـــــــا يتناســب مع معاييره وقيمه فــــــــي عصـــر من العصــــور. وأن مفهوم المرأة قد أعيد بنـــــاؤه من جديد مع بناء مفهوم الإنســـان في الفكر الحديث. فكلما بنينا إنسانا عظيما بنينا من خلاله امرأة عظيمة بجانب رجل عظيم وكلما بنينا امرأة عظيمة بنينا رجالا عظاما.
وليس حجة على عدم المساواة أن يقال أن الرجال أقوى من النساء لأن الرجال متفاوتي القوة فيما بينهم. فهل يجوز أن يقال عن رجل ضعيف العقل وله قوة البغال أنه أكثر رجولة من رجل قوي العقل عظيم الروح نحيف البنية  مثل غاندي مثلا؟!!! وليس حجة أن يقال أن الرجل أكثر ذكاء من المرأة لأن هذا أمر غير ثابت علميا من ناحية وأن الجانب الأكبر من التفاوت في الذكاء يعود إلى التربية من ناحية ثانية، والثابت عموما هو أن نتائج الإناث المدرسية أفضل بكثير مــــن نتائج الذكــــور، بغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء هذا التفاوت، ونحن نشاهد في مداولات المجلس التأسيسي تدخلات بعض النائبات أكثر حكمة وصوابا وتماسكا من تدخلات عديد النواب الذكور.. أما عاطفية المرأة فليست نقيصة فيها في كل الأحــــوال لأن أقوى الرجال وأشجعهم يحتــــاج إلى جرعات من حنــــان المرأة ولطفهــــــا أمّــا كانت أو بنتا أو أختا أو زوجة. فهي فضيلة فيها  في  أحايين عديــــــدة كما أن الإفراط في استخدام الحكم العقلي نقيصة كما هو الشأن فـــي العقل الأداتي المستخدم من قبل أبناء ومؤسسات النموذج الحضاري الغربي الرأسمالي المتوحش. حيث العقل حاسوب للربح والخسارة كما يقول هوبز الذي يصف الإنسان بكونه ذئبا لأخيه الإنسان عندما يستعمل عقله للمكر به واستغلاله. ويمكن أن نلخص الرد على كل هذه الاعتراضات بمفهوم التربية وتوازن الشخصية لدى الرجل والمرأة على حد سواء.
أخيرا، نذكّر بأن مفهوم المرأة ليس مفهوما مطلقا، بل لم يكن هنالك وجود لهذا المفهوم قبل ظهور مفهــــــــوم الإنسان. وإذا كان لــــه من وجود فهو وجود تاريخي واجتماعي نسبي ومتغّير. كل مجتمع يضفي على مفهوم المرأة ما يتوافق مع معاييره وقيمه وفلسفته الاجتماعية الوظيفية. ومع ولادة الفرد والإنسان في سياق الفكر الحديث والمجتمعات الحديثة لم يعد هنالك من مبرر لتلك النظرة الدونية للمرأة التي كان ينظر بها إليها، بما أنها تتبوأ بلا ريب مكانة الإنســــــان المكرّم من قبـــــل الله عز وجل بالعقل والروح والقدرة على العمل الصالح وإعمار الكون