الكلمة الحرّة

بقلم
هادي القلسي
الشعب يريد الكرامة

 تعرضنا في العدد الفارط إلى الحديث عن ”إرادة الحرية“ كأحد المطالب الأساسية للثورة التونسية . ونمرّ في هذا العدد إلى الحديث عن الإرادة الثانية التي صرخ بها الشعب التونسي ” الشعب يريد الكرامة“. 

لقد تمت اهانة المواطن التونسي طيلة أكثر من عقدين فذل في ماله وأملاكه وحرياته وعمله ونفسه وعرضه حتى اقتنع بانعـــدام حقه في الكرامة لدى الظالم الفاسد المستبد بالبلاد والعباد وفقد بالتالي صفة المواطنة.
الكرامة هي من الضوابط الفطرية للإنسان  منذ ان بعث الله روحه ببطن أمه إلى أن يوارى التراب ويتمثل هذا الحق الالزامي في  تلبية  وتحقيق حاجيات المواطنة الطبيعية والضرورية ، كالغداء والشراب والعلاج والسكن والشغل والتعليم والترفيه والتنقل  وحرية التعبير والتفكير والانتماء الى الجمعيات  والتحزب وحرية التدين والاعتقاد. فهي اذا حق وهبه الخالق لأشرف خلقه ”الانسان“ غير أن أمثال المخلوع من الطغــــــاة سلبوا كرامــــة شعوبهم وأذلوهم وحرموهم من ابسط الحقوق والحاجيات.
الكرامة هي في الأســــاس ”كونيـــة“  بغض النظر عن ديانة الفرد أو لونه أو جنسه او ميوله وانتمائه الفكري ، وهي مرتبطة بأسس حقوقية انسانية ينعدم الانتماء الديني (الإسلامي) والقومي (العربي)والوطني (التونسي) بانعدامها.
بعد الانتهاكات الصريحة من النظام الفساد لحق التونسي في  الكرامة وبعد ان فاض كاس الذل وعيل صبر الشعب وفي أول فرصة أتاحها ”البوعزيزي“ عندما تعمد سكب مادة حارقة على جسمه وأوقد النار فيه وأعطى بذلك للشعب ترخيصا تاريخيا للانتفاضة على انعدام قيمة الفرد في مجتمع عاث فيه مجرمو المخلوع فسادا فهاج وماج وتحررت إرادته وصرخ بأعلى صوته ”الشعب يريد الكرامة“.
وبعد ان استفقنا من غيبوبة عهد الهارب وجب علينا اللآن القطع مع الماضي وان نفرض حريتنا وأرادتنا في العيش الكريم ومحاربة مظاهر انتهاك الكرامة فنحمي الاطفال من الجوع ونوفّر لهم الحنان ونفسح المجال أمام المرأة والرجل مهما كانت أعمارهم لصد كل عوارض الفقر والإقصاء والتهميش والتعسف والاستغلال والتمعش والرشوة والمحاباة  والمحسوبية  ومنع كل الأسباب الانتقائية والانتقامية بتحقيق عدالة انتقالية مبنية على المساءلة والمحاسبة وجبر الضرر لكل من أذل في كرامته. واختم بوجوبية عدم المس بهذا الحق رغم يقيني ان مختلف أصناف الإهانة والحرمان ستبقى تلاحق التونسيين مع اختلاف أعمارهم وأجناسهم ودياناتهم  وانتماءاتهم. وأضيف إن الكرامة ليست مالا ولا جاها ولا منصبا بل هي الأنفة الفطرية والشعور بالانتماء إلى الوطن الحبيب تونس فهي اذا المواطنة  وافتخارالتونسي بقوله ”انا تونسي وراسي عالي“.
ونظرا لكون الكرامة هي صفة الإنسانية وأساس وجودها  وجب فضح كل من أراد المساس بقدسيتها لأنها هدية الخالق لأشرف خلقه الإنسان ووجب تثقيف التونسي لكي لا يشعر التونسي  مجددا ببخس الكرامة فيتخلى عنها ثانية او يضطر لبيعها .