نافذة على المغرب

بقلم
بن هشّوم الغالي
فشل الدولة في إصلاح التعليم بالمغرب(1)

 اتجهت الدولة منذ  الاستقلال نحو فكرة تكوين الشخصية المغربية المستقلة ، غير أن هذا المطمح  لا يتأتى إلا بإيلاء العناية والاهتمام للتعليم  باعتباره معيارا لتقدم الأمم أو تخلفها وتوفير الأرضية المناسبة  من لدن المسؤولين لتعليم مستقل يتماشى مع خصوصية الشخصية المغربية.

 
ولكشف النقاب عن جهود الدولة في تطوير المنظومة التعليمية سأحاول في هذا المقال –وباقتضاب شديد- استحضار الخطوات الأولى في هذا الباب عبر قراءة ”كرونولوجية“ لأهم المحطات التي أسست لتعليم مغربي أصيل.
 
وهكذا ستبدأ الخطوات الأولى على يد المغفور له محمد الخامس الذي دعا إلى تـأسيس اللجنة الملكية لإصلاح التعليم سنة 1957 والتي سيوكل لها مهمة إعداد تصور لسياسة وطنية في ميدان التعليم ، تتطلع إلى: تعميم التعليم في جميع أنحاء المملكة ، وتعريبه وتوحيده وإعطاء الصبغة المغربية المستقلة  بعدما ضل لعقود يرزخ تحت وطأة المناهج الفرنسية ، بالموازاة عرف البحث العلمي لهذه الفترة –على قلته- قفزة نوعية  تجلى ذلك في تأسيس الجامعة المغربية العصرية طبقا للظهير الشريف رقم 390.58.1 المؤرخ  في 21 يوليوز (جويلية)1959، الشيء الذي كان له الأثر البالغ في إنعاش البحث العلمي وتنويع مصادره  وتزايد الإقبال على التعليم  العالي حيث لوحظ تزايد عدد الطلبة الجامعيين من 436 طالبا سنة 1956 إلى 3600 طالبا سنة 1960، بفضل ميلاد  العديد من المؤسسات العليا التي حرصت على توفير السكن والتغذية  والمنح  للطلبة  وهي عوامل هامة  ساعدت الطلبة على متابعة دراستهم  في أحسن الظروف.
 
في فترة الستينيات وحرصا منها على مواكبة التقدم العلمـــي و التكنولوجـــي ، بذلت الحكومة  المغربية في هذه الفترة  جهودا جبارة  لتطوير المنظومة  التعليمية وتوسيع فضاءاتها ومجالاتها  عبر الأوراش الكبـــــرى التي أطلقتهـــــــا الدولـــة ؛ وفي هذا الإطار  تم تشييد العديد من المدارس في مختلف أنحاء البلاد في إطار ما يسمى ب" العملية المدرسية "  رافقها تكوين العديد من الأطر الإدارية والتربوية. في المقابل وعلى مستوى التعليم الجامعي تم تشييد العديد من الكليات والمعاهد  العلمية  وتزويدها بالتجهيزات  الضرورية.
 
في فترة  السبعينـــات والثمانينـــات عرف المغرب أول مناظرة وطنية لدراسة قضايا  التعليم  وسبل إصلاحه بمشاركة  مجموعة من الأطر التربوية والإدارية  والهيئات السياسية  والحزبيـــة والنقابيـــة، ومن جملة التوصيات التي  التي خرجت بها هذه المناظرة :
* تأسيس المجلس الأعلى للتعليم ؛
* التأسيس لخريطة جامعية جديدة ؛
* تدشين حركة تشريعية بموجبها سيتم إحداث ست (6) جامعات ( ظهير شريف 10 أكتوبر 1975)؛
* اللامركزية الجامعية؛
* ارتكاز الإصلاح على المخططات الثلاثية والخماسية؛
* تطوير البحث العلمي  وتنويع اختصاصاته.
 
إن جهود الدولة في مجال التعليم قد تبدو للعيان جهودا جبارة تستحق كل التنويه فيما يخص جملة المبادرات الإصلاحية والمخططات الثلاثية والخماسية أو المناظرات الوطنية لدراسة وتقييم وضعية التعليم في البلاد والتي أعطت بلا شك فرصة لتطوير المنظومة التعليمية.إلا أنه وللأسف لم تكن في مستوى الطموحات  ولم ترق بالتعليم بشقيه إلى مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال–العربية على الأقل- التي قطعت أشواطا كبيرة  في الرقي بالتعليم نحو  آفاق رحبة بالنظـــــــر إلـــــى الاعتمادات المالية الضخمـــة  التي رصدتها مقارنة مع  الاعتمادات الهزيلة التي تخصصها الدولة المغربية - فالنفقات على سبيل المثال التي يكلفها التلميذ المغربي تبلــــــغ 525  دولارا في السنــــة مقابــــل 1300 دولار في تونس و 950 دولار فــــــي الأردن  و1600  دولار في جنوب أفريقيا- وكذا بالنظر إلى التكنولوجيا التي توفرها والأطر الإدارية  والتربوية المكونة علميا وتقنيا ضف إلى ذلك كثرة المؤسسات في المــــدن والبوادي مما يسهل على التلاميذ والطلبة التمــدرس عن قـــرب وفي أحسن الظروف.
 
إن العناية والاهتمام التي أولتهما الدولة  للتعليم لم يعط ما كان منتظرا منه وذلك لغياب رؤية واضحة  وسياسة رشيدة، ولعدم تمثل المسؤولين لروح الإصلاح  وغياب الشجاعة لتفعيل بنود وتوصيات جل المبادرات الإصلاحية . كل ذلك انعكس سلبا على التعليم برمته. فلازالت الأمية تضرب بأطنابها في المدن والبوادي على الســـواء وقد بلغت  حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية حوالي 41 %  وبلغ عدد السكان الأميين بالمغرب ما يقارب 10 ملايين أمي ثلثاهم من النساء وهي ثاني أعلى نسبة من الأمية في الوطن العربـــــي بعد مصر،  في الوقت الذي  أصبحـــــت فيه الأمية شبه منعدمـــة   في لبنان وسوريا وفلسطين التي مازالت ترزخ تحت وطأة الاستعمار الإسرائيلي، ولا يزال البحث العلمـــي بالمغرب يترنح تحت وطأة ضعف الإمكانيات اللوجستيـــة  والمادية ؛ فالميزانية المخصصـــة له لا تسمن ولا تغــــن من جــــوع إذ لا يتجاوز الغلاف المالي عتبة (0.8)  في المائة ، ولا يستفيــــد من الدعـــم المقــدم إلا فئة صغيرة  في حين يحرم العديد من الطاقات من مجال البحـــث مما يجعلهــــــا تضطـــر إلى الهجرة نحـــو الخـــارج،- يأتي المغرب في المرتبـــة السادســــة من حيث هجــــرة العقــــول في المنطقة العربيــــة بنسبــــــة 3.1 على مقياس هجــــــرة الأدمغــــة، وراء كل مــــن سوريـــــة ومصــــر اللتين تتصــــدران الترتيب  (2.3)، ثم موريتانيا والجزائر (2.4) والأردن(2.8-) وربما فضلت المقام هناك  الشيء الــــــذي  يفــوت علـــى الدولـــة فرصة الاستفادة  من هذه الثروة العلمية  فــــي مجــــال التنمية .لا لشيء إلا لأن البحث العلمي بالمغرب لم يكن يوما خيارا استراتيجيا.
 
إن عدم قدرة التعليم بالمغرب على مواكبة التطور العلمي الذي يعرفه العالم قد جعل المغرب في مؤخرة الدول المتقدمة علميا، يطالعنا في هذا الباب  التقارير  الدولية والوطنية منها تقرير البنك الدولي الــــــذي صنف التعليم بالمغـــرب في مرتبة جيبوتي والعراق ثم  تصنيف برنامج الأمم المتحـــــــدة للتنميـــــة المغـــرب في المرتبــة 126 من أصـــل 177 بلدا علـــى صعيــد التنمية البشريـــة. بالإضافة إلى تقريـــر المجلـــس الأعلــى للتعليـــم  الذي اعتبر التعليم بالمغرب  متخلفا بسبب ضعف الاعتمادات المخصصة له، ثم  بسبب الهدر المدرسي  الذي أدى إلى تدني جودة التعليم  الإبتدائي والثانوي والعالي.
 
إن الوضعية المزرية للتعليم بالمغرب  جاءت نتيجة  أيضا لعدم الاهتمام  بالعنصر البشري وبالطاقات والكفاءات التي بإمكانها إعطاء دينامية جديدة  واستراتيجية  متطورة في مجال البحث والتكوين والتأطير، واقصد بالضبط تهميـــش  دور الدكتور  داخـــــل الإدارة وتهميـــش شهـــادة الدكتــــــوراه  حيث قزم دور الأخير فلا تعدو المهام الموكلة إليه  والتي لا تتلائم مع امكانياته العلميــة إلا أن  تكـــون  ذات طابـــع تقنــي محض  وحتى إذا  ما تعددت مهامه فلا تخرج عــــن إطــــار  مهــام الكاتبة أو العون /الشاوش  وربما أقل .
 
إن سياسة التهميش والإقصاء  والتضييق  والحيف الممنهج في حق هذا الرأسمال الوطني وعدم إشراكه في اتخاد القرارات  أو في وضع استراتيجيــــة  لمنظومـــة تعليميـــة راقية   قــد فــــوّت على الدولة  فرصة الارتقاء بالتعليم  نحو  العالمية.
 
إن التحول الذي يعرفه المغرب الآن على المستوى السياسي ( دستور جديد، حكومة دستورية، ربيــــع سياســـي ) ينتظــر منه أن يكون  تحولا جذريا على جميع المستويات وأخص بالذكر الشأن التعليمي  باعتباره القاطرة التي تجر باقي العربات فالمتتبع لآفاق  التعليم بالمغرب  اليوم   يجعلـــه  ينظــر إلـــى المستقبـــل بتفاؤل بعد الإشارات  الإيجابية التي أشّر عليها المسؤولون في الوزارة الوصية من ذلك  ربط المسؤولية بالمحاسبة، الاهتمام  بالبحث العلمي ، محاربة الفساد ، الوعد بحل جميع المشاكل وفتح الباب أمام  الجميع للانخراط  في إرساء منظومة تعليمية  تواكب التطور العلمي والتكنولوجي. فهل يصلح الوزير ما أفسده الدهر؟.