اقتصاد ومال

بقلم
منذر محمدي
حقيقة إقرار مبدأ معارضة الإدارة الجبائية بالمذكرات العامة أو ما وراء الفصل 54 من قانون المالية التك

 لقد أوكل دستــور 1959 في الفصـــل 34 للسلطــــة التشريعيـــة دون سواها مهام التشريع في المادة الجبائية، وهو أمر يمكن القول معه بإقرار مبدأ الشرعيــــة فـــي القانـــون الجبائـــي الذي يعني أن الضرائب لا تكــــون إلا بنص مـــــن وضع السلطة التشريعية، وأن الإعفاء منها لا يكون أيضا إلا بنص من وضع هذه السلطة وذلك عملا بمبدأ توازي الصيغ والأشكال. وكنتيجة لذلك فان الأوامر ذات الصبغة الترتيبية والمذكرات الإدارية لا شأن لها بهذا المجال.

 
بيد أن إشكالية توحيد تطبيق القواعد الجبائية في مختلف مصالح إدارة الجباية وعجز البعض من أعوان الإدارة عن هذا التطبيق وتفادي تعدد التأويلات، يقتضي أحيانا تدخل الإدارة لتأويل بعض النصوص الجبائية. ثم إن الإدارة هي التي تعد هذه القوانين وتحررها، وهي بالتالي أعلم من غيرها بمقصد المشرّع.
 
وبالرغم من التساؤلات التي أثارتها مسألة تدخل إدارة الجبايـــة فــــي تأويــــل النـــــص الجبائي، فان المشرع التونسي لم يتدخل إلا سنة 2012 وذلك بمناسبة إصدار قانون المالية التكميلي وتحديدا في الفصل 54 الذي نص على ما يلي "يمكن معارضة مصالح الجباية والاستخلاص بالفقه الإداري الموثق بالمذكرات العامة الصادرة عنها التي تم نشرها والتي تتعلق بالتشاريع السارية المفعول".
 
إن تأويل الإدارة للنصوص يتخذ عدة أشكال من أهمها المذكرات العامة التي يتم نشرها، والأجوبة عن الاستفسارات المقدمة للإدارة من المطالبين بالأداء، وما يسمى بالمذكرات الداخلية التي توفرها الإدارة لأعوانها دون غيرهم.
 
 وإذا ما رجعنا إلى الفصل 54 المذكور نجده يتحدث عن المذكرات العامة الخاضعة للإشهار دون غيرها، وهو ما يدل على أن المشرع تعمد السكوت عن بقية المذكرات الإدارية.
ومن هذا المنطلق يمكن طرح السؤال الآتي: ما هي الغاية الحقيقية من الفصل 54 المذكور؟
إن ما يجب التأكيد عليه أولا هو أن تأويل النصوص الجبائية لا يجب أن يؤدي إلى إثقال كاهل المطالب بالأداء، وفي المقابل فهو ملزم للإدارة. ويبدو أن هناك إجماع في الفقه وفقه القضاء التونسي على أن الإدارة ملزمة بما يصدر عنها من مذكرات ولو كانت  مخالفة للقانون.
 
ومن الواضح أن الإدارة تضايقت من هذا التوجه في اعتماد كافة المذكرات الصــــادرة عنها بقطع النظـــــر عن خضوعها للإشهار من عدمه، فعمدت إلى تمرير الفصل 54 من قانون المالية التكميلي بهدف استبعاد بقية المذكـــرات من مجــال معارضتهـــا بما تضمنته من أحكام.
 
ويمكن القول أن هذا الفصل لا يرمي إلى إقرار مبدأ معارضة الإدارة بالمذكرات العامة بقدر ما يهدف إلى استبعاد المذكرات الأخرى وعدم إمكانية معارضة الإدارة بما تضمنته من قواعد لصالح المطالب بالأداء.
 
والسؤال الذي يمكن طرحه  في هذا الخصوص هو إن كان تطبيق الفصل 54 المذكور، يؤدي إلى وجوب استبعاد المذكرات التي لا تخضع للنشر، وعدم إمكانية معارضة الإدارة بما تضمنته من أحكام؟
 
إن الإجابة عن هذا السؤال تكون بالرجوع إلى الفصل 547 من م ا ع الذي نص على أنه "من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه..." .
 
ويمكن القول إن تطبيق هذا النص يمكن من معارضة الإدارة بكافة المذكرات الصادرة عنها ويبقى الفصل 54 من قانون المالية المذكور بدون جدوى في هذا الخصوص.