الكلمة لأهل الإختصاص

بقلم
عادل نجيم
نظرية جديدة و أصيلة حول وحدة كل ثقافات ولغات العالم

 البشرية بصدد البحث حاليا و أكثر من أي وقت مضى عما يمكن أن يجمعها أو يميز بعضها عن الآخر و ذلك بسبب التقارب اللامسبوق التي تمثل عبارة العولمة ترجمة له. مع العلم أن مسألة اكتساب أسباب التميز أو التفوق رهان حضاري هام و شرعي وهو ذو تبعات عملية هامة فمن يمتلك التفوق يكون مؤهلا أكثر من غيره ليلعب دور رياديا و مهيمنا و بالتالي يتحول إلى مرجع يحتكم له الجميع. 

 
معضلة الأسبقية الحضارية هذه لازمت البشرية و كان للعلوم المختلفة فيها رأي. لكن التأمل لمجمل ثقافات ولغات العالم القديم والحالي يكتشف أن هذه التعددية ليســـت إلا ظاهريـــة وسطحية وأن أسبقية ثقافة عن الأخرى أو لغة قوم عن غيرها مسألة كفيلة بالتمحيص و ربما حتى المراجعة العميقة و لما لا التجاوز. 
 
هذه الرؤية الأصيلة و المبتكرة هي الآن في شكل مسودة تدعو المتحمسين للمعرفة للتبني المادي و الأدبي لتتحول إلى مشروع نشر أو شكلا آخر من أشكال التوظيف و التفعيل. هذه المقاربة ترى أن تاريخ البشرية وحضارتها يكشف وحدة كل التعبيرات الثقافية سواء منها الحضارات الغابرة أوالحالية و كذلك  كل اللغات سواء تعلق الأمر باللغات القديمة أو اللغات الحديثة. الملاحظ أن ماهو حالي من ثقافة و لغة هو نتاج لما هو قديم و تواصل طريف له وهو ﺇما مغلف أومهذب بشكل كبير مما يجعل التفطن لدلالته أمرا ليس بالهين.
 
بالطبع هذه الملاحظات الأولية تتطلب عددا كبيرا جدا من الشواهد و التعليلات يتجاوز بكثير مساحة هذه الورقة. لذلك سيكون الغاية هنا القيام بإثارة بعض الشواهد الأكثر دلالة حول هذه المسألة الطريفة من البحث المعرفي. 
 
في البداية أشير إلى أن هذا الموضوع تناوله بعض الباحثين من جوانب متعددة منها الجانب اللغوي أو الديني أو البيولوجي أو التكنولوجي إلى غير ذلك. لعل أهم باحث تطرق للمسألة من جانب لغوي هو السيد علي فهمي خشيم وهو مؤرخ ليبي مازال على قيد الحياة و أنا على ﺇتصال به وعرضت عليه البعض من أفكاري التي ﺇستحسنها.
 
بالنسبة لموضوع التعبيرات الثقافية نذكر رسما داخل قبر وجدناه في منطقة  عين دراهم بالبلاد التونسية وهو يرجع للقرن الرابع قبل الميلاد. هذا الرسم يبين سفينة النبي نوح مع من ركب فيها وحملته زمن الطوفان. هذا دليل جلي على وعي سكان شمال ﺇفريقيا الأوائل بأصلهم المشرقي مع العلم أن هذا الرسم المقبري وقع نشره العلمي من طرف باحث فرنسي لكنه تعسف على تأويله وﺇعتبره مجرد مشهد سحري.
 
في عدة بلدان من قارة آسيا وفي منغوليا مثلا هناك حفل سنوي دوري هام جدا في تقديري أنه ﺇحتفال بذكرى نجاة النبي نوح ومن معه من الطوفان. يطلق ﺇسم "نزام" على هذا الحفل. أعتقد جازما أن تفسير هده الكلمة هو "نو" و تعني الماء و "زم" و تعني توقف الماء عن السيلان وبذلك يكون معنى العبارة واضحا وهي تخليد لهذه الذكرى الهامة من تاريخ البشرية و ﺇحتفال المنغوليين حتى اليوم بهذه الذكرى ليس ﺇلا دليلا على أصولهم المشرقية. 
 
كمثال أخير لنذكر المسرح المزدوج بروما و الذي يسمى مسرح "الكوليزي" لذكرى تمثال ضخم كان بجانب المبنى. هذه التسمية ليست غير عبارة "الغليظ" محرفة وهي تدل على ضخامة الجثة. هذا التمثال ليس ﺇلا تمثال البشر الأول وهو ﺁدم ويذكر حديث نبوي أنه ضخم الجثة مقارنة بحجم البشر حاليا وقد توارث عدة حضارات مسألة صنع تماثيل للأجداد الأوائل مثلا تماثيل جزيرة تسمى "باك". كذلك تبنى عدة ملوك وحكام هذه العادة لدرجة صار من الصعب فهم منشئها وأصولها. وجود هذا الصنف من التماثيل في روما وأهميته في حضارة أهلها دليل على طبيعة وعيهم بأصلهم الذي يتدرج حتى ﺁدم جد البشرية الأول. 
 
دليل أخير على أهمية وحدة الثقافة يتجلى من خلال الأهمية الكبرى التـــي يوليهــــا اليابانيـــون للشجـــرة و يسمونهـــا "بونزاي" وهو ليس ﺇلا تعظيما و تخليدا لشجرة الجنة. مع الملاحظ أنه يمكن أن ننطق هذه العبارة بشكل مغاير قليلا ليتجلى لنا أصلها فنقول "من زاي" وهي تفيد معنى "من الجنة" لكن طول الزمن بدل نطقها وبالطبع طمس مدلولها بشكل صار يصعب التفطن له و كشفه. هذا دليل من اليابان على وحدة الأصل و الممارسات الثقافية. 
 
رغم كثرة تفرعات هذا الملف العلمي لنتوقف عند بعض الأمثلة ذات الدلالة. لنأخذ أمثلة عن وحدة اللغات قديمها ثم حديثها ثم عن وحدة التعبيرات الثقافية وبالتالي الحضارات التي أنتجتها. 
لنتوقف عند اللغة اليونانية و لنأخذ كلمة " ديموس" التي توجد في الجزء الأول من كلمة "ديمقراطية" هذه العبارة ليست ﺇلا كلمة "دهماء" وهي عبارة عربية قديمة وهي نفسها تحريف لكلمة "عامة" و المقصود بها غالبية الناس. لنتأمل كلمة "بوتانيك" التي تعني علم النبات فهي ليست غير كلمة نبات غير مرتبة و كلمة "هيبو تالاموس" التي تعني الدماغ الصغير فهي كلمة "الخفي الدماغ" مبدلة. الأمثلة أكثر من هذه بكثير ويضيق المجال هنا بحصرها كلها. هذا بخصوص الملاحظة والتفسير، أما فيما يتعلق بتقديم المبررات لهذه الظاهرة فالأمر معقد وطويل وباختصار فالمصادر اليونانية ذاتها تصرح بالأصل المشرقي للغتها ومكتسباتها التقنية. الملاحظ كذلك أن هذه الكلمة ليست الوحيدة ذات الأصل المشرقي و العربي تحديدا لكن المجال هنا ضيق لعرض المزيد. 
 
لنذهب ﺇلى اللغة اللاتينية الآن و لنذكر المثل التالي. يتكون المجتمع اللا تيني من عدة فئات منها فئة "السناتوريس" وهم كبار المجتمع سنا وقدرا وسلطة وهذه العبارة ليست غير ترجمة للكلمة العربيــة " المسنين" أو على الأرجح "المسنين الشيوخ" لكن تحريف نطقها يجعل التفطن لأصلها العربي ليس هينا. بالنسبة لتفسير ذلك فالمراجع العلميـــــــة 
تفيد أن الحضارة الأترورية و التي تعتبر الحضارة اللاتينية ورثة لها هي من أصل مشرقي. 
 
كذلك نجد في اللغة الفرنسية عددا هائلا من الكلمات ذات الأصل العربي تستحق وحدها عدة كتب و التفسير الأرجح أنها مرت من اللاتينية ﺇلى الفرنسية. إلى جانب اعتبار التأثير الذي حدث في العالم بأسره على الجانب اللغوي بعد انتشار الدين الإسلامي مما يجعل التقصي هاما لتفادي الخلط التاريخي و التأصيل الصحيح للظواهر دون تعسف. المصادر الأوروبية نفسها تصرح بأن حكام أوروبــا في القرون الوسطى كانوا يتباهون بمعرفتهم لكلمات عربية. مثلا كلمة "الكحول" مرت مختصرة للفرنسية. 
 
لكن هذا التفسير ليس ممكنا بالنسبة للأنقليزية التي هي ذات أصل بروتوني غالبا مع ذلك فهي تحتوي على عدة كلمات مشرقية الأصل. لنأخذ مثلا فعل نام و هو بالأنقليزية "سليب" وهو يترجم فكرة سلب روح الفرد أثناء النوم وهي فكرة جددها الإسلام. كذلك للتعبير على المحبة الكلمة الأنكليزية هي "لوف" و هي كلمة الألفة العربية و التي يستعملها القرآن للتعبير عن العلاقة الحميمة بين الناس. هذه الشواهد ليست إلا بعض الأدلة القليلة على الصلة الوثيقة بين اللغة الأنكليزية و العربية. أي تفسير نقدم لهذه الظواهر اللغوية غير ﺇرتباط الأصول القبلية البريطانية مع الأصول القبلية المشرقية منذ عهود قديمة. 
بالطبع من المجدي جدا ﺇنجاز منتجات علمية وثقافية مختلفة مثل البرامج والأفلام و غيرها للتعريف بهذا الحقل المعرفي وتثمين سبل ﺇستغلاله بغاية ﺇعطاء مغزى ﺇيجابي للعولمة ووحدة الأصل ودون شك وحدة المصير.