زاوية نظر

بقلم
جيلاني العبدلّي
زعماءَنا سادَتنا‼ أخْلوا مواقعكم وخُذوا تقاعدكم

 منذ سطع شبابُنا ونبع عطاؤُنا، أطلّ علينا زعماءُ سياسيّون حكماءُ ثوريّون كما بَدَوْا في خطاباتهم البليغة وكتاباتهم البديعة، فحلّلوا لنا مُتون السيّاسة وفُنون الكياسة وفسّروا لنا قواعد الإدارة وأسرار الولاية وشخّصوا لنا في واقعنا ومجرى حياتنا مواطن الخلل والضّعف ومكامن العلل والعسف، في ثوريّة عالية ووثوقيّة تامّة، بانتهاج طريقهم وتعزيز خيارهم والتّضحية معهم بنفوسنا ونفيسنا في سبيل التّغيير وحُسن التّدبير والتّسيير، وقطعوا لنا عهودا باليسر بعد العسر، وضربوا وعودا بالرّخاء بعد الجفاء، فآمنّا بما قالوا ووعدوا،

 وصدّقنا بما اختاروا وعاهدوا، وانتصرنا لهم ندعمُهم ونعزّزُهم، وعزمنا معهم نُآزرُهم ونُناصرهم، وانخرطنا بأطيافنا المختلفة من مواقعنا المتعدّدة على اليمين كما على اليسار في نضال جليل وسجال طويل ضد صروف الاستبداد وصنوف الفساد والاستعباد، وتوزّعنا بين الفيافي والسجون والمنافي، ونالنا كثير من الترهيب والتعذيب والتغريب.
لقد ناضلنا وما تنازلنا، ورابطنا وما فرّطنا، وصابرنا وما تخلّينا، وداومنا وما تهاونّا.
أمضينا في وفائنا وعطائنا عقودا وعهودا، وما حقّق زعماؤنا حكماؤنا ما كانوا قد ضربوا لنا من عهود، وما كانوا قد قطعوا لنا من وعود، ولم يُقِرُّوا لنا مع ذلك بخطإ أو تقصير، لا في التصور ولا في التقدير، ولا في الإدارة ولا في التسيير، بل واجهوا حُجّتنا في المقارعة ودعوتَنا للمراجعة وحرصَنا على التّغيير والتّطوير بكثير من اللامبالاة والمجافاة، وانساقوا في تدجيننا وتهجيننا، ورمونا حينا بالعجز والقفز وأحيانا بالتّحريف والتّجديف، وظلّوا هكذا في قيادتنا وريادتنا يُحدّثوننا بفوقيّة، ويوجّهوننا بفرديّة تعميهم الزّعامة، وتغشيهم القيادة، فلا غيّروا ولا جدّدوا، ولا عدّلوا ولا نسّبوا، ولا انزاحوا ولا تنازلوا، حتى عمّ بينهم الانقسام، وطمّ عليهم الانهزام، وغاب عنهم الحماس، وخمدت فيهم الأنفاس.
ولمّا أطلق جيلنا الجديد فورته، وفجّر ثورته، وقوّض أركان القهر والزجر والحجر وهو في حلّ من ساستنا قادتنا، اعتلى زعماؤنا شيوخنا سطح الأحداث، وتنازعوا على القيادة، وتبارزوا على السيادة، وتلاسنوا وتلاحنوا، ونطقوا في المخابر والمنابر باسم الثورة والثوار دون تكليف أو تفويض، وتنادوا وتداعوا إلى تحقيق أهداف الثورة في الأمن والحرية والعدل والمساواة والتنمية، وتواصوا باللّمّ والضّمّ لتوحيد الصّفّ وتجسيد الهدف، قتقابلوا وتناوروا، وتنازعوا وتنافروا، وسريعا ما تفرّقوا وتراشقوا.
 فلا كان لهم شرف قيادتنا إلى الثورة المنشودة، ولا كان لهم شرفُ تحقيق أهداف الثورة الموجودة، ولا كان لهم شرفُ توحيدنا ورصّ صفوفنا، في سبيل مساهمة فاعلة لتحقيق نهضتنا وتأمين مستقبلنا.
لهؤلاء السّادةِ الزّعماءِ، القادةِ الحكماءِ، نهمسُ وننبسُ: بأنْ أَخْلُوا مواقعكم وخُذُوا تقاعدكم، فقد فشلتم في مهمّتكم مُذْ توليتم زعامتنا وقيادتنا، ودَعُوا أجيالنا الجديدة تعرف طريقها إلى التجريب والتقليب والتنسيب والتقريب، بعيدا عن فوقيّتكم وفرديّتكم ونرجسيتكم ومثاليّتكم وتكلّسكم.
فهلّا فهمْتم رسالتنا يا سادتَنا زعماءَنا؟
 وهلّا تخلّيتم عن عنادكم ومكابرتكم فتحفظوا لأنفسكم معروفا ومكرمة؟؟