كلمات

بقلم
عبدالنّبي العوني
ديمقراطية الصمت والسمع والطاعة

 بشرتنا نخبتنا الحاكمة، وأبواقها المتعلمة، في الغرب والشرق، ومنذ التباشير الاولى للاستقلال، بدولة حديثة، عادلة بين أبنائها، سيادتها غير منقوصة، وتحكمها قيم، العدالة والحرية والديمقراطية. فملكناهم رقابنا، أرواحنا وأموالنا، وأعطيناهم، صكوكا، على بياض أحلامنا، ونمنا، نمني أنفسنا بغد أفضل، ونمو متسارع، وعدالة اجتماعية بارزة، وحكومة لشعب، لا شعب لحكومة. وأصبحنا، وأصبح السلطان دكتاتورا، وأصبح الشعب، رهينة، بين أنياب، الأجهزة التي تكاثرت، بطريقة التفرع والاقتسام، وأمست الأجهزة،  ُشعب، واُلشُعبُ خلايا، تبيض وتفرخ بين جروح الوطن.  وهكذا أنتجنا، وأنتجوا لنا، في شرقنا المفطوم حديثا، عن عبادة ولي الأمر والصنم، ديمقراطية فريدة من نوعها، اختصونا بها من دون الأمم، ديمقراطية، المشاهدة والمشاركة والمواكبة من بعيد، دون إحداث ضجيج، وان نسمع ونرى ،من غير أن نصدر أصوات الهمهمة والألم، أو الرفض  والاحتجاج، لما ُيرى من الدجل، والطامة الكبرى، إن اعتصمنا، أو اضربنا عن الطعام من دون إذن الوالي المنتخب، وان كنا يوما، موافقين ومرحبين بالمشاريع، فلن يسمح لنا بالتعبير، إلا بمزمار وبندير من أجود جلود النعم، وان تكرموا علينا، وأعطونا صندوقا من خشب، فلن يكون إلا سحريا يبتلع الأوراق، خضراء وصفراء وبنفسجية، وما تحتها وما فوقها، لكنها في كل الحالات، تخرج من تلوين،  حمراء، أو صناديق مختلفة، ُتجمعُ فيها الأموال، من اليتامى والثكالى، والفقير ،الصغير والكبير، كمصروف للوالي وحاشيته وبطانته، وتنمية مستدامة لأرصدته،" لان والينا، أدام الله عز والينا،لا أبقى لنا دنيا ولا أبقى لنا دينا" يسهر الليالي، ويزور الفيافي، من اجل أن يوفر لنا، الأمن والأمان، من الشبع والغنى، وقد علٌمنا، أن الغنى، هو، غنى النفـــس، وكل هــــذه النمـــاذج، هي عادات حسنة، ورثناها مــــن بدايــــات البنـــاء، وخبرناهـــا، أبا عن جد. وهي خبزنا اليومي، الــــذي يطعمنـــا إيـــاه والينــا، في كل أفراحه ومناسباته، وزمن مآسي سلطنته، حتى خلنا أنفسنا، كائنات، لا تستطيع العيش، بغير مزمار وبندير وصندوق عجب، يصدر لنا الأغاني والأشعار التي تمجد الصنم، وان حدث نشاز مرةً، أو خروج عن مألوفٍ، فإن النغم وقتها، يتغير ويتضخم، لتعويض، فائض حزن، ارتسم على ملامح وشوارع الوطن.                                              

ديمقراطيتنا هذه، بحثت عنها في الكتب، والسير، في التاريخ القديم والحديث، فلم أجد لها نظير، إلا الآن............وهنا. وان غاب السلطان مرة ،فأشباهه، غالبا ما يبقون على نفس النهج والنمط، دون تحريف أو تحوير، وبالتزام شديد، وتطبيق حرفي، للأعراف والأشكال، لم نرى مثله، إلا في هذه الحالات، ولو كان في ساحات الوغى مثله ، لما بقي الصهيوني يعشش في قلبنا.                      
تمنينا يوما، أن يأتينا، من ترعرع وناضل في دول ديمقراطية، بمشروع يوائم ما شب عليه هناك، وكافح من اجله هنا، ليراه الآن.....لكن، تبين له، وبعد تفكير وتأمل عميق، أن هذا، لا يصلح لنا،  لأننا، حسب رأيه ، كائنات، لا تستطيع العيش، بأسلوب كهذا، وأننا في هذا النمط ،  سنسرع الخطى أكثر للرجوع إلى ذاتنا، والى مكونات شخصيتنا، وهذا، ما لا يسمح لنا به، المبشرون الجدد، لأنها حسب رأيهم، تشوهنا، وتلحقنا قسرا بهم،لهذا اخترعوا لنا، نموذجا مبتكرا و منمقا، بعد ثورتنا،  الفصل فيه للصندوق  البلوري، وفوقه استفتاء، تقترح النخبة فصوله، تزينه الحرية والاختيار الحر، وعموده التوجيه والصقل من على  منابرهم، وحضورنا لا يرضيهم، إلا بالسمع والطاعة والصمت، والخيرة فيما اختاروه هم .
فنحن شعب، إن تعلمنا، سنحرق أفكارهم، وصناديقهم، ولهذا تركوا لنا الحلم، وتكفلوا هم، بالتفكير بالمستقبل لنا، وهكذا، هي نخبتنا التي ابتلينا بها، نخبـــــة حاكمــــة، محكومـــة، والمفِكِرة والمفكر لها و بها .....
وكل ديمقراطية ونحن صامتون....................