متابعات

بقلم
غازي شقرون
حقوق الطفل الثقافية: الطفل متلقيا.. الطفل مبدعا

 شهدت الساحة الوطنية التربوية خلال الأيام الأخيرة نقاشات عديدة وتجاذبا حول مسألة تمكين الأطفال من الالتحاق المبكر بالسنة الأولى ابتدائي منذ سن خمس سنوات. وقد وصل الأمر إلى حدّ تنظيم مجموعة من الأسرة التربوية برياض الأطفال بصفاقس يوم الثلاثاء 22 ماي 2012 وقفة احتجاجية أمام الإدارة الجهوية للتربية والتعليم بصفاقس .

وسأقتصر في هذه الصفحة على طرح مسألة تعليم الأطفال وتربيتهم منذ سن مبكرة في إطارها العام المتعلق باحترام الحقوق الثقافية والمعرفية والاجتماعية كي يكونوا مواطنين مبدعين منذ طفولتهم الصغرى. فالمهم هو ضمان الانتقال التدريجي من مرحلة ما قبل الدراسة إلى مرحلة الدراسة دون قطيعة تربوية بين عمري خمس وست سنوات سواء كان الطفل بسنة تحضيرية بروضة أطفال أو بكتاب أو بمدرسة ابتدائية أو بأي مؤسسة تربوية أخرى مرخص لها بشرط أن تستجيب للحاجات النمائية والتربوية لأطفال خمس سنوات أكثر من استجابتها لقرار سياسي أو لضغط الحاجة لتشغيل أصحاب الشهائد العليا بحيث يتم انتدابهم للتدريس بالمدارس الابتدائية بتواجد أطفال خمس سنوات بها. 
وفي هذا الإطار أردت التذكير باليوم الدراسي الذي نظمته جمعية صفاقس لكتاب الطفل على هامش معرض صفاقس لكتاب الطفل خلال إجازة الربيع حول ّحقوق الطفل الثقافية تحت شعار: ”الطفل متلقيا...الطفل مبدعا“ لما للحدث من علاقة بالحوار الدّائر في الساحة التربوية . وقد ترأست الجلستين العلميتين بصفتي مساعدا في علم نفس النموّ والتربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، وباحثا بالمركز الوطني لأبحاث الموهبة والإبداع بجامعة الملك فيصل بالسعودية . وقد تضمنت الجلستان أربع مداخلات: الرصيد القانوني لحقوق الطفل الثقافية بتونس للأستاذة نعمة النصيري (حقوقية).
 دور مندوب حماية الطفولة في تكريس حقوق الطفل الثقافية للأستاذة جيهان الهرابي (مندوبة حماية الطفولة بصفاقس)
دور مؤسسات الطفولة في تكريس الحقوق الثقافية للطفل للأستاذ وليد العموري (رئيس مصلحة الطفولة بصفاقس)
 دور النشاط الثقافي المدرسي في تنمية الذائقة الفنية للطفل واحتضان موهبته للأستاذ رضا بن سعيد (متفقد أول للتعليم الإعدادي والثانوي) .
ومن باب مساهمة الجمعية وشركائها والمشاركين في هذه الندوة العلمية في استشراف مستقبل واعد لأطفال اليوم كهول الغد، خصوصا أن بلادنا تعيش مرحلة تأسيسية ثانية فإنهم توصلوا إلى أهم المقترحات والتوصيات التي رفعت للمجلس الوطني التأسيسي:
(1) إجماع على ضرورة إفراد الطفولة بوزارة خاصة بها مع تكوين هيئة تنسيقية بين الوزارات المهتمة بها حاليا (المرأة والأسرة – الشؤون الاجتماعية – العدل – التربية والتعليم – الصحة – الشؤون الدينية...) تتعاون مع لجان متخصصة مثلا في مجال التربية ما قبل المدرسية بهدف تحديد مواصفاتها الأساسية خصوصا في السنة التحضيرية، ويُفرض احترامها على كل الأطراف المتدخلة (سواء بروضة أطفال أو كتّاب أو قسم تحضيري بمدرسة ابتدائية أو بحضانة أخرى)
(2) دسترة حقوق الطفل دفاعا عن تكوينه الثقافي والتربوي والأخلاقي وحمايته من الأخطار التي تتربص به نتيجة التطرف مهما كان لونه، مما يدعّم مبدأ التلازم بين الحقوق والواجبات في إطار المواطنة مع تخصيص باب في مجلة حماية الطفل للحقوق الثقافية وتفعيلها في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.
(3) إفراد مندوب حماية الطفولة بسلطة خاصة مستقلة تمكنه من تفعيل حقوق الطفل عموما وحقوقه الثقافية خصوصا من خلال نظرة شمولية لتنشئة الأطفال حسب مبدإ تكافؤ الفرص.
(4) مراجعة الزمن المدرسي ومسألة إشراف وزارة التربية والتكوين على السنة التحضيرية في سن ما قبل الدراسة في إطار دعم النموذج التنشيطي في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية المهتمة بتربية وتعليم وتثقيف الأطفال بحيث لا يتم التعارض بين الوزارات المشرفة عليها (التربية والتكوين، المرأة والأسرة، الشؤون الدينية، الثقافة...).
(5) إفراد الأطفال من ذوي الاحتياجات الخصوصية بإطار طبي ونفسي وتربوي مختص دون الاقتصار على اهتمام المعلمين بهم في المدارس العادية والمربين والمنشطين في المؤسسات غير المدرسية institutions parascolaires (دعم مشروع بعث ديوان صلب وزارة الطفولة يهتم بالأطفال من ذوي الاحتياجات الخصوصية).
(6) دعم ثقافة الترغيب في المطالعة وفي التثقيف منذ سن مبكرة دون الاقتصار على النموذج المدرسي الذي يهتم أكثر بالقراءة والكتابة)، مع بعث قناة فضائية تونسية موجهة للأطفال وأوليائهم انطلاقا من المنظومة القيميّة للطفل التونسي التي تدعم وطنيته وهويته العربية الإسلامية وانتماءه الحضاري لتاريخ يمتد على فترة ثلاثة آلاف سنة وتدعيم مكتسبات الحداثة التي تحققت في البلاد، والطموح للمرور إلى مرحلة ما بعد الحداثة.