اثراء للنقاش

بقلم
لزهر عبعاب
هل نحن نعيش مرحلة تحوّل ديمقراطي أم أننا كالمستجير من الرمضاء بالنّار؟

 السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا اليوم هل نحن نريد بناء تجربة ديمقراطية تقطع مع غرائز الاستبداد و نزعة التسلّط و الإقصاء المتأصّلة في ثقافة التخلّف التي استحوذت على مجتمعاتنا منذ قرون؟

 
الديمقراطية التي تعني التعدّدية السياسية و التنوّع الأيديولوجي و مناصرة قضايا الحق و تكريس ثقافة وسلوك الحوار مع الأخر و الإيمان بان الاختلاف في الرؤى وتعدّد المنطلقات هو علامة صحّة و حيوية لمجتمعنا، هي التي تحمينا من طغيان الحاكم المستبد و تقينا من داء العنف وتجعل مجتمعنا ينعم بالاستقرار و الأمن و الرفاه. 
 
ولكن منذ انطلاق الأعداد للانتخابات نلاحظ أن النخب السياسية في تونس قد تخلّت شيئا فشيئا على هذا الهدف المفصلي في بناء دولة القانون و سلطة الديمقراطية، إذ غلب سلوك حيازة السلطة السياسية و بسط الهيمنة الحزبية على النزعة الوطنية المتطلعة إلي الأفق الإنساني الأرحب، هذه الوطنية التي تعتبر تتويجا لحكمة الإنسان التونسي و عقلانيته على حساب جهله و أنانيته، هذه الوطنية التي بلغت حد الإشباع بالقيم الإنسانية و الحضارية خلال ثورة 14 جانفي ، من تضامن و رحمة وتسامح، نبراسها العقل الجمعي لا  النزوات الذاتية و الفئوية.
 
لذلك فان الديمقراطية بما فيها من تحرير للإرادة و تفجير للطاقات المكبلة و تثويرا للوعي، لا يمكن أن تتحوّل إلي مجرّد أداة لتبسط من خلاله الأغلبية الانتخابية سلطان رغباتها و تمارس بمقتضاها طغيانها على البقية. كذلك فان المعارضة في ظل الديمقراطية لا تعني محاصرة الحكومة المنتخبة و تعطيلها عبر تصعيد الاحتجاجات الشعبية و تهويل الوضع الاجتماعي بهدف إفشال برامجها.
 
إن عقلية حيازة السلطة السياسية لدى نخبنا السياسية في تونس، هي التي تجعلنا اليوم أمام أغلبية مستفردة بالحكم و معارضة معطّلة للفعل الاجتماعي و السياسي الذي أصبحت تقرّره الانفعالات العفوية للجماهير المهيّجة سيكولوجيا و المستنفرة إيديولوجيا، تؤدّي في نهاية المطاف إلي حالة من الاحتقان و الانفلات.لأن بناء الديمقراطية الحقيقية يمرّ عبر حرص النخب السياسية على وحدة عناصر المجتمع وعلى أمن مكوّنات الوطن، لأن النخب السياسية من المفروض أن تكون مؤهلة لذلك بعد أن حصّنتها تجربتها النضالية ووعيها السياسي و الثقافي و حسّها الوطني التي استلهمتها من تجاربها الواقعية خلال مقاومتها السياسية المشتركة للاستبداد.
 
إن المشهد السياسي في تونس تبرز من خلاله مؤشرات مثبّطة و محبطة لتحوّل مسار الديمقراطية الناشئة إلي شعار انتخابي مؤدلج لكسب التأييد الشعبي و لضمان تحقيق مكاسب شخصية أو حزبية على حساب المصلحة الوطنية التي هي هدف الممارسة الديمقراطية، و بذلك انتقلت برامج هذه الأحزاب و النخب المتصارعة من خيارات بناء دولة القانون و الديمقراطية إلي خيارات سلطة فئوية تمارس الهيمنة باسم الدولة و تحت غطاء الديمقراطية، التي آلت إلي تطويع فئوي يتسم بتقديم المصالح الحزبية على المصلحة الوطنية المشتركة.
 
أمام هذا الوضع نجد بلادنا اليوم مهدّدة إما باستبداد السلطة السياسية من خلال تطويع مؤسسات الدولة لتصبح الديمقراطية مجرّد آلية للاستيلاء على السلطة أو طغيان الفوضى و الانفلات و العنف الذي يهدّد بانهيار أركان الدولة و تلاشي أمال شعبنا في بناء مجتمع ديمقراطي. وهو ما يجعلنا نؤكد أن الديمقراطية ليست ممارسة انتخابية تدخل في شروطها نسبة المنخرطين فقط و إنما هي  أولا و قبل كل شيء قيم حضارية و سلوك عقلاني و موقف إنساني و انتماء وطني يردفها بناء مؤسسات دستورية فاعلة وترسيخ ممارسة اجتماعية واعية، تتميز بالحسّ الوطني و التضحية و نكران الذّات. لأن الذي يتخلّى على مصالح شعبه ووطنه لأجل رهانات سياسية حزبية و شخصية لا يمكنه أن يبني تجربة ديمقراطية و لا أن يستجيب إلي استحقاقات ثورية.