للتأمّـــــل

بقلم
فيصل العش
واقع البحث العلمي في البلاد العربية... المأزق

 لقد حرّكت الثورات العربية المياه الراكدة .. وكشفت الغطاء على حقيقة واقعنا العربـــي الذي وصل إلى حدّ التعفّن .. وبقدر ابتهاجنا بهذه الثورات وما حققته من حرية للمواطن العربي بقدر ارتفاع نسبة الخوف على مستقبلها ... لقد خطت الشعوب الثائرة خطوة في الإتجاه الصحيــح بتمردهـــا على الطواغيت ولكن الطريق مازال طويلا ... فمازال أمامها وأمام نخبها كثيرا من العمل والجهـــد حتّى تستعيد الأمة مجدها ... جمعنا لكم في هذا المقال بعض الإحصائيّات والتقاريــر المقتضبــة حول واقع البحث العلمي في الوطن العربي قصد الإطلاع عليه  ومعرفته في عمقه الحقيقي . ولا نقصد من ذلك بثّ التشاؤم  في النفوس بل بالعكس من ذلك نطمح إلى استنهاض الهمم للعمل والنضال لتجاوز هذه الحالة... 

- حتى بعد ثورات الربيع العربي لم تختلف نظرة الأنظمة العربية الجديدة للعلماء والعلم وتطبيقاته الاقتصادية في كافة المجالات.. لم نسمع مثلا عن تعيين مستشار علمي في هيئات الرئاسة الجديدة كما يحدث في حكومات الدول المتقدمة.
2- الأزمة المالية العالميـــــة التي اندلعـــت عام 2008 كشفت عن أهمية تطبيقات العلم في رفع ودفع الاقتصاد، فحين اضطرت الولايات المتحدة لخفض ميزانية البحث العلمي رفعتها الهند والصين والبرازيل فظهرت الطفرة الاقتصادية سريعا في تلك الدول وانتقل ملايين الناس من الفقر إلى الغنى بشكل لافت وسريع أيضا. أما في العالم العربي فوضع البحث العلمي لم يتغير منذ أربعين عاما إلا من مبادرات هنـــــا أو هناك كالصنــــدوق المصــري الأوروبي أو صندوق الشرق الأوسط للعلوم في الأردن أو صندوق محمد بن راشد للعلوم في الإمارات حتى جاء عام 2006 حين أعلنت قطـــر عن تخصيص اثنين وثمانية من عشرة في المائة من ناتجها القومي لتطوير البحوث العلمية لتكون الخطوة الأكبر عربيا في هذا المجال.
3- إجمالي مراكز البحث العربي العربيـــة لا يزيد عن 600 مركز مقابـــــل ألف و500 مركـــز في فرنســـا وحدها.
وتنفق إسرائيل  سبعة عشرة ضعف ما ينفقه العرب على الأبحاث العلمية.
4- الدول العربية أنفقت 94 مليار دولار عام 2009 على شراء الأسلحة بينما خصصت للبحث العلمي وتطبيقاته ملياري دولار فقط.
5- العرب لا ينتجون إلا 0.3 في المئة فقط من إجمالي البحوث العالمية يقدمها 55 ألف باحث ولا يساهمون إلا بـ 0.1 في المئة فقط من إجمالي براءات الاختراع العالمية.
6- القطاع الخاص الإسرائيلـــي مثلا يخصـــــص 53 في المئة من إنفاقه على البحوث العلمية مقابل 3 في المئة فقط يخصصها القطاع الخاص العربي لذات الشأن.. لهذا ربما تحتل إسرائيل المركز الثالث عالميا في الصناعات التكنولوجية المتقدمة، المقارنة هنا تتحدث عن نفسها ربما أيضا لهذا لا تتغير أنماط الهياكل الإنتاجية العربية.
7- الدول العربية تصدّر الآلاف سنويا من خيرة كفاءاتها للدول المتقدمة. وأبرز أسباب هجرة الكفاءات:
◄ الفساد السياسي الذي صنع مناخا طاردا للكفاءات.
◄ الفساد الاقتصادي حرم الأدمغة العربية من ظروف اجتماعية وعلمية مناسبة.
والنتيجة وفقا لبعض الإحصاءات: 54 في المائة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخــــــــارج لا يعــــودون إلى بلدانهم.. فـــي حين نجـــد أن 95 في المئة من الباحثين الصينيين يعــــــودون إلى بلادهم بعد استكمال دراستهم في الغرب.
8- مليون خبير عربي يعملون في الدول المتقدمة.
9- نجد في بريطانيـــــا مثـــلا 34 في المئة من الأطباء ينتمون إلى الجاليات العربية.
10- ضياع هذه العقول يكلّف المنطقة العربية فاتورة ضخمة، تشمل تكاليف تعليم هذه الكفاءات في مراحل مختلفة فضلا عن إهدار فرص مساهمتها في دعم اقتصاديات بلدانها. وتؤكد تقارير مختصة أن تكلفة تعليم الكفاءات بلغت 11 مليار دولار في سبعينيات القرن الماضي.. وتضاعفت هذه الخسائر عشرين مرة فوصلت إلى 200 مليار دولار خلال العقد الحالي.
11- متوسط تكاليف تعليم المهاجر العربي في بلاده: 10 آلاف دولار.. في المقابل ما تخسره الدول العربية من هجرة أبنائها تستفيد الدول المستقبلة لهـــــا، فكثير مــــن المهاجريـــن العرب أسهموا في مجالات علمية عديدة ويقومون بدور في النشاط الاقتصــادي حيث يعيشون.
12- حكومات العهد الجديد القادمة في ربيع عربي ينتظر منها أن تصحح الخلل الحاصل، وأن تبني ظروفا أفضل تساهم في عودة العقول المهاجرة إلى أوطانها.
13- من أهم العلوم التي تشهد نقصا فادحا بسبب هجرة الكفاءات: علم الاجتماع والبيئة والعلوم البيئية وعلوم التغير المناخي وعلوم الموارد الطبيعية بشكل عــــــام والمخاطر الطبيعية. هذه هي العلوم التي لها واقـــــع مباشـــــر وحقيقــــي وواقع حالي على الثورات العربية وعلى المجتمع وعلى المجتمعات العربية.
14- بناء الشخصية العلمية صراحة تحتاج ثلاث مرتكزات أساسية: القابلية، المهارات، والخبرة.
15- تعتبر البيئة العربية حاليا غير حاضنة للعلم. ولذلك وجب تهيئة المناخ المناسب لاحتضان العلماء. وهذه العملية تتطلب وقتا طويلا مثلها مثل الشجرة الصغيرة التي تحتاج عناية خاصّة وعوامل كثيرة حتى تنمو وتكبر وتستطيع أن تعطي ثمارها.
والعلماء في الوطن العربي يحتاجون مناخا مناسبا ويحتاجون المعامل والإرادة السياسية . كما  يحتاجون وضعا أمنيّا مستقرّا  ويحتاجون الكثير مـــن العوامــــل حتــــى ينطلقــــوا في التواصل مع بعضهم بعضا وتقديم ما لديهم في خدمة المجتمع.
16- اهتمام الدول العربية قائم أساسا على الاهتمام بالتعليم تخريج طلاب الجامعات.. وهو غير مهتم بتطوير الأبحاث العلمية.
17- تقول الإحصاءات أن 45% من الطلاب العرب الذين يتم ارسالهم لمواصلة دراساتهم بمراكز البحث الأوروبية والأميركيـــة لا يعودون مرة أخرى لأوطانهم، نسبة تعبر عن فجوة علمية مقدارها مئة وخمسين عاما .
18- ينفق العالم سنويا 536 مليار دولار على أمور البحث العلمي لا يمثل نصيب الدول النامية منها إلا 4 في المائة فقط. ربما لهذا ظلت نامية.
19- تنفق الولايات المتحدة واليابان وأوروبا مجتمعة نحو 417 مليار دولار سنويا على أمور البحث العلمـــــي والتطويــــر، تمثــل 75 في المائة مما ينفقه العالم أجمع على ذات المجال. فالولايات المتحدة تنفق وحدها 1/3 ما ينفقه العالم أجمــع على البحث العلمي. تليها اليابان التي تنفق 1/4 من الإنفاق العالمي في مجال البحوث العلمية وتطويرها اقتصاديا.
20- يواجه ارتفاع أعداد الباحثين العرب العلميين سنويا بعدم وجود فرص عمل لهم، أو عدم وجود مراكز بحثية تستوعب أعدادهم المتزايدة سنويا مما يضطرهم إلى الهجرة، أضف إلى ذلك، فإن 35 في المائة من العلماء العرب هم من النساء اللاتي يجدنّ صعوبة أكبر في سوق البحث العلمي العربي.
21- لا توجد بيئة بحث علمي في العالم العربي، وطرق التفكير لا تشجع على البحث العلمي. فالبحث العلمي يتطلب بيئة من الحرية الفكرية وبيئة من تشجيع وتقدير العلم والعلماء. هذه كلها لا تتوفر بالعالم العربي، زد إلى ذلك التشجيع الاقتصادي وكل الأمور الأخرى. والتجربة في الغرب في هذا المجال مختلفة تماما عما هو موجود بالوطن العربي فالبيئة الغربية فيها تقدير حقيقي للعلم كاستثمار في الشخص وفي المؤسسة وفي المجتمع، استثمار على المدى القصير والبعيد، لأن العلم هو إنتاج وليس استهلاكا، وهذا أهم شيء تتعلمه في الغرب. فالعلم ليس شيء تدرسه في الجامعات وإنما شيء تتعلم أن تنتجه، هو شيء أنت تقوم به، البحث العلمي هو شيء جديد وإن لم يكن جديدا فلماذا نقوم بالبحث أصلا.
22- يستورد العرب 90% من حاجاتهم من الخارج بسبب غياب التطبيقات العلمية في الصناعة والزراعة والطاقة والصحة وغيرها.
لا بد إذن من إيلاء العلم ومخرجاته الاهتمام الكافي وإلا فمصير هذه الثورات لن يكون مشرقا وسنبقى نعيش في كهف التبعيّة والتخلف والاستعمار المباشر وغير المباشر .