مصلحون

بقلم
فيصل العش
توحيدة بن الشيخ : « إمرأة كألف »

 مقدّمة

 
ضيفة هذا الركن في هذا العدد هـــي أول فتاة تونسيـــة تتحصل على شهادة الباكالوريا وأول امرأة تنال شهادة الطب وتمارســــه في تونس بصفة خاصّة وفــــي العالــــم العربـــي بصفـــة عامـــة. هي توحيدة بن الشيخ رمز المرأة الناجحة التي اختارت طريق العلم لتحقيق ذاتها فبلغت ارقى المستويات ورفعت من مكانة المرأة التونسية عاليا بين نظيراتها في العالم العربي وفــــــي أوروبــــــا ، في زمن كان فيه الاستعمار يعمل جاهـــــدا على تكريس واقع التخلف بالبلاد.
 
نشأتها
 
ولدت توحيدة بن الشيخ بتونس العاصمة يوم 2 ديسمبر 1909، في عائلة ميسورة من بلدة رأس الجبل بجهة بنزرت بالشمال التونسي . توفي والدها وتركها صغيرة فعاشت إلى جانب أخويها تحت رعاية أمهم وهي من عائلة بن عمار إحدى العائلات الثرية بالعاصمة فرصت على تعليمها وإخوتها.
 
توحيدة المتعلّمة
 
درست توحيدة في المرحلة الابتدائية بمدرسة نهج الباشا، ونالت شهادة ختم التعليم الابتدائي سنة 1922. ثم واصلت دراستها الثانوية بمعهد «أرمان فاليار» (Lycée Armand Fallières) إلى أن تحصلت بامتياز كأول تونسية مسلمة على شهادة البكالوريا العام 1928. وقررت مواصلة تعليمها بالخارج بتشجيع من والدتها ، فتوجهت إلى فرنسا وسجلت آنذاك لتحرز على دبلوم الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا (P.C.B). وهو ما سمح لها باللحاق بكلية الطب بباريس لتتحصل على شهادة الطب سنة 1936 ثم تخصصت في طب النساء والتوليد وتحصلت على الدكتوراه بعد عام واحد فقط  لتكون بذلك أقدم وأول طبيبة في تونس وفي العالم العربي.
 
توحيدة الطبيبة
 
بعد عودتها إلى موطنها تونس، فتحت توحيدة بن الشيخ عيادتها الخاصّة بمدينة تونس (42 شارع باب منارة) . وإثر الإستقلال دخلت ميدان الصحة العمومية حيث عيّنت في الفترة بين 1955 و1964 على رأس قسم الولادة بمستشفى شارل نيكول (Hôpital Charles Nicolle) بمدينة تونس حيث ساهمت في إطلاق تجربة التنظيم العائلي في تونس، وذلك عن طريق قسم قامـــت بإنشائـــه في المستشفى سنة 1963. ثم انتقلت بعدها لتتولى منصب رئيسة قسم التوليد وطب الرضيع بمستشفى عزيزة عثمانة حتى أحيلت على التقاعد سنة 1977. وقد ساهمت خلال تلك الفترة في تأسيس مدرسة تكوين القابلات، كما كلفت لفترة سنة واحدة (سنة 1970)  بإدارة الديوان الوطني للتنظيم العائلي.
 
توحيدة المناضلة
 
لم تكتف توحيدة بن الشيخ بدراستها للطب بــــل كانت مناضلــــة من المناضلات التونسيات بنشاطها الجمعياتي المكثف حيث انتمت إلى العديد من الجمعيات سواء بفرنسا أو بعد عودتها إلى تونس. ومن تلك الجمعيات جمعية طلبة شمال أفريقيا المسلمين بفرنســا، كما دعيت لتلقي كلمة في مؤتمر اتحاد النساء الفرنسيـــات الملتئم في شهر ماي 1931. وقد تعرضت آنذاك إلى أوضاع المرأة المسلمة في المستعمرات الفرنسية. وعند عودتها إلى تونس شاركت توحيدة بن الشيخ بعض النساء المناضـــلات أمثـال بشيرة بن مراد وسارة بن الخوجة ابنة الشيخ الزيتوني الحاج علي بن الخوجة في تاسيس ”الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي“ سنة 1936، وهو أول منظمة نسائية تونسية تركزت أنشطتها على الأعمال الخيرية أساسا، حيث نظمت عدة حفلات لفائدة الطلبة التونسيين الدارسين بفرنسا وآزرت الحركة الكشفية التونسية ثم القضية الفلسطينية. كما أسست أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) ”جمعية الإسعاف الاجتماعي“، وتولت رئاستها. وكانت هذه الجمعية وراء مشروع إقامة دار الأيتام  ودار المرأة سنة 1950. وفي نفس السنة أسّست ”جمعية القمّاطة التونسية“ للعناية بالرضع من أبناء العائلات المعوزة.كما ساهمت في تأسيس لجنة الإسعاف الوطني. 
وفي سنة 1952 وّجهت توحيدة بن الشيخ، عندما كانت نائبة رئيس الهلال الأحمر التونسي ، تقريرا إلى السلطات الفرنسية سجّلت فيه أعمال العنف التي تعرّض لها المدنيّون، واغتصاب النساء وتقتيل الأطفال... على أيدي القوات الاستعمارية خلال عملية التمشيط التي انطلقت في منطقة الوطن القبلي يوم28 جانفي وتواصلت إلى غاية غرة فيفري1952 .
وكانت من بين التونسيات القلائل التي ساهمن وَلَجْنَ عالم الصحافة إذ كتبت وهي طالبة في النشرة السنوية لجمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين كما ساهمت سنة 1936 بالكتابة فـــي مجلــــة ”ليلى“ التي تعتبر أول مجلة نسائية تونسية صـــادرة باللغـــة الفرنسيـــة، ثم تولت إدارتها سنة 1937.
 
وتوفيت بن الشيخ يـــوم الإثنين 6 ديسمبر 2010، عن عمـــر ناهز الـ 101 عام.