من وحي الحدث

بقلم
فيصل العش
ابتسم ... انّك في المجلس التأسيسي

 المكان : المجلس التأسيسي بباردو - تونس

الزمان : الاربعاء 18 جويلية 2012
الساعة الثامنة صباحا 
 
أخذ جميع نواب الشعب  أماكنهم في القاعة. الجميع بدون استثناء فلا وجود بالمجلس التأسيسي من النواب من يتغيب عن جلساته فالمسؤولية كبيرة وقد سبق أن عاهد النواب الشعب على التفاني في القيام بالواجب. والثورة أمانة في عنق النواب وهم سيسهرون على تحقيق أهدافها ... هكذا تعهّدوا أمام منتخبيهم وهم اليوم عند عهدهم . 
 
الجميع يبتسم للجميع .. والكل ينتظر افتتاح الجلسة ...
 
بسمل السيد رئيس المجلس وافتتح على بركة الله الجلسة المتعلقة بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي... 
 
أخذ أحد نواب حزب حركة النهضة الكلمة فتقدّم مبتسما بالتحيّة إلى جميع نواب المجلس وخاصة إخوته من المعارضة وعلى رأسهم نوّاب العريضة الشعبية ... ثم تعرّض بالتحليل إلى الخروقات الموجودة في الأمر الرئاسي المتعلق بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي وخاصة تاريخ إصداره فلا يعقل، حسب هذا النائب، أن يؤرخ أمر رئاسي بتعيين المحافظ الجديد قبل أن يقول المجلس التاسيسي كلمته في إزاحة المحافظ القديم ... ثم طلب بلطف من السيد رئيس المجلس  أن يقوم بإعادة الأمر إلى الرئاسة لصياغته حسب القانون المؤقت المنظم للسلطات. 
 
ثم أخذت ممثلة كتلة المؤتمر من أجل الجمهورية الكلمة لتؤكّد مساندتها الكاملة لما ذكره نائب النهضة ودعت ، مبتسمة، إلى ضرورة عدم تكرار مثل هذه الأخطاء في المستقبل فلا يمكن لرئيس الجمهورية أن يتجاوز صلوحيّات المجلس التأسيسي حتّى ولو كان ” المرزوقي“ مؤسس حزبها وزعيمها. واقترحت في خاتمة مداخلتها إرجاع الملف للرئاسة لإعادة النظر فيه مصحوبا بلائحة لوم .
 
ابتسم رئيس الكتلة الديمقراطية عندما طلب منه رئيس المجلس أن يبدي رأيه في الموضوع ويقدم موقف كتلته في الأمر . فلم ينبس ببنت شفة لكنّه وقف، فوقف معه نواب كتلته وجميع نواب المعارضة وانطقلوا في التصفيق وهم مولّون وجهوههم قِبَلَ نواب الترويكا ... فلم يعد هناك مجال للكلام ... مادام الكلّ يعمل من أجل المصلحة العامّة وليس المصلحة الحزبية الضيقة فقد اتفق الجميع على أن المجلس التأسيسي ”سيد نفسه“ وأنه الحاكم الأصلي للبلاد .
 
ابتسم السيد رئيس المجلس وشكر الجميع على سعة بالهم ونجاحهم في إدارة الحوار وقرّر إرسال لائحة لوم لرئيس الجمهورية وطلبا لإعادة صياغة الأمر الرئاسي المتعلق بتعيين محافظ البنك المركزي الجديد .
 
ابتسم السيد رئيس الجمهورية وهو يطّلع على قرار المجلس التأسيسي وحمد الله الذي جعل من نواب الشعب حرّاسا للثورة يقضين ومتفطنين لكل خطإ يضرّ بمصلحة الشعب وقرر التنقل بنفسه إلى المجلس ليقدم اعتذاراته لنواب الشعب عن خطئه ويشكرهم على جديتهم في تعاملهم مع الملفات ويعدهم بعدم تكرار مثل هذه الأخطاء.
 
”ابتسم نائب النهضة وهو ينتقد الأمر الرئاسي ...“
”ابتسمت نائبة المؤتمر وهي تنتقد رئيس الجمهورية ومؤسس حزبها ..“
”ابتسم رئيس كتلة الديمقراطية ... وابتسم معه بقية النواب....“
”ابتسم السيد رئيس المجلس وهو يدير الحوار....“
”ابتسم السيد رئيس الجمهورية بالرغم من لائحة اللوم الموجهة إليه....“ 
 
وضحكت كثيرا لسخافة أحلامي المتكررة هذه الايام وأنا أنهض من فراشي لتقبل يوم جديد من الكد والعمل والمعاناة... لعلّي اظفر في آخر اليوم برطل من ”الموز“ وقارورة ماء ... فالماء أصبح مفقودا هذه الايام في بلدي. 
 
وانطلقت التمس الحافلة الصفراء وأنا أردد أبيات أبي الطيب المتنبي :
 
مِنْ أيَّةِ الطُّرْقِ يأتي مِثْلَكَ الكَرَمُ *
أيْنَ المَحاجِمُ يا كافورُ والجَلَمُ
أغايَةُ الدِّينِ أن تُحْفُوا شَوَارِبَكُمْ *
يا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِن جَهْلِهَــــا الأُمَمُ