خواطر مشروع مواطن

بقلم
فيصل العش
عيش بالمنى يا كمّون

 عندما تشاهد أحدهم وهو يوقف سيّارته في وسط الطريق ويسرع بالدخول إلى المسجد للإلتحاق بصلاة الجماعة حتّى لا يضيع  أجرها وهو في نفس الوقت لا يهمّه إن تعطلت حركة المرور ... فإعلم أن الخلل ”ثقافي“ .

و عندما ترى آخر يفتح بلور سيارته عند وقوفه عند الإشارة الضوئيّة  ويرمي بصندوق السجائر الفارغ لتوّه في الطريق العام فاعلم أن الخلل ”ثقافي“.
وعندما يرمي إليك ثالث بابتسامة صفراء ثم وبمجرّد مغادرتك المكان ينعتك بأبشع النعوت فاعلم أن الخلل ”ثقافي“ .
وعندما يرميك رابع بالكفر لأنك خالفته الرأي في جلسة حوارية جمعتك به فاعلم أن الخلل ”ثقافي“.
عندما يغيب النائب عن جلسات المجلس التأسيسي أثناء مناقشة أحد الوزراء وتجده في ذلك الوقت في موقع آخر وهو بصدد تنظيم ندوة صحافية ليشتم الحكومة ويحرض على اسقاطها فاعلم أن الخلل ”ثقافي“.
عندما لا يحترم العامل قواعد العمل ولا يؤدّي واجبه كما يجب ثم يعتصم ليطالب بالزيادة في الأجر فاعلم أن الخلل ”ثقافي“
عندما تمتلئ المقاهي بالشباب ”العاطل عن العمل“ ثم تعلم أن هناك نقص كبير في اليد العاملة في موضع كالبناء والنظافة وجمع الزيتون وتكتشف أن ”العاطلين عن العمل“ لا يرغبون في القيام بأعمال لا تتماشى مع مؤهلاتهم العلمية فاعلم أن الخلل ”ثقافي“.
عندما تخصص وسائل الإعلام الوقت الكثير لنقل مقابلات كرة القدم أو مهاترات سياسويّة  بنفس الوجوه ونفس المواضيع ولا يتم تخصيص حصّة واحدة للحديث عن سبب ارتفاع عدد المصابين بالامراض المزمنة ببلادنا إلى الضعف خلال السنوات الخمس الأخيرة أو ارتفاع نسبة انتشار مرض السرطان عفانا وعفاكم الله فاعلم أن الخلل ”ثقافي“.
عندما يتم حصر الثقافة في الفن والموسيقى والرقص والسينما والمسرح ولا تنصب موائد الحوار حول ثقافة التعايش و ثقافة المواطنة وثقافة العمل فاعلم أن الخلل ”ثقافي“.
عندما تتحول ”الرشوة“ إلى ”هدية“ و ”المحسوبية“ إلى ”الأقرباء أولى بالمعروف“ فاعلم ان الخلل ”ثقافي“
وعندما يستباح“رزق البيليك“ ويصبح حقّا مشروعا و تتحول ”الغورة“ إلى ”بطولة“ و ”شجاعة“ فاعلم أن الخلل ”ثقافي“
وعندما تتحول المرأة عند البعض إلى ”جسد“ و مواد دعائيّة وعند البعض الآخر ”عورة“ و ”ثروة“ يجب إخفاؤها عن أعين الحاسدين فاعلم أن الخلل ”ثقافي“.
وعندما تفتح الملاعب والساحات للدعاة ويجيش لهم الناس لسماع خطبهم ”النارية“ في الشكل و ”الفارغة“ في المحتوى من جهة  و يحتكر ”الرئيس“ وبعض المقربين حق تنظيم حوارات مع أفضل مفكري الأمة ومبدعيها في قصورهم وفي اروقة أضخم النزل فإعلم أن الخلل ”ثقافي“.
وعندما يتعمّد بعض أشباه الفنانين الإساءة للمقدسات بتعلّة حريّة التعبير والابداع فعلم أن الخلل ”ثقافي“ 
وعندما يدّعي بعضهم الدفاع عن المقدسات باستعمال العنف وحرق المؤسسات و يقومون مقام السلطة  في أخذ القرار فاعلم أن الخلل ”ثقافي“ 
قد يتساءل البعض عن هذا الهوس بالثقافي . والجواب عندي أن  ”الثقافي“ بالمعنى الحقيقي للكلمة لم يأخذ حضّه في تونس بعد الثورة بالرغم من كونه العمود الفقري لكل نجاح بل دعوني أقول أنه تمّ تغييبه بشكل فضيع ومتعمّد وهذا عمل معاد للثورة ... فالهرولة نحو الإصلاح السياسي والإداري لن يؤتي أكله في غياب اصلاح ثقافي لذهن التونسي يتحول بمفعوله من ”رعيّة“ إلى ”راع“ ومن ”مستهلك“ إلى ”منتج“ ومن ”مفعول به“ إلى ”فاعل“ . 
فهل ستسلك ثورتنا الطريق الصحيح أم سيبقى ذلك حلم صعب المنال فيحق فينا المثل الشعبي ”عيش بالمنى ياكمّون“ ؟؟؟