مصلحون

بقلم
فيصل العش
بشيرة بن مراد رائدة الحركة النسائيّة في تونس

 ولدت بشيرة بن مراد في 11 أوت 1913 بالعاصمة التونسية و نشأت وسط عائلة عريقة عرفت بحبها للعلم والثقافة والتربية فهي ابنة الشيخ محمد الصالح بن مراد شيخ الإسلام الحنفي الذي حرص على تعليمها بالبيت على أيدي عدد من مشائخ جامع الزيتونة، ومن بينهم جدها نفسه، بالإضافة إلى جانب آخرين ومن بينهم محمد مناشو الذي علمها الإنشاء والكتابة،  وفرج عباس  ومحمد بوذينة. وقد حفظت جانبا من القرآن الكريم وتعلمت العربية، و تحصلت على شهادة التحصيل. كما حفظت كثيرا من الشعر العربي وهو ما مكنها من الكتابة الصحفية والخطابة في المحافل النسائية وحتى المختلطة.

وأدركت بشيرة بن مراد سريعا انه لابد أن تكون للمرأة التونسية دور أكبر واهم من الدور الذي تقوم به في ذلك العهد خاصة وان البلاد كانت تعيش تحت نير الاستعمار وفي ظروف قاسية من الجهل والفقر والأمية وكان أن قررت هذه المناضلة بعث أول منظمة نسائية لتوعية الفتيات والنساء بمسؤولياتهن تجاه أنفسهن وتجاه الوطن والأسرة والمجتمع . 
فأقدمت على تأسيس الاتحاد النسائي الإسلامي سنة 1936 بالتعاون مع مجموعة من سيدات المجتمع الوطنيات وبمساندة وتشجيع والدها الذي كان منذ بضع سنوات فقط من أبرز معارضي الطاهر الحدّاد رائد تحرير المرأة في تونس. و كانت هذه المنظمة تهدف إلى تربية الفتاة في دائرة الأخلاق الإسلامية، وتوجيهها نحو التعليم وبث الثقافة الإسلامية والعربية في الوسط النسائي كما كانت تهدف إلى تعبئة التراث في ميدان المساواة بين الجنسين وأثـَرُ شهيرات النساء في الإسلام ليدفع بالمرأة التونسية إلى الانخراط في الحياة الاجتماعية. فأسس "الاتحاد" مدرسة للفتيات ونظم الملتقيات لفائدتهنّ . وتركزت أنشطة الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي على الأعمال الخيرية أساسا، وبرز بشكل خاص من خلال مساندته ومساعدته التي اتخذت شكل التبرعات، للطلبة الذين يزاولون تعليمهم بالخارج ،كما ساند نشر العلم والتعليم وانخرط في العمل الوطني من أجل الاستقلال .كما ساند في أواخر الأربعينات القضية الفلسطينية وآزر الحركة الكشفية التونسية، فبعث فرعا كشفيا تحت عنوان حبيبات الكشافة بهدف تحسيس الأمهات بأهمية الحركة الكشفية والسماح لأبنائهن بالمشاركة فيها. فكان الإتحاد النسائي الإسلامي المدرسة الأولى لتدريب المناضلات التونسيات.
 
وترأست بشيرة بن مراد هذه المنظمة منذ نشأتها إلى أن وقع حلها، إلى جانب أختيها بنات شيخ الإسلام محمد الصالح بن مراد ، و سارة بن الخوجة ابنة الشيخ الزيتوني الحاج علي بن الخوجة ، والسيدة نبيهة بن ميلاد زوجة الدكتور أحمد بم ميلاد ،وتوحيدة بن الشيخ، أول طبيبة تونسية، وبدرة بن مصطفى القروي ونعيمة بن صالح وجليلة بن حميدة مزالي ومنجية بن عز الدين. وكانت أعضاء الاتحاد وعلى رأسهن السيدة بشيرة بن مراد ينظمن، بتنسيق مع المقاومة الوطنية، حفلات تبرّعية وعروضا فنيّة. وسمح إحداث فروع للمنظمة بداخل البلاد، بتوسيع مجال حضوره عبر مختلف أرجائها وبتشريك نساء الطبقات المتواضعة في أنشطته. وسرعان ما اكتسى تعاونه مع الأحزاب السياسية وتحديدا " الحزب الحرّ الدستوري الجديد " صبغة سياسية أكثر وضوحا.
فبالإضافة إلى المساهمة في ترويج الشعارات وتنظيم الأسواق الخيرية، كان أعضاء الاتحاد يساهمن في تنظيم اجتماعات الأحياء، ويرعَين المحاضرات ويشاركن في المظاهرات. كما قامت علاقات متينة بين الإتحاد النسائي الإسلامي والنقابة العمالية " الإتحاد العام التونسي للشغل ". وهكذا أصبحت النساء يخرجن إلى الشارع ويسجّلن حضورهن في المسيرات. وكردّ فعل على هذا النشاط حرصت سلطات الاحتلال على الاستمرار في حظر نشاط الإتحاد النسائي الإسلامي إلى غاية سنة 1951، مُسلطة على رئيسته شتّى أشكال المضايقة، ووصلت إلى حدّ إيداعها السجن بسبب نشاطها السياسي.
 
وذكَّرت بشيرة بن مراد بالملابسات التي حفت بتأسيس الاتحاد  فقالت: ” لقد تميّزت سنة 1935 بغليان سياسي، حيث تعرضت العديد من الشخصيات السياسية البارزة إلى الإيقاف والإبعاد من البلاد، فأصدرتُ نداء إلى 1500 امرأة من نساء أعرق العائلات في البلاد، ولكن 15 فقط منهن استجبن لندائي. وبعد أسبوع وجّهتُ الدعوة إلى عدد آخر من النساء، فاستجابت لدعوتي هذه المرّة 50 امرأة .. ومرّت سنة، وشيئا فشيئا، بدأت الاجتماعات تتوالى، وبدأ التونسيون يشعرون بوجودنا وبحركتنا النسائية؛ عندها بدأت التشجيعات تُغدَق علينا من النساء والرجال. كما بدأت الصحافة تهتمّ بنا وتنشر بعض المقالات حول نشاطنا“ .
 
ساهمت بشيـــرة بن مراد بالكتابـــة الصحفية في عدد من الدوريات من بينها مجلة المســـرح (1937) ومجلة والدهــا "شمــس الإسلام ( 1938)  وقــــد تناولـــت مواضيـــع تهــــم المرأة أساســــــا. 
ومن بين أقوالها  في هذا المجال : "ليس في الحياة المنزلية ما ينقص مقام المرأة ولا ما يحط من شرفها ولا مما يصح أن يقال فيه: إنها مظلومة الجانب مهضومة الحق، لأن تقسيم الأعمال بين الجنسين ضروري... يجب على المرأة أن تضرب بسهم في الحياة فلا بد من تربيتها تربية دينية صالحة لتكون مستعدة لحمل الأمانة التي قضى الله عليها بحملها وحفظها". 
 
لقد كانت بشيرة بن مراد تُحَثّ على الربط مجددا مع الإرث العربي الإسلامي، بعد تخليصه من كل أشكال الانغلاق والتحجر، وعلى استذكار الأعمال العظيمة التي أتتها النساء في زمن الجهاد، وعلى الإقتداء بالشخصيات النسائية التي اشتهرت إما لورعها أو لأعمالها الخّيرة أو لتفانيها ونكرانها للذات وتضحيتها بأرواحها وتدعو إلى تعليم المرأة باعتباره يمثل سبيلها إلى تحقيق الذات والاستعداد للاضطلاع بدورها كاملا في المجتمع. وكان ُيفترض أن المرأة هي التي ستحقق تحررها، في نطاق الحدود التي رسمها القرآن والشريعة الإسلامية.
 
تقول بشيرة بن مراد: ”من المؤسف أن المرأة ما فتئت تفقد شخصيتها. إن البعض من النساء يعتبرن الإسلام، الذي كان يمثل الحاجز الواقي، دينا رجعيا، ولكنهن مخطئات. فأنا مثلا مسلمة إسلاما عميقا، ومع ذلك فقد خرجت في المظاهرات ونظّمت الدروس وشاركت في حملات التبرع وفي المناقشات مع الرجال... أما المساواة فقد كانت بالنسبة إليّ تتم من خلال المشاركة في المظاهرات بالشارع وفي رفع الجهل ونشر المعرفة. هل هذه هي الرجعية؟“
ومن بين ما دعت إليه بشيرة بن مراد التعليم، وفي هذا المعنى كتبت سنة 1938 ما يلـــي:  ”المرأة التونسية تطورت وسمت أفكارها وصارت تراقب سير الأمور وهي تستحسن وتستهجن وتمدح وتذم وتفهم حالة البلاد من كل نواحيها. تشارك في المجتمعات الخيرية والاجتماعية العلمية. وإني لمسرورة بكل ذلك. وقد أسمع أحيانا بعض ما يقلقني، مثل الإعراض عن الزواج ونحو ذلك.وإني أدعو قومنا للعمل بجد وكدّ في سبيل العلم والمعرفة وتأسيس المدارس ونشر التعليم وإزالة العقبات من وجه الفتاة التونسية وترك الأحاديث والتشمير عن ساعد الجد في سبيل العمل المفيد“ (جريدة تونس الفتاة، 20 نوفمبر 1938(
 
تزوجت بشيرة بن مراد سنة 1929 من الشيخ صالح الزهار (المتوفى سنة 1952)، وكان يعمل في سلك العدول. وقد شجعها على القيام بنشاطها الوطني والنسائي. ولكنها لم تنجب منه أبناء.
وبعد الاستقلال ، استبعدت بشيرة بن مراد من المساهمة الفعلية في العمل النسائي حيث عمد بورقيبة إلى إقصائها وذلك نتيجة خلفيتها الإسلامية و تناقضها مع برنامجه و رؤيته للمرأة .وبالرغم من الحصار البورقيبي ، فقد ساهمت  بعد الاستقلال في إنشاء العديد من الجمعيّات النسائيّة  المدافعة عن حقوق المرأة.
 
وفي عهد المخلوع  تواصل مسلسل تهميش المناضلة بشيرة بن مراد ما عدى إحداث جائزة باسمها .  وقد عاشت هذه المناضلة بقية حياتها في ظروف لا تليق بحجمها  فــي بيت شديد التواضـــع  حتّى توفيت يوم  4 ماي 1993.