من وحي الحدث

بقلم
فيصل العش
الأسرى الفلسطينيون وسلاح الإضراب عن الطعام

  الأسرى الفلسطينيون يضربون عن الطعام 

 
منذ يوم 17 أفريل 2012 الموافق ليوم الاسير الفلسطيني ،دخل حوالي 4700 أسير فلسطيني بالسجون الإسرائيلية (بينهم نحو 309 قيد الاعتقال الاداري ) في اضراب عن الطعام  كحركة احتجاج جماعية على اعتقالهم بدون محاكمة لفترات تستمر لستة أشهر قابلة للتجديد (ما يسمى بالاعتقال الإداري الذي تطبقه إسرائيل) ومن أجل تحسين وضعهم داخل السجون بعد أن أصبحت لا تطاق خاصة بعد تطبيق "قانون شاليط" الذي فرضته إسرائيل على الأسرى بعد أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليـــط، والذي يحـرم  الأسرى من بعض الحقوق الأساسية، مثل حق التعليم وقراءة الصحف ومشاهدة التليفزيون وزيارة الأهل والأقارب واعتماد عقوبة العزل التي طالت أغلب السجناء والسجينات ( الحبس الانفرادي). 
ولقد اقتصرت في بداية الأمر ردود الفعل الدولية والإقليمية على البيانات والتصريحات التي تراوحت بين الإدانة والمناشدة ، 
إلا أن ارادة السجناء الفلسطينين كانت كبيرة وإصرارهم على إجبار الصهاينة على تحقيق مطالبهم كان قويّا ويبدو أن هؤلاء الأسرى الذين كانت لهم تجارب عديدة سابقة في تنفيذ الإضرابات والإعتصامات أدركوا أنهم لن يحصلوا على الحد الأدنى من مطالبهم ، إلا بممارسة أقصى درجات الضغط على جلاديهم خاصة فى ظل صمت دولى مريب ، وعدم وجود دعم كاف لمطالبهم فاستمروا في إضرابهم ودخلوا في الأيام الأخيرة مرحلة تكسير العظام  بالامتناع عن تناول أى شىء سوى الماء فبدأت قضيتهم تطفو على سطح الأحداث ومع دخول مصر على الخطّ كوسيط لحلّ الأزمة و حصول مساندات شعبية كبيرة بالعديد من العواصم والمدن الأوروبية ( بما في ذلك جماهير الملاعب الرياضية حيث رفعت الأعلام الفلسطينيّة ) ونظّمت بها مظاهرات شعبية كبيرة مساندة لهؤلاء الاسرى، تدخل الصهاينة في تفاوض مع ممثلين عن الأسرى بواسطة مصرية وحصل اتفاق تمّ في سجن "عسقلان" لبى مطالب الأسرى الرئيسية، خاصة وقف العزل الانفرادي نهائياً، والسماح لأهالي أسرى قطاع غزة من الدرجة الأولى بزيارتهم، والسماح بالاتصالات الهاتفية بين الأسرى وذويهم وتحسين ظروف معيشة الأسرى. غير أن الإتفاق لا يشمل إنهاء العمل بنظام الاعتقال الإداري الذي يقضي باعتقال الفلسطينيين بدون محاكمة لأجل غير مسمى.
وبالرغم من أن المكاسب التي سيحصل عليها الأسرى الفلسطينيون من جلاديهم في سجون الاحتلال بعد هذا الاتفاق لن ترتق إلى مستوى صبرهم الأسطوري وإرادتهم الصلبة ، إلا أنهم بهذا المستوى النضالي الكبير استطاعوا أن يفضحوا الممارسات الصهيونية و يميطوا اللثام عن جرائم الاحتلال، والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي، وكافة المواثيق الدولية التي تحرم تعذيب الأسرى جسديا ونفسيا ويعروا الاحتلال أمام العالم كله ويحرجوا الدول الراعية للدولة الصهيونية . كما أثبت هؤلاء المساجين أن الديمقراطية التي تتغنى بها إسرائيل ديمقراطية زائفة، وأن شعارات احترام حقوق الإنسان شعارات فارغة ، لا تجد طريقها إلى الإنسان الفلسطيني. 
 
”الإمعاء الجائعة“ سلاح  مقاومة  لدى الشعب الفلسطيني
 
لقد كان إضراب هؤلاء الأسرى عن الطعام حركة مقاومة فعلية وتجسيدا حيّا لإرادة الشعب الفلسطيني برفض الاحتلال والإصرار على تحرير الأرض وتأكيدا على أن إرادة الحياة لدى هذا الشعب أقوى من الاحتلال ، وأن تلك الإرادة ستنتصر حتما ، وأنه قادر من سجنه على مواجهة الجلاد، وتجاوز حدود الجدران، وذلك بتضحية الأسرى بأبدانهم و وخوضهم غمار الموت مواصلين الكفاح من أجل فلسطين فلم يبق في جعبتهم وهم وراء القضبان غير هذا السلاح  ، وبالرغم من أن الإضراب عن الطعام طريق وعر، ومسلك خطير، قد يودي بالسجناء إلى الشهادة أو يلحق بهم أمراضا وإصابات خطيرة إلا أنهم استمروا فيه صامدين حتّى تحقيق مطالبهم.
وقد سبق للأسرى الفلسطينيين أن خاضوا إضرابات عدّة من أجل تحسين ظروف الاعتقال  المهينة والكف عن عمليات القمع التي تمارس ضدهم حيث تتفنن إسرائيل في التضييق على المعتقلين ، وتشديد العقوبات ضد من يطالب بتطبيق المعايير العالمية المعتمدة في مجال الاعتقال وتعريض المعتقلين بجميع أصنافهم للإهانات والسباب والإذلال بالإضافة إلى قسوة المعاملة التي تصل إلى الحرمان من ابسط الحقوق البشرية وسوء ظروف الإقامة ، وطول فترات العزل وتعدد أشكال العذاب والعقاب، والحرمان من زيارة الأهل وهو ما يخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية .
وقد استطاع الأسرى على مدى سنوات الإحتلال، انتزاع الكثير من الحقوق بسبب إضراباتهم ونضالاتهم المتكررة رغم عدم بلوغ تلك المكاسب حد الإفراج عنهم ، فقد تمكنوا من تحسين الطعام كما ونوعا وتحسين ظروف الحياة اليومية داخل السجن، لكن الثمن كان باهظا جدا حيث سقط شهداء كثيرون داخل السجون. 
  
العرب وإضراب جوع المساجين الفلسطينيين 
 
ولم يعد غريبا أن قضية إضراب الأسرى لم تتصدر اهتمامات العرب بجميع أصنافهم إلاّ من بعض الإشارات التي لا ترتقي إلى مستوى نضال هؤلاء الأسرى فقد قررت جامعة الدول العربية ( بعد عشرين يوما من بداية الإضراب) وبالتنسيق مع السلطة الفلسطينية لنقل ملف المعتقلين الفلسطينيين الى الامم المتحدة والدعوة لعقد جلسة طارئة لمجلس الامن لبحث الاوضاع داخل السجون الاسرائيلية  في محاولة متأخرة للضغط على الكيان الصهيوني  كما قام بعض نواب المجلس التاسيسي بتونس بتنفيذ إضراب جوع "مؤقت" تعبيرا عن مساندتهم للأسرى الفلسطينيين . أمّا شعبيا فلم يسجّل  إهتماما كبيرا بالقضية وقد يعود السبب في ذلك إلى اهتمام الناس بالمشاكل اليوميّة التي أصبح يعيشها العرب في كل الدول سواء تلك التي مرّ عليها "الربيع العربي" أو التي قفزت مباشرة من الشتاء إلى الصيف !!!!
وكانت حملة "نحن شباب لا ننسى أسرانا" والتي أطلقها المدونون الفلسطينيون قد دعت "شباب الفايس بوك " وجميع الناشطين على الشبكات الإجتماعية  تغيير صور صفحاتهم الشخصية ووضع شعارات ترمز إلى السجناء الفلسطنيين كشكل من أشكال التضامن  وقد استجاب إليها العديد من الشباب في تعبير بسيط للمساندة.
 
الخاتمة
 
ولسائل أن يسأل  هل يكفي فلسطين التضامن المعنوي على أهميّته لتحريرها ؟ وهل أن رفع العلم الفلسطيني و إنشاد الأغاني الفلسطينيّة وجمع التبرعات لغزّة وأخواتها هو الطريق الصحيح لمساندة الأخوة الفلسطينيين والوصول إلى هدفهم المنشود ألا وهو تحرير فلسطين كل فلسطين ؟ وهل إقامة التظاهرات ولبس الشاش الفلسطيني وإعتبار القضية الفلسطينيّة القضية المركزية  لكل متكلّم و خطيب بقادر على أن ينهي "السرطان الصهيوني" بالأرض العربية؟ أم أن تحرير فلسطين يمر بتحرير الذّات من ثقافة الاستبداد والخنوع والتبعية للأنظمة العالمية المتسلطة وذلك ببناء دولة المواطنة القويّة القادرة على إنتاج قرار مستقل يكون دعما حقيقيا لأخوتنا في فلسطين؟ وعبر الضغط الشعبي على الحكومات الجديدة لتبني التمشي التوحيدي العربي وخلق قوّة عربية ضاغطة على الدولة الصهيونية؟. وعبر بناء إعلام حرّ يستطيع أن يؤثر في الرأي العام ويقارع الصهاينة في المحافل الدولية وأمام المجتمع الدولي ويقول للعالم أن إسرائيل دولة استيطان تعيش بلا قانون ولا تحترم الذّات البشرية .؟
إن تحرير فلسطين لن يحدث في يوم وليلة ولن يكون عن طريق البندقية فقط  بل هو تراكم نضالي يومي يشمل الأخوة الفلسطينيين وجميع أبناء الأمة ... إنه تحرير الذات قبل تحرير الأرض .
وفي انتظار ذلك اليوم ، سنكتفي بممارسة مختلف الأشكال التضامنية مع الشعب الفلسطيني لا لشيء إلا لتبقى القضية حاضرة في أذهان الناس ، نمررها من ذاكرة إلى ذاكرة كما يمرر الفلسطيني "مفتاح بيته" من جيل إلى جيل حتّى يفتح الله علينا بنصره المبين