خواطر مشروع مواطن

بقلم
فيصل العش
الاحزاب السياسية و الاندماج المغشوش... " مخزن مسكّر ولا كرية مشومة"

 تجاوز عدد الأحزاب المعترف بها بعد الثورة 120 حزبا منها من ولد ميّتا وأخرى قد قرر أصحابها غلق مقراتها وإٍرجاع المفاتيح لأصحابها من دون خلاص معاليم الكراء لعدّة أشهر. أحزاب أخرى اختارت الاجتماع بأحد مقاهي العاصمة لأن عدد منخرطيها لا يتجاوز عدد أصابع اليد والبعض الآخر اكتفى بنشر بعض البيانات على أعمدة الصحف ليضمن له مكانة تحت الشمس. لا أحد يعرف اليوم عدد منخرطي أغلب الأحزاب . الكل يتحدث عن انتشار جماهيري كبير لحزبه وأنه سيطرح برامج إنقاذ وطني لم يسبق لغيره التفكير فيها . عدد كبير من السياسيين وأمناء عامّين لأحزاب لها أسماء رنّانة لا يفقهون في السياسة  شيئا ولا يميزون بين الاستراتيجي والتكتيكي وبين النظري والتطبيقي زادهم في "رحلتهم السياسية " شعارات رنانة يكررها الجميع يعدون بها "المواطن المسكين" بالديمقراطية والحرية والعدالة و التنمية. تشتت حزبي ليس له مثيل وتشابه في الأهداف و التسميات . وبالرغم من نتائج انتخابات المجلس التأسيسي الأخيرة التي كشفت حقيقة المشهد السياسي التونسي وما تميز به من اختلال في موازين القوى بين حزب النهضة وبقية الأحزاب فإن أغلب المحاولات التي سعت إلى رص ّ الصفوف وتوحيد الجهود لخلق حزب يجتمع فيه كل هذا الشتات لم ترتق إلى مستوى مطمئن بل أننا مازلنا نسمع بتقديم مطالب جديدة في أحزاب أخرى وكأن العدد الذي بلغته الأحزاب غير كاف . فهل يدل هذا على أزمة كبيرة يتخبط فيها السياسيون أم أن الطبقة السياسية التونسية تعتزم دخول موسوعة غرينيس من هذا الباب لتبقى منقوشة في ذاكرة الأجيال القادمة. 

محدثكم يا سادتي أحد الذين ساهموا في تأسيس أحد هذه الأحزاب التي لم تظفر بمقعد واحد داخل المجلس التأسيسي أجد نفسي وأصدقائي نبحث في سوق الساسة والسياسيين عن كيفية إعادة تشكلنا والمساهمة في إنهاء حالة التشتت الحزبي بالعمل على بناء حزب سياسي وسطي كبير بمواصفات الفاعلية التي تضمن له التأثير في الحياة الوطنية وتكون له حظوظ في الاستحقاقات الانتخابية المستقبلية.  له فكرة مميزة فيها إضافة و برنامج سياسي متكامل ودقيق يعكس قوة في الاقتراح ومنهجية واضحة في التطبيق. 
في سوق الساسة والسياسيين ببلدي، هناك مغازة كبيرة على اليمين ومجموعة دكاكين صغيرة على اليسار قد تتآلف فتبني لنفسها مغازة يعرض فيها جميعهم سلعهم وفي وسط السوق عدد كبير جدّا من الدكاكين تبيع نفس السلع وترفع نفس اللافتات الدعائية . عملت وأصدقائي على دق أبواب الجميع ندعوهم لهدم الدكاكين كلّها وبناء مغازة بمواصفات حديثة تعرض سلع جيّدة للمواطنين تتماشى وأذواقهم وهويتهم،  يكون القائمون عليها من ذوي الكفاءة والمقدرة وتعتمد على الشباب في تسيير دواليبها . لكن نتائج بحثنا لم تثمر فقد وجدنا عددا كبيرا من الدكاكين مقفلة مكتوب على بابها " يعود بعد حين" وسارع بعض القائمين على دكاكين أخرى إلى تأجيل النظر في المسألة حتّى يصفّى حساباته مع شركائه فيما اقترح بعضهم علينا أن نبيعهم سلعتنا ونرحل عن سوق السياسة والسياسيين أمّا الآخرون فقد دعونا إلى الالتحاق بهم في دكانهم الواسع الذي سيغيرون يافطته بأخرى أكثر جاذبية بعد أن يجتمع كبرائهم لنأخذ ركنا نكون من القائمين عليه. 
بالرغم من شعورنا بحاجة المشهد السياسي الوطني إلى  أحزاب قوية متقاربة في المقدرة من أجل إرساء تعددية سياسية فعلية وضمان التداول على السلطة وذلك بتوحيد الصفوف مع القوى الوسطية الأخرى و تجميع الأحزاب والشخصيات المتقاربة في الأهداف ،فإننا لن نقبل بمشروع لا يقوم على أسس صحيحة ولايضمن ديمومته ونجاحه . نحن ندعو الجميع إلى التحلّي بالروح الوطنية والتخلّي عن الزعامتية التي لن تفيد الوطن في شئ ... ندعو الجميع إلى تعميق الحوار في اتجاه بناء حزب مؤسساتي يقوده سياسيون أكفاء وليس بناء حزب على أسس المحاصصة تستند فيه القيادة على الشرعية التاريخية وليس على الكفاءة والقدرة.
ندعو الجميع إلى حرق المراكب القديمة لنبني مركبة جديدة يقودها ربّان كفؤ يختاره الجميع عبر صندوق الاقتراع وليس الالتحاق بأحد المراكب القديمة حتّى إذا اشتدت الريح وهاج البحر وماج، صاح أصحابه فينا أن انزلوا من مركبنا،لا مكان لكم بيننا  فالمركب لنا والربّان منّا.
ندعو الجميع إلى تأسيس حزب لهدف خدمة الشعب وليس لمقارعة الآخرين ومحاربتهم فنحن لا نريد أن نبني بنيانا يقوم على أسس العداوة والبغضاء...
أمّا إذا فشلنا في دعوتنا ...... فسنعمل بالحكمة الشعبية " مخزن مسكّر ولا كرية مشومة".