خواطر مشروع مواطن

بقلم
فيصل العش
ديقاج.... ديقاج !!!...

وحّدوا الله ... والذي عليه ذنب يقول أستغفر الله... يا سادة ، يا مادة ... يدلّنا الله ويدلّكم على طريق الخير والسعادة ... كلامنا مرتب أفضل ترتيب ، مضمونه ذو فائدة وعجيب... نحن وإياكم نصلّي على النبي الحبيب ... لأن الفائدة والغنيمة  هي الصلاة على النبيّ ”ديمة“ (دائما)... هكذا كان ”الحكواتي“ صاحب اللحية البيضاء يبدأ سرد قصصه المعبّرة كل مساء وهو على كرسيه المرتفع بمقهى القرية ماسكا عصاه التي يضرب بها الأرض كلّما انتابته حالة من الحماس الفيّاض وجميع الحاضرين ينظرون إليه في صمت وانتباه .... يصمت هنيهة  ....ويحسّن من قعدته كأنه سلطان في حضرة الرعيّة ثم يضيف: الأولى ”أوف“ والثانية ”أوف“ والثالثة ”أوف“ ( كلمة أف بالدّارجة)... 

الأولى ”أوف“  من الذي ينظر إلى واقع البلد بنظّارات سوداء فلا يرى إلا الظلام ولا يرى غير المساوي والنقائص فتراه لا يتحدّث إلاّ عن الأزمة تلو الأزمة  ليملاْ قلوب الناس باليأس والخوف.

والثانية ”أوف“ من الذي يركب نضالات الفقراء المعتصمين هنا وهناك ليحارب الحكومة وينصب نفسه مدافعا وناطقا رسميّا لهؤلاء عساه يضمن في الانتخابات القادمة من الاصوات ”الألوف“.

والثالثة ”أوف“ من بعض الإعلاميين والسياسيين الذين شوّهوا العمل السياسي بمجادلاتهم الفارغة و مهاتراتهم البعيدة عن هموم الناس فاكرهوا الناس في السياسة والسياسيين ودفعوهم دفعا إلى العزوف.

توقّف ”الحكواتي“ عن الكلام ليأخذ  قسطا بسيطا من الراحة ويرتّب بنات افكاره ثمّ عدّل جلسته على الأريكة وواصل فقال : ” الأولى ”آه“   والثانية ”آه“   والثالثة ”آه“  ... 

الأولى ”آه“ من الذي فاز في الانتخابات بأفضل البقايا وأصبح نائبا في المجلس التأسيسي فصار يصول ويجول ويعتقد  أن لا ناطق باسم الشعب سواه.

والثانية ”آه“ من الذي يحنّ إلى حكم الطاغية ويحلم بعودته فيجهد نفسه لتوتير الوضع العام لعلّ الثورة تجهض ويتحقق مبتغاه

والثالثة ”آه“  من الذي عاش يصفق لبن علي فاختفى بعد الثورة وعاد ليصفّق من جديد للحاكم الجديد بمظهر جديد طمعا في المال والجاه.

وقف أحد الحاضرين متحمّسا وقال : ” بوركت يا عم محمد ... إن ما تقوله هو عين الصواب ... زدنا زاد الله في زادك وأجّل الله ميعادك.... ابتسم ” الحكواتي“ وأشار للرّجل بالجلوس ثم واصل يقول : الأولى ”هبال“   والثانية ”هبال“   والثالثة ”هبال“ ( هبال هنا بمعنى جنون ) ... 

الأولى ”هبال“ أن يصرّح مسؤول تراكمت امامه المشاكل وتكدّست على مكتبه الملفّات بأن الوضع عال العال.

والثانية ”هبال“ أن يعتقد الزوالي والحمّال أن ميسورا تسلّق سلّم المسؤولية في الحكم أو في المعارضة سيهتم بأمر العمّال.

والثالثة ”هبال“ أن يبيع بعض أشباه الصحافيين ذممهم بالمال ويجعلوا من السلطة الرابعة سوق ودلاّل.

ولمّا أكمل الحكواتي ثلاثيّته صاح فيه ”التوهامي“ أن كفّ عن هذا السرد الممل التافه ودعك من هذه الترّهات فزمن الخرافات قد ولّى وفات  وما تقوله لايمتّ إلى الواقع بصلة ... ”التوهامي“ هذا يدّعي أنه صحافيّ فذ وهو مراسل للعديد من الصحف المعروفة في البلاد ولولا  حبّه للقرية وأهلها لسافر إلى العاصمة ولأصبح من ألمع الصحفيين هناك و ”التوهامي“ كان قبل الثورة مصاحبا للعمدة كضلّه مدّعيا أن ذلك يدخل ضمن مهامه كصحافي . تململ الجميع ووقفوا وقفة رجل واحد يصيحون في وجه من تكلّم ”ديقاج... ديقاج...“