بهدوء

بقلم
أيمن الديماسي
العلاقة بين السّلطة التّنفيذيّة والسّلطة التّشريعيّة في النّظام السّياسي التّونسي في ظلّ دستور2014
 يعتبر النّظام السّياسي التّونسي الحالي هجين يتأرجح بين البرلماني والرّئاسي، يمارس فيه الشّعب السّلطة التّشريعيّة عبر ممثّليه بمجلس نواب الشّعب أو عن طريق الاستفتاء، ويمارس السّلطة التّنفيذيّة رئيس الجمهوريّة وحكومة يرأسها رئيس الحكومة.
ويلاحظ عدم تشكيل المحكمة الدّستوريّة وعدم انتخاب أغلب الهيئات الدّستوريّة بعد مرور سبع سنوات على المصادقة على دستور 2014 وذلك بسبب الخلافات السّياسيّة.
كما برزت صعوبات تطبيق الدّستور خلال أزمة تشكيل الحكومات المتعاقبة بسبب ضعف تمثيل الأحزاب وعدم امتلاك أيّ حزب أغلبيّة تخوّله الحكم بمفرده، فيما تزداد الأزمة السّياسيّة تعمّقاً بسبب غموض بعض فصول الدّستور وعدم وجود مخارج فيه وحلول تنظّم العلاقات بين رئيس البرلمان ورئيس الدّولة ورئيس الحكومة، ما أدّى إلى تداخل في الوظائف وتصادم في الصّلاحيّات.
وتبقى العلاقة بين السّلطة التّشريعيّة والسّلطة التّنفيذيّة تتأرجح بين التّكامل والجدليّة في إطار الدّستور وتبادل الحجج.
1. علاقة تكامل بين السّلطة التّشريعيّة والسّلطة التّنفيذيّة
يتمّ منح الثّقة للحكومة من طرف السّلطة التّشريعيّة، وطبقا للفصل 95 من الدّستور فإنّ  الحكومة مسؤولة أمام مجلس نواب الشّعب، ويرخّص قانون الماليّـــة المصادق عليه من طرف السّلطة التّشريعيّة في موارد الدّولة وتكاليفها. وبعد تنفيذ الميزانيّة يتمّ المصادقة على غلق الميزانيّة من طرف مجلس نوّاب الشّعب.
وتضع الدّولة على ذمّة المجلس التّشريعي الموارد البشريّة والمادّية اللاّزمة لحسن أداء النّائب لمهامه، مع إتباع الإجراءات الخصوصيّة المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانيّة عدد 15 لسنة 2019.
وتُمارَس المبادرة التّشريعيّة تشاركيّا بين السّلطتين وذلك إمّا بمقترحات قوانين من عشرة نوّاب على الأقل أو بمشاريع قوانين من رئيس الجمهوريّة أو رئيس الحكومة. ويختصّ رئيس الحكومة بتقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين الماليّة.
مع الإشارة إلى أنّ مقترحات القوانين والتّعديل المقدّمة من قبل النّواب لا تكون مقبولة إذا كانت تخلّ بالتّوازنات الماليّة المضبوطة بقوانين الماليّة.
وفي إطار التّكامل بين السّلطة التّشريعيّة والسّلطة التّنفيذيّة، فإنّ كلّ ما لا يدخل في مجال القانون يدخل في مجال السّلطة التّرتيبيّة العامّة لرئيس الحكومة، وعليه يتمّ إصدار أوامر حكوميّة لإدخال القوانين حيّز التّنفيذ.
مع التّأكيد على ضرورة التّفكير في إعداد النّصوص التّرتيبيّة بالتّزامن مع النّصّ التّشريعي لتفادي التّعطيل الحاصل في تطبيق عدّة قوانين.
ويتّضح التّكامل بين السّلطتين في الحالات الاستثنائيّة التّالية:
1. في حالة حلّ مجلس نواب الشّعب، يمكن لرئيس الجمهوريّة إصدار مراسيم بالتّوافق مع رئيس الحكومة تُعرَض على مصادقة المجلس في الدّورة العادية التّالية.
2. في حالات استثنائيّة يمكن تفويض مجلس نواب الشّعب بثلاثة أخماس أعضائه إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون لمدّة محدودة لا تتجاوز الشّهرين، ويستثنى النّظام الانتخابي من مجال المراسيم، وهو ما تمّ تطبيقه من طرف رئيس الحكومة الأسبق الياس الفخفاخ خلال أزمة الكورونا، حيث تحصّل على التّفويض المذكور من البرلمان بموافقة 178 نائبا واحتفاظ نائبين واعتراض 17 نائبا.
3. يجتمع مجلس نواب الشّعب أثناء عطلته في دورة استثنائيّة بطلب من رئيس الجمهوريّة أو من رئيس الحكومة أو من ثلث أعضائه للنّظر في جدول أعمال محدّد. وتجدر الإشارة إلى أنّه لم يتمّ تفعيل هذا الإجراء بعد.
2. علاقــة جدليّــة بيـــن السّلطــة التّشريعيّة والسّلطة التّنفيذيّة
يمكن تلخيص عناصر العلاقة الجدليّة بين السّلطة التّشريعيّة والسّلطة التّنفيذيّة في المهمّة الرّقابيّة لمجلس نوّاب الشّعب من ناحية ولدور رئيس الجمهورية في ردّ مشاريع بعض القوانين.  
المهمّة الرقابيّة: الآليّات والحدود
في إطار الدّور الرّقابي لتصحيح المسار، يمكن لكلّ عضو بمجلس نواب الشّعب أن يتقدّم إلى الحكومة بأسئلة كتابيّة أو شفاهيّة طبقا للفصلين 145 و146 من النّظام الدّاخلي للمجلس. وقد لوحظ وجود بعض التّأخير في إجابة الوزارات عن هذه الأسئلة. ويجدر التّذكير في هذا الصدد بأنّه عملا بأحكام النّظام الدّاخلي المذكور فإنَ الحكومة ملزمة بموافاة رئيس مجلس نوّاب الشّعب بإجابة عن الأسئلة الكتابيّة في أجل أقصاه عشرة أيّام من تلقيها السّؤال وفي أجل أقصاه خمسة عشر يوما بخصوص الأسئلة الشّفاهيّة. 
كما يمكن التّطرّق إلى آليّة الرّقابة المتمثّلة في لجان التّحقيق وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 97 من النّظام الدّاخلي للمجلس، حيث يمكن لمجلس نواب الشّعب وبطلب من ربع الأعضاء على الأقل إحداث لجان تحقيق. ويصادق المجلس على إحداثها بأغلبيّة أعضائه الحاضرين على أن لا يقلّ عدد الموافقين عن الثّلث.
ومن النّاحية الواقعيّة يمكن ملاحظة فشل هذه الآليّة الرّقابيّة في تحقيق الأهداف المنشودة وذلك نظرا إلى خضوع هذه اللّجان إلى التّجاذبات السّياسيّة وغياب قانون ينظّمها ويحدّد صلاحيّاتها الرّقابية، خاصّة أنّه سبق وأن أعلم  قاضي التّحقيق الأول بالقطب القضائي المالي في جوان 2016  مجلس نواب الشّعب أنّ لجنة التّحقيق البرلمانيّة المتعهّدة بملف «وثائق باناما» تعدّ قضاءً موازيا.
إجراءات القيام بلائحة إعفاء أو لائحة لوم
يمكن تقديم لائحة لإعفاء رئيس الجمهوريّة أو لائحة لوم ضدّ الحكومة طبقا للإجراءات التّالية:
* طبقا للفصل88 من الدّستور، يمكن لأغلبيّة أعضاء مجلس نواب الشّعب المبادرة بلائحة معلّلة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثّلثين من أعضائه، وفي هذه الصّورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدّستوريّة للبتّ في ذلك بأغلبيّة الثّلثين من أعضائها. ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل. ولا يُعفي ذلك من التتبّعات الجزائيّة عند الاقتضاء. 
* طبقا للفصل97 من الدّستور، يمكن التّصويت على لائحة لوم ضدّ الحكومة، بعد طلب معلّل يقدّم لرئيس مجلس نواب الشّعب من ثلث الأعضاء على الأقل. ويشترط لسحب الثّقة من الحكومة موافقة الأغلبيّة المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشّح بديل لرئيس الحكومة يُصادَق على ترشيحه في نفس التّصويت، ويتمّ تكليفه من قبل رئيس الجمهوريّة بتكوين حكومة طبق أحكام الفصل 89.
وفي صورة عدم تحقّق الأغلبيّة المذكورة، لا يمكن أن تقدم لائحة اللّوم مجدّدا ضدّ الحكومة إلاّ بعد مُضي ستّة أشهر.
* يمكن لمجلس نواب الشّعب سحب الثّقة من أحد أعضاء الحكومة بعد طلب معلّل يقدّم لرئيس المجلس من ثلث الأعضاء على الأقل، على أن يتمّ التّصويت على سحب الثّقة بالأغلبيّة المطلقة.
ردّ مشاريع بعض القوانين من طرف رئيس الجمهوريّة 
يمكن لرئيس الجمهوريّة أن يردّ مشاريع قوانين الماليّة وغلق الميزانيّة إلى مجلس نوّاب الشّعب لقراءة ثانية خلال اليومين المواليين لمصادقة المجلس عليه. وفي صورة الرّدّ، يجتمع المجلس للتّداول ثانية خلال الأيّام الثّلاثة الموالية لممارسة حقّ الرّدّ.
إذا قضت الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين بعدم الدّستوريّة، تحيل قرارها إلى رئيس الجمهوريّة الذي يحيله بدوره إلى رئيس مجلس نواب الشّعب، كلّ ذلك في أجل لا يتجاوز يومين من تاريخ قرار الهيئة. ويصادق المجلس على المشروع خلال الأيام الثّلاثة الموالية لتوصله بقرار الهيئة المذكورة.
ويزداد انتقاد الدّستور مع كلّ أزمة دستوريّة تحدق بالبلاد منذ المصادقة عليه، إضافة إلى الخلافات بين السّلطات والتي بدت واضحة بين رأسي السّلطة التّنفيذية، فيما بقي البرلمان عاجزاً عن التّدخّل. فهل يمكن لرئيس الجمهوريّة أن يخاطب مجلس نواب الشّعب طبقا لمقتضيات الفصل 79 من الدّستور، مقترحا حلاّ عمليّا للأزمة السّياسيّة التي نمرّ بها؟