أسماء الله الحسنى

بقلم
الهادي بريك
الأسماء المفردة بصيغة الجمع
 أحصينا من أسمائه تعالى زهاء ستّين إسما مفردا غير مركّب. نعالج هنا أسماءه المفردة ـ غير المركّبة ـ بصيغة الجمع ـ سبحانه ـ .من مثل (قادرون). تنقسم أسماؤه من حيث صيغها التّركيبيّة إلى أقسام ثلاثة : أسماء مفردة غير مركّبة من مثل (عليم). وأسماء مفردة بصيغة الجمع. وأسماء مركّبة أو مضافة. من مثل (ذو العرش). أحصينا من الأسماء المفردة بصيغة الجمع ثمانية عشر إسما. ورود بعض أسمائه سبحانه بكلّ الصّيغ المفردة والمركّبة وبصيغة الجمع مقصود منه أنّه سبحانه ليس كمثله شيء من عباده (من ملك أو إنس أو غيرهما) ممّن تتمثّل فيه بعض تلك الأسماء. بعض أسمائه المفردة بصيغة الجمع لها أصول مفردة بصيغة الإفراد من مثل (قادرون ـ قادر) وبعضها لا أصل لها بصيغة الإفراد من مثل (زارعون). وإليك بعضا من معانيها.
قادرون
أصله قادر. كما ورد في سورة الطّارق (إنّه على رجعه لقادر). وهو جمع مذكّر سالم منه. قال سبحانه في سورة المؤمنون (وإنّا على ذهاب به لقادرون). كما ورد في سورة القيامة : بلى قادرين على أن نسوّي بنانه
مقتدرون
أصله إسم مقتدر. كما في قوله سبحانه (وكان الله على كلّ شيء مقتدرا). قال سبحانه ( فإنّا عليهم مقتدرون). وهو كذلك جمع مذكّر سالم منه. وهو مزيد من فعل قدر. فهو إذن مزيد في معناه أي أزيد قدرة
الخالقون
أصله إسم الخالق. كما في قوله سبحانه (إنّي خالق بشرا من طين). قال سبحانه (أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون). كما ورد هذا الإسم المفرد بصيغة الجمع مركّبا كذلك. وذلك في قوله سبحانه (أحسن الخالقين).ولكنّ إسمه (الخلاّق) لم يرد بصيغة الجمع
عالمون
أصله إسم عليم. وقد مرّ بنا أنّه أكثر الأسماء ورودا. ولكنّه لم يرد عدا بصيغ المبالغة (عليم ـ أعلم ـ علاّم ). أصله : عالم. وقد ورد مركّبا أو مضافا في مثل قوله (عالم الغيب والشّهادة). قال سبحانه في سورة الأنبياء (وكنّا به عالمين) و(وكنّا بكلّ شيء عالمين). وهو جمع مذكّر سالم لإسم الفاعل : عالم. كما نسب الإسم نفسه لعباده في قوله سبحانه (وما يعقلها إلاّ العالمون). تقديرا لمنزلة العلم وأهله
حافظون
أصله إسم حافظ. قال سبحانه (والله خير حافظا). وجاء بصيغة الجمع في قوله سبحانه (إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون). كما نسب إسم الحفظ لعباده من الملك (ويرسل عليكم حفظة). ولعباده من الإنس (والحافظين لحدود الله). كما سمّى نفسه سبحانه حفيظا ولكن لم يرد له جمع
منتقمون
أصل هذا الإسم موجود في الأسماء المركّبة المضافة. وليس في الأسماء المفردة. إذ لم يسمّ نفسه سبحانه بأنّه منتقم بصيغة الإفراد ولو مرّة واحدة. ولكنّه سمّى نفسه بذي إنتقام في قوله سبحانه (عزيز ذو إنتقام). وورد إسم الإنتقام بصيغة الجمع في قوله سبحانه (إنّا من المجرمين منتقمون). ولكن ورد فعل الإنتقام مرّات
موسعون
صيغته الصّرفيّة أنّه جمع مذكّر سالم من فعل أوسع يوسع. فهو موسع. وهم موسعون. ومن ذا فليس له أصل بصيغة الإفراد. وليس أصله إسمه سبحانه (الواسع) الذي يكون جمعه واسعون. صحيح أنّهما يشتركان في المعنى بسبب الإشتراك في الجذر. ورد هذا في قوله سبحانه (والسّماء بنيناها بأيد وإنّا لموسعون). إختلفت أنظار المفسّرين هنا سيما بين غابر وحاضر. وقد أوّلها بعضهم أنّ الكون في حالة توسّع وتوسيع لما علّمهم الله سبحانه من وسائل علم جديدة. ولكن يظلّ المعنى الأوّلي لها ـ أي معنى سعة الكون وإرتفاق الإنسان له ـ معنى ثابتا راسخا حتّى لو أثبت العلم المعنى الجديد
الوارثون
لم يرد أنّه سبحانه سمّى نفسه وارثا بصيغة الإفراد. عدا الفعل الذي توافقنا منذ البداية هنا أنّه لا يستنبط منه إسم ثمّ ينسب إليه سبحانه. قال سبحانه (ربّ لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين) وذلك على لسان زكريّا عليه السّلام. كما أخبر أنّه يرث السمّوات والأرض. وأنّه يورث عباده المؤمنين الجنّة بعملهم. وأسبغ عليهم الإسم ذاته. إذ قال سبحانه (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون). ورث يرث وراثة وإرثا معناه : آل إليه الملك. الله سبحانه له الملك كلّه. ولكنّه أورث عباده الأرض وما فيها لعمارتها بالخير. فإذا أماتهم جميعا آل إليه ذلك الملك مرّة أخرى. المعنى المقصود هنا هو أنّ الإنسان مستخلف فحسب. وإنّما الملك كلّه لله وحده. والدّليل على ذلك أنّه يرث كلّ شيء بعد موت الإنسان. المعنى المقصود هو تصحيح الإعتقاد في الحياة الدنيا وذبّ النّاس عنها أن تغرّهم بزينتها فيظنّوا أنّهم فيها خالدون
مرسلون
هذا الإسم فيه بعض الإستثناء. ذلك أنّه ورد مفردا في قوله سبحانه (ما يفتح الله للنّاس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده). الإستثناء هنا هو أنّ الحديث في أوّل هذه السّورة المكّية (فاطر) عن الرّحمة بصفة عامّة. وليس عن الرّسول. سواء من الملك أو من الإنس. ولم يرد في غير هذا الموضع مفردا. قال سبحانه في إسمه بصيغة الجمع (ولكنّا كنّا مرسلين). كما أخبر مرّات كثيرات أنّه يرسل الرّسل ويرسل الرّياح وجنود العذاب ومنها طير أبابيل
صادقون
ليس لهذا الإسم أصل في الإفراد. قال سبحانه (وإنّا لصادقون). ومدح عباده الصّادقين مرّات كثيرات. وإجتبى منهم الصّدّيقين. وأخبر عن كتابه الأخير أنّه (مصدّقا لما بين يديه) أي من الكتاب السّالف مرّات كثيرات. كما أخبر بالفعل أنّه يصدق وعده وعباده. وسمّى الإنفاق بالمال وبغيره صدقة بسبب أنّها تصدّق إيمان صاحبها. وكذلك سمّى المهر في بعض الأحيان صدُقة (بضمّ الدّال) ليكون دليلا على أنّ العلاقة جدّ وليست سفاحا. وأخبر أنّه أصدق حديثا وقيلا. الصّدق هو قول الحقّ وفعل الحقّ والوفاء بالوعد الحقّ. فما أخبر عنه سبحانه هو الصّدق ذاته. ومن ذا تحدّى المشركين وغيرهم مرّات بأن يأتوا بما يثبت دعواهم إن كانوا صادقين. وترد صفة الصّدق في حقّ العبد بمعنى الإخلاص نبذا للشّرك أو الرّياء
حاسبون
قال سبحانه (وكفى بنا حاسبين). وورد الإسم مضافا مركّبا في قوله سبحانه (وهو أسرع الحاسبين). وأخبر سبحانه أنّ وظيفة رسله هي البلاغ والحساب عليه هو وحده سبحانه يوم القيامة (فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب). وأخبر بالفعل أنّه يحاسب النّاس والقرى الظّالمة. حسب الأمر أو الشّيء يعني ضبطه وحده وأحصاه بدقّة فلا ظلم فيه ولو بمقدار حبّة خردل.ومن ذا أخبر أنّ الشّمس والقمر وضعا حسبانا. أي وسيلة حساب للزّمن. والمقصود من الحساب هو الجزاء. وليس مجرد الحساب. ولكن سمّى نفسه بهذا الإسم حتى يعلم المرء عظمة الله وقدرته ويخشاه في سره قبل علانيّته
كاتبون
قال سبحانه (وإنّا له لكاتبون). وأخبر عن ملائكته كذلك أنّهم يكتبون(كراما كاتبين). كتب يكتب كتبا وكتابة معناها وثّق ورسّخ وثبّت. فما كان مكتوبا لا يمحى ولا ينكر فهو حجّة وبرهان. ودليل لا يتفصّى منه صاحبه. ولذلك سمّى وحيه مرّات لا تحصى أنّه كتاب. في إشارة إلى أنّه لا ينسخ ولا يزيّف. وسمّى اللّوح الذي فيه كلّ شيء موثّق توثيقا لا يتبدّل أمّ الكتاب. وأوصى بكتابة حقوق النّاس كالدّين وغيره. كلّ ذلك معناه طمأنة الإنسان أنّ عمله كلّه موثّق صوتا وصورة وخلجة ضمير لا يمحى. وفي الآن نفسه تهديد للكافرين أنّ إعراضهم بغير حقّ موثّق عليهم لا مفرّ منه
فاعلون
قال سبحانه (وكنّا فاعلين). ورد إسمه المفرد بصيغة فعّال (فعّال لما يريد). ونسب إلى نفسه الفعل. ولم يسمّ نفسه أنّه فاعل (يفعل ما يريد). الفعل أدقّ من العمل. ولذلك قال سبحانه عن الزّكاة (والذين هم للزّكاة فاعلون). أي يقومون بتأديتها بكلّ رعاية ودقّة وعناية وإهتمام وحرص ومثابرة وحفظ ومواظبة. المقصود هنا هو أنّه سبحانه لا يعييه شيء. فهو فعّال لما يشاء. وعندما يوقن المرء بذلك فإنّه يكون له أخشى سبحانه وبه أوثق.
مبرمون
قال تعالى (أم أبرموا أمرا فإنّا مبرمون). ولم يرد هذا الإسم إلاّ بهذه الصّيغة وفي هذا الموضع. أبرم الأمر معناه رتّبه بقوّة وعزّة ومنعة و أحكمه فهو عليه قادر كلّ القدرة ولا يخشى منه عاقبة. تقول العرب: أبرم القائد صلحا. أصله الفعل المجرّد : برم يبرم برما. أي حوّل الشّيء. تقول العرب : برم فلان عائدا. أي يمّم موضع عوده. أبرمه : زاده تحويلا وإحكاما. والله سبحانه ينبّه هنا المشركين وغيرهم أنّ الأمر بيده هو وحده فهو يفعله ويحكمه ويبدّله كما يشاء ولا يخاف شيئا. أمّا النّاس فلا يبرمون شيئا ولا يديرون شيئا إلاّ بإذنه سبحانه
منذرون
قال سبحانه (إنّا كنّا منذرين). ولم يرد أنّه منذر بصيغة الإفراد. أصل هذا الإسم هو أنذر ينذر إنذارا ونذيرا. وخلع على نبيّه إسم المنذر في قوله سبحانه (إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد). الوحي كلّه نذير وإنذار للنّاس ألاّ تشغلهم الدنيا عن الآخرة أو الهوى عن الله سبحانه. ذلك أنّ أكثر النّاس ينصرفون إلى أهوائهم ومن ذا غلبت طبيعة الإنذار على التّبشير.كما نسب فعل الإنذار لنفسه سبحانه. ومنه النّذر الذي يكون في القابلات. النّذر إذن والنّذارة يشتركان في القابلات. أي فيما يستقبل المرء
المنزلون
قال سبحانه (أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون). لم يرد بصيغة الإفراد أنّه منزل سبحانه. ولكنّه أخبر بما لا يكاد يحصى أنّه أنزل شيئا أو نزّله. من مثل الوحي والماء وغير ذلك. كما ورد هذا الإسم مركّبا مضافا في قوله سبحانه (ربّ أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين) على لسان نوح عليه السّلام. وقال يوسف عليه السّلام عن نفسه لإخوته (وأنا خير المنزلين). أنزل ينزل إنزالا أي أحلّ وأجلس وأقام وأسكن. وذلك لا يفعله إلاّ قويّ متين قادر عزيز. كما قال وعيدا (إنّا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السّماء) على لسان الملائكة للوط عليه السّلام. وعادة ما يعني الإنزال أو التّنزيل في القرآن الكريم الإحسان والإغداق والإنعام والإعطاء والمنّ. ولكنّه يعني كذلك التّعذيب. حركة الإنزال تكون عادة من الأعلى إلى الأسفل. ومعنى ذلك أنّ من يملك العلوّ ـ فهو ينزل منه ما يشاء مرّة واحدة أو ينزّل منه ما يشاء بتتال وتتابع ـ هو القويّ العزيز المتين
المنشئون
قال تعالى «أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ»(الواقعة الآية 72). ولم يرد بصيغة الإفراد. كما نسب إليه فعل الإنشاء مرّات. أنشأ ينشئ إنشاء معناها خلق وجعل وفطر. ومنه الإنشاء الأخير. أي يوم القيامة. ومنه النّاشئة التي تخلق صغيرة ثمّ تكبر. ومجرّده نشأ ينشأ
الزّارعون
قال سبحانه «أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ»(الواقعة الآية 64). ولم يرد مفردا ولا جمعا في غير هذا الموضع مع ما سبقه (المنشئون). المقصود هو أن يردّ العبد الأمر كلّه لربّه الحقّ سبحانه. فلا تستبدّ به الأهواء جاحدا أنّ الله سبحانه هو من يسّر كلّ ما يحتاج إليه المرء ليزرع ويحصد. من مثل الهواء والماء والأرض وأودع كلّ ذلك ما به يثمر خيرا ينعم به الإنسان.