نفحات

بقلم
محمد عبد الشافي القُوصي
إنَّ «المُطبّعين» لفي ضلالٍ مُبين
 أمَّا قبل:
فإنَّ هذا العنوان ليس من عندي، ولا مِن اختراعي؛ إنّما جاء في آخِر مقالةٍ بصحيفة «الإندبندنت» للصّحفــي (روبـرت فيسـك Robert Fisk) حيثُ وَصَـفَ المُغفّلين مِن الأعـراب، أوْ المُطبّعين العــرب، قائلاً: (The Normalizes Had Been In Manifest Error ) أيْ: أنَّ المُطبّعين لفي ضلالٍ مبين! 
ونحن نُشاطره –رحمه اللّه- الرّأي، فالخزيُ والعارُ المشين سيُلاحقان هؤلاء «المُطبّعين» السفَلَة حتى بعد مماتهم، بلْ سيلاحقان نسلهم اللّعين إلى يوم الدّين!   
فقد أقاموا حفلات الرّقص و«التّطبيع» على جثث الشّهداء!
ولا زالت طلائع «التّطبيع» ترنو بأعيْنٍ خاشعةٍ نحو «تل أبيب»!
ولا زالت فلول المُرتدِّين تهفو إلى تقبيل «الهيْكل» والتمرُّغ تحت ترابه!
ولا زالت «أنظمةُ العار» تُقدِّم «القرابين» لمَن قصموا ظُهورهم في 5 حزيران!
ولا زالت «الأنظمةُ العميلة» تتسوّل الدّعم والحماية مِن «بني قُريظــة»!
  ولا زالت الأقلام والأبواق الرّخيصة؛ تُحِلُّ ما حرَّمَ اللّهُ ورسوله! 
أمَّا بعد: 
فلم يكن مفاجئاً للمهتمّين بالقضيّة الفلسطينيّة والصّراع العربي الصّهيوني؛ توقيع دولة الإمارات ومملكة البحرين (اتفاقيّة العار) ثلاثيّة مع العدو الصّهيوني، في البيت الأبيض بواشنطن، فالاتفاقيّة عبارة عن جائزة ومكافأة انتخابيّة للرّئيس الأميركي السّاقط (ترامب)، وكذلك جائزة من أجل إنقاذ الصّهيوني الفاسد (نتنياهو) المُهدَّد بالسّجن، وليس سِراً أنَّ صهْر الرّئيس ترامب -اليهودي الصّهيوني- جاريد كوشنير، هو الذي أعدَّ وصاغ الاتفاقيّة، ولعب الدّور الرّئيس في دفع «المغفّلين من الأعراب» للتّوقيع عليها.
ولم يكن مستغرباً أبداً جهل وزيريْ خارجيّة: الإمارات والبحرين بمضمون الاتفاقيّة التي سيوقّعان عليها، ممّا جعلهما يُلِّحان بالأسئلة على بعض موظّفي البيت الأبيض لمعرفة ما الذي سيوقِّعان عليه! وكم كان المشهدُ مُضحكاً مبكياً أمام وسائل الإعلام العالميّة، عندما تساءل الوزيران الأعرابيّان: أين سيوقِّعان؟ وكم كانت لغة جسديهما فاضحة لسفاهتهما وغبائهما! 
كان العنوان الرّئيس لاحتفاليّة العار والغدر والخيانة التي أقيمت في البيت الأبيض بواشنطن (إقامة السّلام والتّطبيع الكامل) بين دولة الإمارات ومملكة البحرين والعدو الصّهيوني برعاية الولايات المتحدة، والتي أطلقت عليها اسم (اتفاقية أبراهام)، وقد تمَّ تعريفها بأنَّها: (معاهدة سلام وعلاقات دبلوماسيّة وتطبيع كامل بين دولة الإمارات والبحرين ودولة إسرائيل).
    وقد نصَّت الاتفاقيتان على الكثير من البنود الخطيرة التي تنتهِك الحقوق العربيّة، وتُعتبر الاتفاقيّتان وملاحقهما العلنيّة والسّريّة تهديداً خطيراً للأمن القومي العربي والإسلامي.
ليس غريباً على دويلات الرّمال ومحميّات الخليج أن تقوم بهذا الدّور القذر في خيانة وغدر وطّعن الشّعب الفلسطيني المظلوم المرابط في ظهره، والمشاركة في مؤامرات تصفية قضيّته العادلة، ومحاصرة قيادته المدافعة عن الحقّ والثّوابت، فهذه المحميّات الخليجيّة بعيدة جداً عن التماس المباشر مع فلسطين المحتلة وقضيتها العادلة على المستوى الجيوـ سياسي والتّاريخي والواقعي، ولم يسبق لها خوض أيّ صراع أو معارك أو صدام بأيّ شكلٍ من الأشكال مع الكيان الصّهيوني، ومنذ الاستقلال الوهمي لتلك المحميّات والكيانات المصطنعة التي مازالت قيد التّشكًّل، انتقلت من كَنَف الحماية البريطانيّة لتصبح تحت الحماية الأميركيّة، وتأتمر بأمر إداراتها وتنفِّذ سياساتها ومخطّطاتها الشّيطانيّة التّخريبيّة والتّدميريّة في المنطقة والعالم، وخاصّة ما يتعلّق بقضيّة فلسطين والصّراع العربي الصّهيوني، بما يعزّز من بقاء وتفوُّق الكيان الصّهيوني، ولعبت دوراً قذراً في تمزيق وتدمير سوريا والعراق واليمن وغيرها من الدّول العربيّة، وشاركت بتعليمات الإدارة الأميركيّة في دعم وتمويل العصابات الإرهابيّة والتّكفيريّة في المنطقة.
* * *
منذ بضعة أيام؛ توجّهتُ إلى شيخيَ الأديب، فرأيته صامتاً حزيناً، فقلتُ له: «ماذا أصابك؟»، فتنفّسَ نفساً عميقاً، ثمَّ قال: «أشعر بأنّني لستُ على ما يُرام!»، ثمَّ سألني: «ما هو الجديد عندك؟»
فقلتُ: «ليس سِوى خبر مغادرة «الأمين العام للجامعة العربية» لمنصبه!»
فقهْقَهَ، وقال: «يااااااا لِخُسارة «إسرائيل»؛ فلن تجد أميناً عاماً أحرصَ عليها منه!»
فأضحكني كلامه، فجلستُ بجوارهِ مُتأمِّلاً في تلكَ الرّوابي والآكام المحيطة بخيمته، ثمَّ سألتُه عن «مسرحيّة التّطبيع»؟ فأصابته غاشيةٌ مِن القلَق، وقال: «المُطبِّعون الأعراب أشدّ كُفراً ونفاقاً، وأجدر ألاَّ يعلموا أنَّ (اتفاقيّة العار) إنّما هيَ انتزاع اعتراف عربيّ وإسلاميّ بيهوديّة الدّولة العبريّة، ومنع أيّة مطالب عربيّة لتحرير أرض فلسطين التّاريخيّة، وتمزيق الجبهة الدّاخليّة للشّعوب، وإثارة الفتن بين العرب وزجِّهم في حروب أهليّة. وأهمّ من ذلك كلّه، هو: الاختراق الصّهيوني الفكري والثّقافي والإعلامي لمجتمعاتنا، وإقامة قواعد صهيونيّة في الوطن العربي، مِمَّا سيتيح المجال للتّفوق الإستراتيجي الصّهيوني، وفرض المزيد من الهيمنة والتجسّس في المنطقة!»
ثمَّ اتّكأَ «الشيخُ» على الحائط بصعوبة، وأخرج مسبحته العتيقة من جيبه، وقال: «اتفاقيات (إبراهام) خطوة جديدة على طريق إقامة (دولة إسرائيل الكبرى)! فهذا الحلم وهذا المخطّط، هو الهدف الجوهري للحركة الصّهيونية العالميّة، بعدما نجحت في تمزيق العالم العربي والإسلامي، ثمَّ احتلال فلسطين، وتكريس الكيان الصّهيوني في قلب الأمّة العربيّة والإسلاميّة!»
قال «الشيخُ» هذا الكلام، وقد بدت على جبينهِ لواعج الحزن، فوضع يده على كتفي، وقال: «لا تَعجَب من هرولة هؤلاء «السّماسرة»، وعقد الصّفقات المُريبة مع الصّهاينة، ولا تَعجَب من تحالفهم الصّريح مع الصّهيونيّة العالميّة ضدّ القضايا العربيّة والإسلاميّة؛ فلمْ يكن ولاؤهم لأُمّتهم، ولا لشعوبها يوماً واحداً؛ إنّما ولاؤهم لأسيادهم المُستعمِرين؛ الذين نَصّبوهم على تلك العروش مقابل أداء تلك الأدوار الخبيثة. ولا أدلّ على ذلك مِن فزعِهم مِن موجة (الرّبيع العربي) الذي أربكَ حساباتهم، فبذلوا ما استطاعوا لإطفاء شعلتها!» 
بعد قليل؛ رفع «الشيخُ» قُبّعته، ورشَفَ من كوب الشّاي السّاخن بِضع رشفات، ثمَّ قال: «لا تحسبوا «التّطبيع» شراً لكم، بلْ هو خيرٌ لكم؛ فهذا السّباق المحموم نحو «الصّهاينة»؛ أكبر دليل على قُرب زوال القبائل والخيام المتهالكة التي زرعها «الاستعمار» في المنطقة العربية!»
لقد أدركَ حكّام تلكَ الخيام والمحميّات التي أنشأها الاستعمار في منطقة الخليج؛ أنَّ شمسهم دنتْ من الغروب، وأنّهم سيساقُونَ إلى مصيرٍ قاتم جرّاء بَذخهم وانحلالهم، وما اقترفوه في حقّ شعوبهم؛ فسارعوا نحو «أعداء الأُمة»؛ كيْ يحموهم مِن غضبة الشّعوب التي كشّرت عن أنيابها، وأقسمتْ على استعادة «ثورات الرّبيع» التي سرقها الأفّاقون الدجّالون الذين بصقوا في جُرح فلسطين، وباعوا القُدس بسوق النخّاسين!»
في تلكَ الأثناء؛ كان «الشّيخ» ينظر إليَّ نظرات ثاقبة، فرفع كفّه إلى جبينه، وقال بصوتٍ خفيض: «إنَّ مقاومة تلك الأنظمة الفاسدة واقتلاعها؛ فريضة إسلاميّة؛ لحماية دِين الأمّة وهُويتها من الذّوبان. فلابدَّ من إحياء معاني العزّة والانتماء للقدس في النّفوس، وتنشئة الأجيال على الحرّية والكرامة، ونبذ ثقافة الذلّ والخضوع والاستسلام التي زرعها المُطبّعون المنافقون، أمثال: تُركي الحمد، وعبد المنعم سعيد، وعبد الخالق عبد اللّه، وإخوانهم في «الرّضاعة»! 
ما أرخص الأدوار التي يقوم بها «المنافقون» عبر العصور!
ما أرخص الأدوار التي تلعبها صُحف وشاشات الأنظمة العميلة!
إنّها الماكياج السّياسي لتجميل صورة الأنظمة المستبدّة القبيحة!»
في ختام ذلك الحوار المغسول بالدّموع؛ ربَتَ «الشيخُ» على كتفي، وقال: «لا تنسَ أنَّ الطّريق إلى «القُــدس» يبدأ بتطهير البلاد مِن تلك الأورام الخبيثة! ثمَّ أوصاني قائلاً: علِّموا أولادكم الخــروج على الطّغاة والمُستبدّين، فإنّهم لا يَرحلونَ إلاَّ بالموت أوْ الثـّـورة!»