أسماء الله الحسنى

بقلم
الهادي بريك
الشّفيع ـ الواقي ـ الهادي ـ العاصم ـ النّصير
 الشّفيع
ورد إسم (الشّفيع) مرّات ثلاث فحسب. وورد جذرها 25 مرّة. كما ارتبط هذا الإسم كثيرا بإسم (الوليّ). وهو كالعادة على وزن فعيل. ليفيد إندياح شفاعة اللّه سبحانه بدون حدود. شفع، يشفع، شفعا، وشفاعة، معناه : جاء في إثره ليعزّره. ومن ثمّ سمّيت صلاة اللّيل من بعد صلاة العشاء شفعا وأشفاعا، بسبب أنّها تعقب العشاء. نجد في الفقه مبحث (الشّفعة)، وهي حقّ الجار أو الشّريك في إقتناء نصيب جاره أو شريكه، إذا عرض هذا نصيبه للبيع، إذ هو به أحقّ. وذلك بسبب أنّ الجار شفيع لجاره، أي هو إلى جانبه يعزّره وينصره، ومثله الشّريك. كما أنّ الشّفاعة تعني الزّوجيّة في مقابل الوتريّة والأحاديّة. فمن كان له شفيع فهو له زوج يحنو عليه مثل زوجه، وتعالى اللّه سبحانه عن الزّوجية والولد علوّا كبيرا. ذلك هو المعنى الأوّلي. ومن ذا انبجست معاني النّصرة والتّوسّط والتّوسّل، إذ قال سبحانه ناسبا فعل الشّفاعة حسنة وسيّئة للإنسان «مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً»(1). 
شفاعة اللّه سبحانه للعبد يوم القيامة تعني مغفرة ذنبه ورحمته والتّجاوز عنه، عفوا وصفحا ورأفة. ولكنّ ذلك مشروط بيقين لا جدال فيه بالإيمان، ومن ذا انقسم المسلمون منذ الغابر في مسألة الشّفاعة، فمن متوسّع فيها يخلعها على الملائكة والأنبياء والصّالحين وغيرهم إلى مقتصد فيها أو ناف. والحقّ أنّها ثابتة ومنفيّة في الكتاب العزيز في آن واحد. يثبت القرآن الكريم مبدأ الشّفاعة، ولكنّه يحصرها حصرا عجيبا ويقصرها قصرا على إذن اللّه سبحانه، حتى أنّه إختار لهذه القيمة أعظم آية في كتابه، إذ قال فيها مستنكرا «مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ»(2). وأثبت الشّفاعة لمن يريد هو سبحانه، ولكن بإذنه هو ولمن إرتضى. كائنا من كان الشّفيع. حتّى لو كان جبريلَ أو محمّدا عليهما السّلام. وظلّ ينفيها عمّن لا يأذن له اللّه سبحانه نفيا بالغا بليغا. وذلك بسبب أنّ المشركين ـ ومثلهم أهل الكتاب ـ يعتقدون أنّ الذين يعبدونهم من دون اللّه وحده سبحانه في الدّنيا يشفعون فيهم يوم القيامة. وعلى هذا تقوم الملّة النّصرانيّة كلّها بأسرها، وليست الوحيدة في ذلك. كما أثبتت السّنة أنّ العمل الصّالح (منه القرآن  والصّيام) يشفع لصاحبه يوم القيامة. وقال عليه السّلام حاثّا على الشّفاعة الحسنة وطرق أبواب الخير والعفو والصّفح بين النّاس «إشفعوا تؤجروا»(3). فلا تستوي عقيدة إذن حتّى يؤمن المؤمن بمبدإ الشّفاعة، وأنّها ملك للّه وحده سبحانه مطلقا وبالكليّة. وأنّه يأذن لمن يشاء فيمن يشاء، وأنّه لم يسمّ لنا واحدا بعينه ـ من الملك أو النّبيّ بله غيرهما ـ ممّن يشفع. ولكنّه أخبرنا أنّ ما قدّمه المرء لنفسه إمّا هو الشّفيع أو هو ملفّ الشّفاعة الذي يعتمده من يأذن له اللّه سبحانه بالشّفاعة. وذلك تخليصا للإعتقاد وتحريرا للإيمان من كلّ شائبة شرك، أو تعلّق بغير اللّه وحده سبحانه.
الواقي
ورد هذا الإسم ثلاث مرّات. هو من فعل وقى، يقي، وقيا ووقاية. أي حمى وحفظ وأعاذ. قال سبحانه «وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ»(4). كما أنّ الملائكة تدعو ربّها سبحانه أن يقي المؤمنين العذاب «وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ»(5). ونسب اللّه الفعل نفسه لنفسه «فَوقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ»(6). ونسب الفعل ذاته كذلك للإنسان «وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(7). وقال عليه السّلام «من يوق الشّرّ يوقه»(8). ولا يعني ذلك توقّي الإنسان ـ ولا حتّى وقايته ـ من الوقوع في العصيان مطلقا. ولكن يعني ذلك وقاية اللّه إيّاه غوايته، فيموت بدون توبة سيما من الكبائر، إذ الحياة معركة ضارية بين الحسنات والسّيّئات والعبرة بالخواتيم.
الهادي
ورد هذا الإسم مرّتين. قال سبحانه: «وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا»(9). وقال: «وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»(10). هدى، يهدي، هديا، وهداية، معناه دلّ على طريق ما. إذ الهداية تكون إلى الخير والشّرّ سواء بسواء. أي من باب المشاكلة اللّفظية «فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ»(11). ومن باب الهزء كذلك. كما ينسب في القرآن الكريم مرّات الذّوق إلى الكفّار في النّار، «ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ»(12). كما أنّ الهداية هدايتان : هداية فطريّة ينالها كلّ إنسان. وهي قوله سبحانه: «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ»(13). أي فطرناه وجبلناه على سلوك طريقي الخير والشرّ سواء بسواء، تفاعلا مع قوله سبحانه: «فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»(14). وهداية شرعيّة. يمنّ بها اللّه سبحانه على من إختار الخير. كما نسبت الهداية إليه عليه السّلام. إذ قال سبحانه: «وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(15). ولا ريب أنّ المؤمن يدعو ربّه صباح مساء وليل نهار أن يهدي النّاس أجمعين، إلى ذلك الصّراط المستقيم وذلك في صلاته،«اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»(16). ويظلّ اللّه سبحانه هو صاحب المشيئة العليا العظمى، فهو يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، ووصف كتابه أنّه هدى. ومن مظاهر هداية اللّه النّاس، إيهابهم عقولا بها يميّزون بين الحقّ والباطل، والخير والشّرّ، والفضيلة والرّذيلة. وأنزل إليهم رسلا وكتبا، وجعل لهم كتابا منظورا هاديا للنّاظرين، وهو الكون، ومثله التّاريخ.
العاصم
ورد هذا الإسم مرّتين. قال سبحانه «مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ»(17).عصم، يعصم، عصما، وعصمة، أي حفظ وأعاذ وحمى، ونبذ عنه السّوء والفحش، وجعله متأبّيا عن الوقوع في الخطإ أو في متناول الأذى. كما نسب الفعل ذاته إليه سبحانه في قوله وعدا لنبيّه عليه السّلام: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»(18) أي أن يقتلوك. كما دعا إلى الإعتصام بحبله إعتصاما، أي التشبّث به بقوّة تمنع الغواية والرّدّة عنه. وقالت إمرأة العزيز عن يوسف عليه السّلام «فاستعصم». ولمّا فرّ ولد نوح إلى الجبل خشية الغرق قال «يعصمني من الماء». وقال سبحانه ناهيا مواصلة إمساك الكافرات من بعد الهجرة زوجات: «وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ»(19). ومن ذا يقال للمرأة أنّها في عصمة زوجها، أي أنّه يقوم عليها قياما يعصمها به من الحاجة والفاقة والعدوان. ومعلوم أنّ النّبوّة معصومة بلاغا عن اللّه، إذ عصمة النّبوّة هنا شرط لصحّة الدّين. أمّا خلع العصمة عن أيّ كان من بعد النّبوّة، فهو خطل وأفن وأضغاث أمانيّ. اللّه هو من يعصم عبده من الكفر والرّدة. ولا يعني ذلك عصمته رغما عنه، أو عصمته ممّا هو دون ذلك. ومن ذا قام الإيمان على شدّة الإعتصام باللّه سبحانه وحده عاصما ومنجّيا وإليه وحده المفرّ.
النّصير
ورد هكذا مطلقا مرّات أربع فحسب. ولكن ورد مرّات أخرى مقرونا مع إسمه : الوليّ. قال تعالى كما مرّ بنا آنفا: «وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا»(20). وقال: «وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا»(21). وقال: «وَنِعْمَ النَّصِيرُ»(22). وقال مرّة أخرى: «وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ»(23). وكالعادة بصيغة المبالغة : فعيل. نصر، ينصر، نصرا، ونصرة، أي يسّر الغلبة. وأخبر مرّات كثيرات أنّ النّصر بيده هو وحده سبحانه أن يظنّ العبد أنّه ظفر بما ظفر بعقله وتدبيره فحسب. ومَنْ مِنَ النّاس لا يرجو النّصر على من يظنّ أنّه له عدوّ؟ ومن ذا كان التوكّل عليه وحده سبحانه مجلبة للنّصر. فمن يكون اللّه وليّه ينصره. وإشترط نصره سبحانه عبده بنصر عبده إيّاه، فهو نصر متبادل، مثله مثل الرّضى «رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» (24). وذلك في قوله: «إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ »(25). ونصر العبد ربّه يكون بنصر دينه ونبيّه وكتابه والقيم التي يحبّها سبحانه، وإلاّ فهو سبحانه ليس ضعيفا أو فقيرا حتى ينصر
أيّ حظّ  للإنسان من هذه الأسماء؟
يباح للإنسان أن يتسمّى بالشّفيع، بسبب أنّ القرآن الكريم نسب إليه صفة الشّفاعة. كما أنف ذكره. ومثل ذلك إسم الواقي والعاصم والنّصير. عدا أنّ بعض النّاس ـ من غير أولي العلم ـ يغمز من يسمّى : الهادي. فيتمحّل تمحّلات من مثل أنّه يدعوه : عبد الهادي، أو هادي بدون تعريف. أبلغ ردّ على هؤلاء هو أنّ الإمام عليّا عليه الرّضوان تسمّى في بيت النّبوّة نفسها قبل النّبوّة بعليّ. ولمّا جاء الوحي وظلّ هو للنّبيّ عليه السّلام صاحبا وصهرا، ومن أقرب المقرّبين، حتّى كان وليّه في بعض الأمور، فإنّه عليه السّلام لم يبادر إلى تغيير إسم قريبه وصهره بسبب أنّ اللّه سبحانه سمّى نفسه بالإسم ذاته أي عليّ «إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ»(26). مع أنّه غيّر ـ إستحبابا لا إيجابا ـ بعض الأسماء من مثل حرب ومرّة وصخر. ومثل ذلك يقاس على الهادي بالتّمام والكمال. لمن له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد. فإنّ تسمّى العبد بعبد الشّفيع أو عبد الواقي أو عبد العاصم أو عبد النّصير أو عبد الهادي فلا حرج، إذ أنّ الأسماء التي يختصّ بها هو وحده سبحانه لا تكاد تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة منها الرّحمان والمتكبّر.
الهوامش
(1) النساء - الآية 85
(2) البقرة - الآية 255
(3) رواه البخاري ومسلم
(4) الرعد - الآية 34
(5) غافر - الآية 9
(6) غافر - الآية 45
(7) الحشر - الآية 9
(8) رَوَاهُ الدَّارَقَطنيُّ وَحَسَنَّهُ الأَلبَانيُّ
(9) الفرقان - الآية 31
(10) الحج - الآية 54
(11) الصافات - الآية 23
(12) الدخان - الآية 49
(13) البلد - الآية 10
(14) الشمس - الآية 14
(15) الشورى - الآية 52
(16) الفاتحة - الآية 6
(17) يونس - الآية 27
(18) المائدة - الآية 67
(19) الممتحنة - الآية 10
(20) الفرقان - الآية 31
(21) النساء - الآية 45
(22) الأنفال - الآية 40
(23) آل عمران - الآية 150
(24) التوبة - الآية 100
(25) محمد - الآية 7
(26) الشورى - الآية 51