نفحات

بقلم
محمد المرنيسي‎
اقرأ كتابك!
 سألت صاحبي: «متى ستنتهي من تأليف كتابك يا أبا النّبهان؟»
فقال: «ذاك سرّ لا أبوح به، ولديّ مشاريع بحث أخرى ستعرف النّور والهواء قريبا في الأكشاك والمكتبات قبل المواقع».
قلت: «وهل تعتقد أنّك ستغطّي مصاريف الطّبع بهذه الوسيلة؟ أَوَ ليست الجرائد والمجلاّت والكتب المعروضة يقرأ النّاس صفحتها الأولى عن بعد، وضعاف البصر يرفعونها من أجل قراءة عناوينها فقط؟
فإذا استثنينا الكتب المدرسيّة والكتب المرجعيّة التي يفرضها بعض أساتذة الجامعة على الطّلبة فرضا لأغلقت المكتبات أبوابها، وغيّرت تجارتها من تغذية العقول إلى عرض شهوات البطن».
قال: «تلك مشكلة أخرى، ولكنّنا - معشر الكتّاب- لا نكتب لنعيش،وإنّما نكتب – كلّ حسب تخصّصه- لنبلغ رسالة نعتقد أنّها لبنة في بناء مجتمع – حداثي- متطوّر باستمرار».
قلت: «هدف نبيل وتضحية عالية،ولكنّ الواقع – كما يبدو- ليس كذلك،فحرب الأفكار أشدّ شراسة من الحرب في ميادين القتال،ألا ترى أنّ الجانب الإنساني في أيّ مجتمع يكاد يختفي بسبب التّصنيف الذي يعيشه النّاس اليوم في العرق والدّين والسّياسة والمواقف وغيرها».
قال: «تلك قضيّة أخرى، أنا مسؤول عمّا أكتب، هدفي واضح، وأفكاري تتّسم بالموضوعيّة والنّجاعة».
قلت: «تأكّد أنّ ما تكتبه هو جزء من حقيقتك، وشهادة منك لك أو عليك، أو ليست الكتابة تعبيرا عن مشاعر ذاتيّة، تغلف -عادة- بالموضوعيّة لتحقيق رغبات شتّى،منها المادّي،ومنها المعنوي،وإن اختلفت التّسميات والمصطلحات.
فأنتم معاشر الكتّاب تختمون في الغالب مقدّمة كتبكم بالتّضرّع إلى اللّه أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، واللّه يعلم وأنتم تعلمون أنّ هذا العمل يريد به صاحبه شهادة علميّة أو اكتساب شهرة أو منفعة مادّية لا غير، ولو اقتصر على طلب التّوفيق من اللّه عز وجل  لكان أصوب وأرشد».
قال صاحبي: «لا أفهم تلميحاتك ومراميك، ما يهمّني في هذه الحياة أنّي أكتب لأعبّر عن ذاتي،وأعرض أفكاري على النّاس بعد المراجعة والتّمحيص».
قلت: «يا أبا النّبهان، هل تعلم أنّك لم تكتب ولم تنشر - لحدّ الآن - إلاّ جزءا يسيرا من مؤلّفك الضّخم الذي تدوّن فيه جميع أقوالك وأفعالك،والكثير منها لم تعد تتذكّره، بل قد تنكره، فأحسن القصد فيما تقول وتفعل، وادع إلى الخير ما استطعت، واحذر الشّر في كلّ الأحوال، واعتبر بمن مضى وفات، واستعد لما هو آت؛ لتكون يا أبا النّبهان جديرا بالرّوح والرّيحان.
واعلم يا أبا النّبهان أنّك لا تدري متى ستنتهي من كتابة هذا المؤلّف الضّخم، فقد توفق لكتابة الخاتمة السّعيدة، وقد لا توفق. فاحرص على تشغيل شاهد يمينك، وأرح شاهد شمالك، وأعد للسّؤال جوابا، يوم يقال لك: اقرأ كتابك!»
قال صاحبي: «ذكّرتني ما غفلت عنه، ونبّهتني إلى خلل شائع بين كثير من الكتّاب، نسوا أنّهم مسؤولون عمّا يكتبون وينشرون يوم يقوم الناس لربّ العالمين،وبناء على هذا  فكلّ المكلّفين مؤلّفون، متعلّمون أو أمّيون، يكتبون قصّة حياتهم بأيديهم، وهم يصنعون لأنفسهم بطولات في الخير والشّر، والأخسرون منهم أولئك الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا.
فعلينا معاشر المؤلّفين مراجعة أعمالنا، وتصحيح أخطائنا، ومحاسبة أنفسنا قبل الحساب،فما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأيّ أرض تموت».
قلت: «وفقك اللّه يا أبا النّبهان، لقد أصبحت داعية، فسبحان مقلّب القلوب. اللّهم ثبت قلوبنا على دينك!».