شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
ماسيمو كامبانيني
 ضيف هذه الحلقة هو مؤرخٌ للفلسفة ومترجمٌ وأكاديميٌ إيطاليٌ مسلمٌ ، وأحد أكثر مؤرّخي الشّرق الأدنى العربي تقديراً ، فضلاً عن كونه باحثًا في الفلسفة الإسلاميّة، وهو أفضل من تحدّث عن الاسلام وتاريخه في الجامعات الايطاليّة علي الاطلاق، إنّه البروفيسور «ماسيمو كامبانيني» الذي غادرنا يوم 9 أكتوبر الفارط بعد أن كرّس حياته لتقريب الفكر الإسلامي من الإيطاليين، خاصّة في الأوساط الأكاديميّة مخلّفا العشرات من الكتب عن الفكر والتّاريخ الإسلامي وترجمة العديد من كتب الفلسفة الإسلامية إلى الإيطالية خاصّة كتب الإمام الغزالي وابن رشد والفرابي.
ولد «ماسيمو كامبانيني» بميلانو في الثالث من نوفمبر 1954، تحصّل على الدكتوراه في الفلسفة عام 1977 من جامعة ولاية ميلانو مع أطروحة عن «جيوردانو برونو» ثمّ على الدكتوراه في اللّغة العربيّة من ISMEO - قسم لومبارد - في عام 1984. 
درّس «مادة التاريخ المعاصر» في كلّية العلوم السّياسية بجامعة ميلانو، ثم درّس كأستاذ متعاقد في العلوم السّياسية بجامعة أوربينو تاريخ ومؤسّسات العالم الإسلامي من 1995 إلى 2000، وقام بتدريس الثّقافة العربية في كلية الآداب والفلسفة بجامعة ميلانو من 2001 إلى 2005، ثمّ تخصّص في تاريخ البلدان الإسلاميّة، وعمل أستاذًا بكلية الدّراسات العربيّة الإسلاميّة والمتوسطيّة بجامعة نابولي من 2006 إلى 2011. ثمّ اشتغل أستاذا للحضارة الإسلاميّة بجامعة «فيتا سالوت سان رافاييل» إلى عام 2013، فأستاذ مشارك في تاريخ الدّول الإسلاميّة بجامعة ترنتو بكندا إلى حدود عام 2016.
نشأ اهتمامه بالإسلام بعد رحلة إلى مصر في عام 1979، زار فيها لأوّل مرّة مساجد عديدة مثل الجامع الأزهر ومسجد ابن طولون في القاهرة، فأعجب بها، وعندما عاد إلى ميلانو، قرر تعميق معرفته بالحضارة والدّين الإسلاميين. قرّر «كامبانيني» أن يبدأ بالقرآن - وهو مصدر الإسلام كلّه - فاطّلع على نسخة من القرآن الكريم، بالترجمة الإيطالية، لكنّه سعى إلى قراءة القرآن مباشرة باللّغة التي نزل بها على الرّسول محمد، وكان آنذاك قد تحصّل على درجة الماجستير في الفلسفة (دراسة أواخر عصر النّهضة أرسطو، غاليليو وديكارت)، فجعل من أولويّاته دراسة اللغة العربية فحضر لمدة ثلاث سنوات (1981 - 1984) في مدرسة ثانويّة للغة العربيّة. وهكذا، أصبح قادرًا على البدء في دراسة أكثر شمولاً للقرآن ومباشرة باللّغة العربيّة. وهكذا اكتشف «كامبانيني»المعنى الحقيقي للتوحيد، بعد رفضه القاطع لمبدأ التثليث والتجسيد الذي ذهبت إليه المذاهب المسيحيّة ووجد في القرآن أجوبة شافية للمشاكل اللاّهوتية التي كانت تضايقه، حيث كان رافضا لها بشدّة. 
كان أول كتاب تمّ نشره لـ «كامبانيني» ترجمة (باللّغة الشّعرية الإيطاليّة) من سورة الكهف (1986). وقد استقطب اهتمامه في الوقت نفسه المواضيع اللاّهوتية والنّظرية، مثل مشاكل التّوحيد والمشكلات الكونيّة؛ لذلك، وإلى جانب القرآن، بدأ بدراسة فكر المعتزلة، وقراءة أطروحات الشهرستاني، والأشعري والبغدادي، وفي وقت لاحق، تعامل مع الفلاسفة بشكل صحيح، ونشر على مدى حوالي عشر سنوات (1994 - 2005) الترجمات الإيطاليّة من ابن رشد «فصل المقال» و«تهافت التهافت»، والفارابي «المدينة الفاضلة»، وعددًا من أعمال الغزالي من بينها جواهر القرآن. ومع ذلك، اضطرته مهنة الجامعة إلى تكريس جزء كبير من بحثه في التاريخ المعاصر للدّول العربيّة وإلى الفكر السّياسي الإسلامي المعاصر، مع اعتبار خاص للحركات الإسلامية الراديكالية والاشتراكية العربية الإسلامية، وتسليط الضوء على دور النّخب العسكرية في تشكيل دول الشّرق الأوسط ما بعد الاستعمار، ومشاكل العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، ونشر كتبًا عن الإسلام والسّياسة (ثلاث طبعات من 1999 إلى 2015) وعلى تاريخ الشّرق الأوسط المعاصر (خمس طبعات محدثة من 2005 إلى 2017). من بين مؤلفاته كتاب الإسلام وما وراء السياسة 2015، طبعة ثالثة؛ ومدخل إلى الفلسفة الإسلامية 2008؛ والفكر المعاصر 2009؛ القرآن: التفسيرات الإسلامية الحديثة 2016؛ إسلاميكا 2012؛ تاريخ الشرق الأوسط المعاصر 2014 طبعة رابعة. وفي السنوات الأخيرة ، كثّف دراساته القرآنية، محاولًا اقتراح مقاربة فلسفيّة للتّفسير القرآني في اتجاه «علم القرآن الفلسفي»، أي دراسة القرآن ليس فقط من خلال أدوات الفلسفة، ولكن ككتاب فلسفي (را. خاصة «مجلة الدراسات القرآنية» SOAS) في مجلد حديث (أيّام اللّه ، Mimesis 2019) وناقش النّماذج المستعرضة للسّفر والوقت إلى الغرب والإسلام ، والحاجة إلى أن تتجاوز التّوحيديّة الحدود الجامدة للإيديولوجيّة. 
يرى «كامبانيني» أنّ الإسلام «في القرون الوسطى»، كان نقطة تحوّل في الحضارة العالميّة وكان له تأثير على الثّقافة الغربية الأوروبية، من العلوم الطبيعيّة إلى الفلسفة. ويرى أنّ  تراث الإسلام - وخاصة التراث العقلاني - يمكن أن يلعب دورًا مهمًّا في الوقت الحاضر في إصلاح المجتمعات الإسلاميّة، ويعتقد أن فلسفة ابن خلدون وعلم الاجتماع في التاريخ لا تزال مفيدة في فهم ديناميات المجتمعات العربيّة، وأنّ منهجيّة ابن رشد لا تزال واقعية في استلهام نهج دقيق للمشاكل النّظرية.
وبالنسبة لـ«كامبانيني» فإنّ فلسفة الدّين تنطوي على التّفاعل (الحوار) بين المبادئ الإلهيّة للدّين والمبادئ الإنسانيّة العامّة للتفسير والعمل، من الناحية النظرية والتطبيق العملي.
يعد الدّين عند «كامبانيني» المكون الرّئيس للحضارة. فمنذ فجر التّاريخ، بحث البشر عن «اللّه»، وهذا هو المبدأ الأعلى لشرح التّعالي فى الكون، والقضايا الدينية ستظل دائما في صميم التنمية الحضارية. يعتقد «كامبانيني» أنّ اللّه هو العقل الأعلى الذي ينظّم الكون، بوصف أن الوجود هو الذى يظهر الوعي على سطح العقل البشري في مختلف العصور التّاريخية. لكن المشكلة الحقيقية، في رأي «كامبانيني»، هي المفهوم «الشّعبي» للّه، فقد كانت المقاربات «الشّعبيّة» للدّين متأثرة دائمًا بالتّحيزات والخرافات والجهل والمعتقدات المضلّلة، والخضوع السّياسي لنظم السّلطة الخارجيّة والمؤسّسات الدينيّة. ويمكن حسب «كامبانيني» سدّ هذه الفجوة بنشرالتعليم والثقافة.