أسماء الله الحسنى

بقلم
الهادي بريك
القريب ـ الرّقيب ـ المجيب الحسيب ـ المقيت
 القريب
ورد هذا الإسم مقرونا مع غيره في موضعين : «إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ»(1) على لسان النبيّ صالح عليه السّلام داعيا قومه إلى التّوبة. وكذلك في قوله سبحانه: «إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ»(2) .كما ورد مفردا غير مقرون وذلك في قوله سبحانه: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ»(3). ورد في تلك المواضع مقرونا ومفردا على الوزن الذي ترد عليه أكثر أسمائه سبحانه، أي وزن «فعيل». كما ورد على وزن «أفعل» وذلك في قوله سبحانه: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»(4)، أي أنّه سبحانه أقرب إلى الإنسان من نفسه. كما أخبرنا أنّ من أكثر سبل الإقتراب إليه سبحانه، هو السّجود لقوله :«وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب»(5). ومدح المقرّبين في موضع آخر. إذ قال سبحانه:«‏وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(6). وأخبرنا عن بعض من قرّبهم إليه سبحانه، فقال:«وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا»(7)،أي موسى عليه السّلام. وأنّ يوم القيامة قريب، إذ قال:«اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ»(8).قرب الله يعني أنّه يسمع الدّاعي فيجيبه وليس بينهما حائل. وأنّه أقدر على عبده من كلّ شيء، حتّى إنّه أقرب إليه من شرايينه وأوردته الدّقيقة وشعيراته التي تحمل الدمّ الذي به تقوم حياته. جاء هذا الإسم ليغرس في الإنسان عقيدته في ربّه الحقّ فيطمئنّ إليه وإليه يفرّ. وإيّاه وحده يعبد ويدعو ويجأر. ولا يقنط من رحمته ولا ييأس من فضله. إنّ شعور العبد بأنّ ربّه منه قريب ـ بل هو الأقرب ـ يجعل إيمانه راسخا لا يتزعزع.
الرّقيب
ورد هذا الإسم في قوله سبحانه:«فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عليهم»(9)، وذلك على لسان عيسى عليه السّلام في مشهد سؤاله يوم القيامة:«أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ؟»(10). كما ورد في قوله سبحانه «إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»(11). وكذلك في قوله: «وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا»(12). 
بداية لا بدّ من إعادة التّذكير بأنّ إشتراك إسمي «القريب والرّقيب» في جذر واحد يحتّم بالضّرورة إشتراكهما في المعنى جزئيا. علاقة الإشتراك هنا ومساحتها لا تخفى، ذلك أنّ القريب لا بدّ أن يكون رقيبا حتّى يتسنّى له العلم، والرّقيب نفسه لا بدّ أن يكون قريبا حتّى يمكنه ذلك. فلا رقابة إلاّ بقرب، ولا قرب إلاّ برقابة. ولم يندّ هذا الإسم عن غيره في تدثّره بصيغة المبالغة «فعيل». أصل الفعل هو : رقب يرقب رقبا. فهو راقب ورقيب. أصله من رقبة الشيءّ أي أصله، ومنها مبحث في الفقه إسمه : الرقبى أي تمليك شيء أحدا رقبته وهو نوع من المعاملات. قال تعالى على لسان هارون مخاطبا أخاه موسى عليهما السّلام: «إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي»(13) أي لم تحفظ قولي. الرّقب إذن والرّقابة هو الحفظ. ولا يحفظ الشّيء عدا من يكون قريبا منه. الرّقب هو العلم المطلق بالشّيء وحفظه والقدرة عليه والإحاطة به. اللّه سبحانه يرقب كلّ شيء من خالجة الصّدر الموغلة في التخفّي والإستتار حتّى الجهر بالقول سواء سرب المرء بالنّهار أو سار باللّيل.
المجيب
ورد هذا الإسم مرّة واحدة في قوله سبحانه: «إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ»(14) وقد مرّ بنا هذا آنفا. ورد مرّة واحدة مقرونا بإسمه «قريب» سبحانه. ليؤكّد أنّ القريب هو الذي يجيب سائله. وليس أقرب إلى المرء من ربّه الحقّ فهو مجيبه إذا دعاه. على وزن «فعيل» كالعادة دوما ليفيد المبالغة والإحاطة بفعل الإجابة. هو إسم فاعل من أجاب يجيب إجابة فهو مجيب. كما ورد الإسم ذاته بصيغة جمع المذكّر السّالم في قوله سبحانه:«وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ»(15). وبذلك يكون مجيبا سبحانه بكلّ صيغ الإجابة، إفرادا وجمعا، أي بنون العظمة. بل إنّه إستنكر أن يكون غيره أسبق إلى إجابة المضطرّ وذلك في قوله :«أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ »(16). كما أخبرنا أنّه إستجاب لكلّ نبيّ دعاه، بقوله: «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ»(17). وأرشدنا إلى أنّ طريق الإجابة هو الإستجابة له سبحانه. وأنّ سبيل الإستجابة له هو طريق السّمع. إذ قال:« إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ»(18). 
هي خارطة طريق واضحة المعالم : دعاء منه سبحانه إلى النّاس أن يعبدوه. طريق العبادة يمرّ عبر السّمع أي إنفاذ الحواسّ المادية والمعنوية لأجل النظر والتدبّر والتفكّر، عندها يستجيب اللّه لعبده في حالي الرّخاء والشدّة سواء بسواء، ويتكافل إسم «المجيب» مع إسم «القريب» لبثّ الطمأنينة في صدر الإنسان، فلا يأس ولا قنوط مهما بدر منه ما تاب قبل غرغرة الموت. هي أسماء ثلاثة متكافلة قربا من اللّه لعبده. ورقابة له ورقبا عن علم وسمع وبصر وإحاطة تامّة كاملة لا يعزب عنها شيء. وإجابة منه سبحانه. فسبحان القريب الرّقيب المجيب.
الحسيب
ورد هذا الإسم ـ كعادة أكثر الأسماء على وزن «فعيل» مبالغة ـ في قوله سبحانه:«إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا»(19). وفي قوله:«وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا»(20). كما أناطه بالنّفس يوم القيامة في قوله سبحانه:«اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا»(21). ومن ذا لا يؤنّث إسم الفاعل «حسيب». وورد بصيغة جمع المذكّر السّالم في قوله سبحانه:«وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ»(22). وفي قوله:«وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ»(23). وفي سور أخرى ورد قوله سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ »(24). ورد هذا الجذر، أي «ح س ب»، مرّات كثيرات في القرآن الكريم وهو يعني كفى، ولذلك قال سبحانه:«وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ»(25) أي : اللّه يكفيه ما يخاف ويخشى وما يحبّ ويرغب. وقال في موضع آخر:«فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ»(26) أي : اللّه يكفيك إذ قلاك النّاس. وجاء في الدّعاء «حسبنا الله ونعم الوكيل» أي : يكفينا بحوله وطوله وقوّته وإحاطته وعلمه وفضله ورحمته. وذلك لمن آمن به وعليه توكّل. من جعل الله حسبه وحسيبه إستغنى عمّا سواه سبحانه. 
ولذلك كذلك تكون النّفس يوم القيامة على صاحبها حسيبا. أي تكفيه. إذ يجد في كتابه المخطوط بين يديه كلّ شيء، فلا يحتاج لأن يسأل غيره عن شيء. إذ إعترفت له نفسه بكلّ شيء وأقرّت. اللّه حسيب : أي أنّه يكفي عبده سبحانه في الدّنيا، فما عليه سوى أن يعبده بإخلاص ويطيعه بإحسان. وهو كذلك يكفيه يوم القيامة ما يخاف ويخشى، إذ هو من يحسب عمله خيره وشره بميزان قسطاس، لا يدع صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، كما يفعل حسيب الشّركة اليوم لمن يكلّف بحساب أعمالهم وأرباحهم. وتعالى اللّه عن كلّ شيء علوّا كبيرا. 
أصل الفعل «حسب يحسب حسبا وحسابا وحسبانا» أي : ظنّ وإعتقد. ولذلك قال سبحانه مرّات كثيرة « أم حسبتم؟» أي هل ظننتم أو إعتقدتم؟ وأخبرنا أنّه جعل الشّمس والقمر حسبانا، وذلك بسبب أنّهما آيتان محكمتان تجريان بتقدير دقيق جدّا، فمن يضبط حياته وفق جريانهما وعبادته فقد إختار الحساب الصّحيح الدّقيق الذي لا يخطئ. أرأيت العلاقة بين حسبان تلك الآيات وبين إعتقاد النّاس وبين حساب اللّه للنّاس أعمالهم؟ كلّها معان تتقاطع إشتراكا وتميّزا، ولكنّها في مشكاة واحدة تعني الدّقة والإحاطة والعلم بتقدير لا يعرف الخطأ إليه سبيلا. يساق هذا الإسم لطمأنة الإنسان أنّ حسيبه ربّه الحقّ وحده سبحانه، فما عليه سوى إتباع منهجه. ولن يقدر أحد على تزوير ذلك الحساب لا زيادة ولا نقصانا. وأنّ التوكّل عليه طريق إلى ذلك الفوز وأنّ حسابه ذاك سريع، إذ يبدأ في الحقيقة منذ الموت وانفتاح مرحلة البرزخ المحيل إلى الآخرة. وإذا كان ذلك كذلك فما عليه سوى أن يجعل المرء له حسيبا يكفيه كلّ شيء رغبا ورهبا وهو اللّه سبحانه.
المقيت
ورد هذا الإسم مرّة واحدة في الكتاب العزيز «ولا يكون إلاّ بضمّ الميم». وذلك في قوله:«وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا »(27). وورد له جذر آخر في قوله سبحانه: «وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا»(28)، أي الأرض، جعل فيها تقديرا مضبوطا دقيقا لأقوات النّاس والأنعام وما تحمل الأرض من دابّة. كالعادة على وزن المبالغة «فعيل». المقيت من فعل : قات يقوت قوتا. ويكون كذلك : أقات يقوت قوتا، أي : وفّر القوت مؤنة وأمّنه وأخرجه. الموضع الوحيد الذي ورد فيه هذا الإسم هو قوله سبحانه: «مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا»(29). يوحي السّياق ـ الذي لا مناص من رعايته ـ أنّ القوت هنا هو قوت معنويّ. أي أنّه سبحانه يقوت «أي يؤمّن ويوفّر ويمدّ ويعطي» من شاء من عباده بقوت الشّفاعة الحسنة، أي الفعل الحسن الطّيب، فيلهمه إيّاه ويهديه إليه سيرا بين النّاس بالخير ودلالة إليه. وبمثل ذلك لمن شاء سبحانه بقوت سيّء، إذ يضّل ذلك العبد فيسير بين النّاس بشفاعة سيّئة وقول سيّء وإثارة الخصام والفتنة. وبذا تضمّن الكتاب العزيز القوت المادّي في قوله آنف الذّكر «وقدّر فيها أقواتها» أي جعل في الأرض ما به يقتات النّاس والأنعام وكلّ دابّة تعيش في الأرض أو تحتها أو في البحر. كما تضمّن القوت المعنويّ، أي الهداية لقول الخير وفعل الخير أو الإضلال لقول السّوء وفعل السوء. ويتعدّى المعنى الجامع العامّ لإسم «مقيت» ليكون هو الحافظ والربّ الذي يرعى ويخلق ويؤمّن الحاجات ويدفع المكروهات، إذ أنّ من يقوت كلّ شيء يحفظه ويرعاه ويملكه.
حظّ الإنسان من هذه الأسماء
حظّ الإعتقاد أنّها من أسمائه سبحانه لا ريب فيه. وهو حظّ الفهم والفقه. الحديث عن حظّه تسمّيا بها. لا نكير أن يتسمّى المرء بإسم القريب أو الرّقيب ولا حتّى الحسيب، ولكنّ التسمّي بالمجيب أو المقيت خلاف الأولى. إلاّ أن يكون عبد المجيب أو عبد المقيت، لإرتباط هذين الإسمين به سبحانه، فهو من يقوت قوتا وهو من يجيب.
الهوامش
(1) سورة هود - الآية 61
(2) سورة سبأ - الآية 50
(3) سورة البقرة - الآية 186
(4) سورة ق - الآية 16
(5) سورة العلق - الآية 19
(6) سورة الواقعة - الآية 10و11
(7) سورة مريم - الآية 52
(8) سورة الأنبياء - الآية 1
(9) سورة المائدة - الآية 117
(10) سورة المائدة - الآية 116
(11) سورة النساء - الآية 1
(12) سورة الأحزاب - الآية 52
(13) سورة طه - الآية 94
(14) سورة هود - الآية 61
(15) سورة الصافات - الآية 75
(16) سورة النمل - الآية 62
(17) سورة الأنبياء - الآية 88
(18) سورة الأنعام - الآية 36
(19) سورة النساء - الآية86 
(20) سورة الأحزاب - الآية 39
(21) سورة الإسراء - الآية 14
(22) سورة الأنبياء - الآية 47
(23) سورة الأنعام - الآية 62
(24) سورة إبراهيم - الآية 51
(25) سورة الطلاق - الآية 3
(26) سورة الأنفال - الآية 62
(27)  سورة النساء - الآية 85 (28) سورة فصلت - الآية 10
(29) سورة النساء - الآية 85