بهدوء

بقلم
موسى علاوة
حوار الحضارات: الأصول النظرية والامتدادات(2/2)
 ثالثا: الجذور الفكرية لحوار الحضارات.
تجسّد الأحداث الفكريّة والسّياسيّة التي تشهدها السّاحة العالميّة عدّة مظاهر للصّراع والعنف، ومن ثمّ أصبح الحوار مطلبا ملحّا لجميع الأطراف باعتباره السّبيل الوحيد لإخراج العالم من دوّامة الصّراع والعنف والتّطرف الذي أرهق جسد الإنسانيّة؛ ذلك أنّ الحوار يهدف أساسا إلى توحيد الرّؤى بين الحضارات، وتحقيق التّوازن بعيدا عن دوّامة الحروب، لهذا تبنّى العديد من المفكّرين المعاصرين - من المسلمين ومن غير المسلمين - هذه النّظريّة وأوْلوها أهمّية كبيرة، إيمانا منهم بأهمّية الحوار كسبيل للخروج من مأزق الحروب والصّراع؛ سنكتفي في هذا المقال بالتطرّق إلى نظرية «حوار الحضارات» من منظور مفكّرين إثنين لهما مكانتهما داخل السّاحة الفكريّة العالميّة، وهما الرّئيس الإيراني السّابق «محمد خاتمي»، الذي أطلق تسمية «سنة حوار الحضارات» على سنة 2001، والمفكّر الفرنسي «روجيه غارودي» صاحب الكتاب الشّهير «حوار الحضارات». يعتبر الحوار عند  هذين المفكرين أساس بناء علاقة حضاريّة كبرى. 
حوار الحضارات عند محمد خاتمي 
تعتبر رؤية «محمد خاتمي» ذات أهميّة كبرى ولها وقع خاصّ في السّاحة الفكريّة العالميّة، باعتبار مكانته الفكريّة والسّياسيّة، وباعتباره كان رئيسا لإيران،إحدى أكبر الدّول الإسلاميّة، التي تشكّل عقدة للغرب نظرا لأنشطتها النّووية.
كان حوار الحضارات عند «محمد خاتمي» عبارة عن طرح نقيض لصراع الحضارات لدى هيئة الأمم المتحدة سنة 2001، فقد أطلق هذا الأخير على هذه السّنة تسمية «سنة حوار الحضارات»، كمقترح بديل لصدام الحضارات بغية تحقيق السّلم والأمن العالمي بين الحضارة الإسلاميّة والحضارة الغربيّة، وتحقيق التّفاعل الحضاري الذي من شأنه أن يقود العالم إلى تحقيق المبادئ الإنسانيّة السّامية التي دعا إليها الإسلام منذ 14 قرنا مصداقا لقوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(1) .
يؤكّد خاتمي على «ضرورة الحوار، باعتباره أهم مكاسب القرن العشرين، ويدعو إلى الإقناع بضرورة الحوار دون اللّجوء إلى القوّة وتعزيز عمليّة التّنسيق والتّفاعل في المجالات الثّقافيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة إلى جانب تعزيز أسس الحرّية والعدل وحقوق الإنسان»(2). 
نال خاتمي مسعاه ومطمحه الذي سعى لتحقيقه،«فقد لقي مشروعه إقبالا منقطع النّظير لدى مختلف النّخب الفكريّة، والسياسيّة، والثقافيّة، وترحيبا واسعا في هيئة الأمم المتّحدة، فهو يعكس رغبة جامحة تنتاب العالم في مستهل القرن الواحد والعشرين، والتّخلي عن النّموذج الصّراعي وإعادة بناء الحياة في ظلّ نموذج آخر»(3).
من هنا تتّضح جوهريّة الحوار في العلاقة بين الحضارات «فهو مرجع للأساس التّقليدي الذي قامت عليه العلاقات بين الحضارات دوليّا خلال مستهلّ القرن الواحد والعشرين، وهو أساس القوّة والهيمنة، والحوار لا يعني دوما تغيير واستخدام نمط جديد للّغة الدّيبلوماسيّة بغية تحقيق مصالح تتعلّق بالجانب الاقتصادي أو السياسي وتحقيق التّفوق على الأعداء، ومواصلة حلقات مسلسل الصّراع والحرب، بل إنّ حوار الحضارات يتجلّى في السّعي إلى فهم الأخر»(4).
يتحدّث خاتمي عن شرط آخر يتجلّى في «أنّ حوار الحضارات يتأسّس على مفهوم لابدّ أن نعبّر عنه في واقع الأمر بالحديث والاستماع المتبادل حضاريّا وثقافيّا، ذلك المفهوم الذي لا يتباين بالضّرورة مع ما قدّم للحقيقة من تحديدات ومفاهيم في النّصوص الفلسفيّة التي تناولت الموضوع. يتطلب حوار الحضارات أن نستمع إلى مختلف الثّقافات والحضارات، وإذا لم يكن هذا الاستماع والإنصات للجميع أهمّ من ممارسة الحديث والكلام، فإنّه ليس أقلّ أهمّية منهما أبدا»(5) .من هنا تتبيّن ضرورة الاستماع إلى الآخر بغية الانفتاح عليه حضاريّا وثقافيّا، سيّما أنّ هذا الانفتاح هو من سيولّد الحوار البنّاء الذي من شأنه أن يرقى بتاريخ العلاقات بين الحضارات من تاريخ مليء بالحروب والنّزاعات إلى تاريخ يزخر بالاستقرار والثّبات وتحقّق مبادئ الانسانيّة الكبرى كالعدل والحرّية والمساواة والتّسامح.
يلح خاتمي على «أنّه يريد من الحوار والتّواصل ما هو أبعد من العلاقات الاقتصاديّة والتجارية التي تتكوّن نتيجة الحياة والاحتياجات المادّية. كما أنّ الحوار لا يمكن أن يقف عند حدود العلاقات العلميّة والثّقافيّة التي تظلّ محدودة بالرّغبة في معرفة الآخر، إذ أنّ نماذج العلاقة والتّواصل هذه متحقّقة اليوم، غير أنّها حين تتجرّد من الصّفاء ووحدة القلوب، فإنّها قد تفضي إلى نتائج وتبعات كالهيمنة والاستعمار، ويدلّل على ذلك تاريخ العلاقة بين الشّرق والغرب خلال القرون الأخيرة» (6) .
يُفهم من كلام خاتمي أن الحوار ليس لديه حدود تقف عند جانب معين، وفي حالة تغيب قيمة الحوار المنبثقة من حسن صفاء السّريرة، فإن الجميع سيسقط في غياهب الحروب والاستعمار والهيمنة، وهذا ما أصبح يعيشه العالم في الآونة الأخيرة.
ولخاتمي حسّ علمي كبير، يتجلّى في رصد أراء المفكّرين والشّعراء والمثقّفين في قضية الحوار، ومناقشتها نقاشا علميّا يظهر جليّا في كتابه حيث قال:«يعبّر الحوار هذا بين غوته وحافظ وإقبال عن نموذج مميّز واقعي لحوار الحضارات والثّقافات. ولا يستهدف خوض حوار كهذا مجرد إشباع فضول علمي نظري، بل يتوخّى اكتشاف الحقيقة وتحقيق الاستقامة والتّوصّل إلى لون من التّفاهم والتّعايش. يعتقد حافظ أنّ الحروب والصّرعات تنشأ عن الجهل بالحقيقة:«التمس العذر لاثنين وسبعين شعبا تخوض الحرب وتتقاتل، فحين غابت عنهم الحقيقة اتجهوا نحو الأساطير». كما يرى غوته عالمه الجديد بنحو عبّر عنه في النّص الشّعري التّالي: «حين يعي المرء نفسه والآخرين سيدرك هنا أيضا، أنّ الشّرق والغرب لا يمكن أن ينفصلا بعد الآن»(7).
وينتهي خاتمي في الأخير إلى القول «بأنّ حوار الحضارات يمثّل بداية لطريق يتّجه نحو حياة أفضل للإنسانيّة من خلال أخذ الدّرس والعبرة من الماضي، ويطمح حوار الحضارات إلى الإعلان عن نهاية تلك المرحلة التي زخرت بالتمييز والازدواجية والحروب والدمار، فيستأنف طريقا جديدا في حياة الإنسان من المفترض أن ينتهي بالسّلام والمصالحة، بفضل عزم وإرادة يتحلّى بهما الجيل الجديد، ونموذج الحياة الذي نطمح إليه يخلو من الكذب والزّيف والقوّة والتّمييز، وهذا ما تتطلّبه فطرة الإنسان، وهوما يعني أنّنا حقّقنا خطوة في طريق الإنسانيّة» (8).
حوار الحضارات عند روجيه غارودي 
تبنّى «روجيه غارودي» هذه الفكرة بوصفها الحلّ الوحيد لفضّ النّزاعات القائمة في العالم، فبمجرد إلقاء إطلالة بسيطة على كتابه «حوار الحضارات»، يظهر جليّا مدى أهمّية الحوار بين الحضارات عند غارودي، إذ يقول: «الحوار بين الحضارات وحده يمكن أن يولد مشروعا كونيّا يتّسع مع اختراع المستقبل، ذلك ابتغاء أن يخترع الجميع المستقبل للجميع»، ويقول أيضا « الحوار بين الحضارات هو الشّرط الرّئيسي للتّغيير الثّقافي ولسائر ألوان التّفسير الاقتصادي والسّياسي»(9)، كما أنّه يدعوا «إلى إعادة النّظر في الأنا وفي الأخر الحضاري من خارج المحيط الغربي والانفتاح عليه»، وأكثر من ذلك، يعتقد غارودي أن «من الواجب على الغرب أن يتعلّم من الحضارات الأخرى بصورة أساسيّة، وأنّ الحضارات التي لا تنتمي إلى الغرب تعلّمنا أنّ الفرد ليس مركز كلّ شيء وأنّ فضلها الأعظم يرجع إلى أنّها تعلّمنا كيف نكتشف الآخر من دون نيّة تضمر التّنافس والسّيطرة»(10).
في نفس توجه غارودي وخاتمي، يذهب المفكّر سيد محمد صادق حسيني إلى القول«بأهمية الحوار داخل الحياة الحضاريّة، ونحن ندخل سنة حوار الثّقافات والحضارات، سنة بداية الألفية الثّالثة للميلاد، حيث العالم كلّه يتّجه نحو التّكامل في كافة المجالات، وحيث بات من المستحيل لجماعة أو دولة بمفردها تحمل أعباء التّطورات العلميّة المذهلة وانفتاح الحدود في ظلّ ثورة الإعلام والاتصالات والمعلومات»(11). 
ويضيف:«نعم، فالاعتراف بالآخر والإقرار له بخصوصيّته لم يعد مبدئيّا شأنا دينيّا، أو عقديّا فحسب، ولا نظريّة منتزعة عن الحياة العلميّة للإنسان، بل حاجة ماسّة في ظلّ الحضور الكثيف والفاعل للرّأي والرّأي الآخر، وفي لحظة زمنيّة واحدة على مسرح الحياة اليوميّة في عالم باتت تحكمه نظريّة العولمة الشّهيرة. صحيح أنّ الدّوافع الأنانيّة للسّيطرة والهيمنة واستغلال ظاهرة العولمة من جانب أصحاب النّفوذ من القوى الكبرى تقضي باتجاه تسطيح وتنميط الفكر والرّأي وذبح خصوصيّات الهويّات الثّقافيّة والفكريّة وغيرها ، إلاّ أنّ الحاجة للتّكامل تجعل ظاهرة الحوار حاجة ضروريّة لا مناص منها حتّى لأرباب نظريّة القطب الواحد في الإدارة العالميّة للعالم»(12).
من خلال ما سبق ذكره، يتبيّن أنّ الحوار يشمل كلّ مجالات الحياة ولا يختص بمجال دون آخر، وقد دعت إليه الحاجة في ظلّ ما يتخبّط فيه العالم من أزمات وحروب فكريّة وثقافيّة وعسكريّة تشنّها جهة على أخرى.
ويرى الحسيني «أنّ شبح الحروب المتعدّدة والاقتتال الحربي والفكري والسّياسي الذي ألقى بظلاله على العالم، وبعد ما خلّف وراءه آلاما ومآسي إنسانيّة لا تحصى، حيث استغل فيه كلّ شيء حتّى الدين، وفي بعض الحالات، أسوأ استغلال، فإنّ الواجب يستدعي  الواحد منّا للقيام بمهمة الدّفاع عن فكرة الحوار ومقولة التّعايش مع الآخر بكلّ ما يملك من عقلانيّة وعاطفة معا، ليس فقط انطلاقا من الإيمان النّظري بمبدأ الحوار بوصفه سنّة كونيّة معترف بها، بل من أجل رفع الظّلم الواقع بحقّ المبادئ والقيم الإنسانيّة وفي مقدّمتها القيم الدّينيّة الرّفيعة والسّامية التي يتمّ تشويهها يوميّا، وعلى أكثر من يد، وفي أكثر من مكان، وعلى أكثر من منبر»(13).
فالحوار - بالنسبة للحسيني- مسؤوليّة ملقاة على عاتق الجميع نظرا لأهميته في خدمة القيم ومبادئ الإنسانيّة جمعاء، ولأنّه لا يمكن نجاح أي حوار اختياري أو إجباري من دون احترام الآخر والإقرار له بحقّ الدّفاع عن رأيه وفكره، والإتيان بالحجج والبراهين والأدلّة بكلّ حرية، فإنّ الاعتراف بالآخر لا يعتبر ترفا فكريّا وإنّما لازمة من لوازم التقدّم الإنساني.
كثيرا ما نسمع بأن الحوار والاعتراف بالآخر إنّما يحصل بين ضعيفين أو قويين متساويين في القوّة، نظرا لاستحالة إجهاز أحدهما على الآخر أو إلغائه أوإقصائه ودحض مقولاته. لكنّ القرآن الكريم يؤكّد على مبدأ الاعتراف بالآخر، وفسح المجال أمامه لإظهار قدراته، بل واستعراض عضلاته بمعزل عن قدرته، ضعيفا كان أو قويّا، ولنا في حوار الله القادر مع إبليس العاجز خير دليل.
فاللّه العزيز القادر، صاحب معادلة «كن فيكون»، يصبر على إبليس اللّعين، الذي أبى واستكبر ورفض السّجود لآدم، وقرّر التّمرّد على قدرة اللّه عزّ وجل المطلقة، بل ويفتح أمامه الباب واسعا ليأخذ نصيبه من كلّ إمكانيّات الدّنيا وجبروتها لتضليل من استطاع من العباد «وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ»، ويستجيب اللّه لطلبه أثناء الحوار بقبول التّحدي بالقول :« قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ»، فيقول له ربّ العزّة:«فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ» (14).
لقد كان بإمكان ربّ العباد أن لا يذكر القصّة بتاتا في القرآن الكريم، لكنّه أبى إلاّ أن تكون معلما من معالم الاعتراف بالآخر، وضرورة محاورته، وفتح باب السّجال معه، ومنحه الفرصة المتكافئة أيّا كانت مواقعه، حتّى يتبيّن أثناء الحوار الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وبالتربية العلمية الملموسة وليس من باب القطع النّظري المسبق، بصحّة هذا الموقف أو ذاك»(15).
إنّها قيمة التّعدديّة والتّنوع والانفتاح على الرّأي الآخر في ثقافة القرآن المفتوحة على احتمالات الخطأ والصّواب دون حساب، ومن قبل من؟ من جانب من يعلم الغيب ويعرف مصير وعاقبة كلّ دابة تمشي على الأرض، وليس بني البشر فقط.
من هنا تتبين الأهمية الكبرى لقيمة الحوار داخل العالم باعتباره مبدأ إنسانيّا ساميا سيقود الإنسانيّة إلى الاستقرار والثّبات المؤدّي إلى الفعل الحضاري المؤدّي إلى العمران والاستخلاف والبناء والتّوحيد. وإذا اعتبرنا صدام الحضارات بوصفها نظرية تفسيرية فحوار الحضارات ،على حدّ قول زكي ميلاد، نظرية نقدية علاجيّة.(16)  فقد سعى غارودي -مثلا - إلى جعل هذه النظريّة خطابا نقديا علاجيا لأزمة الغرب الحضاريّة ولأنماط علاقته بالعالم والحضارات غير الأوروبيّة، كما أراد بها أن تكون خطابا علاجيّا موجّها للغرب بالأساس (نظريّة غربيّة ) ينطلق من توجيه انتقادات للحضارة الغربيّة. أمّا زكي ميلاد، فقد ألبسها لباس الأخلاق باعتبارها نظريّة أخلاقيّة بامتياز، داخل ثقافتنا الإسلامية، بقوله: «مع ذلك يظلّ العالم يتطلّع إلى حوار الحضارات كدعوة أخلاقيّة وإنسانيّة نبيلة».(17)
لكن هذا الحوار لن ينجح ما دامت هناك عدّة عراقيل تقف حجر عثرة أمام تحقّقه وتجسيده على أرض الواقع، من بينها «تناقض المصالح» الذي يقف سدّا منيعا أمام تحقّق الحوار، فكلّ طرف له مصالح ذاتيّة يريد تحقيقها، وعادة ما تكون هذه المصالح على حساب الطّرف الأخر، وهذه القضية ليست وليدة السّاعة بل لها جذور في الأمم السّابقة، والحلّ حسب «عبد الله عليان» يتمثّل في «تحقيق التّوازن بين الطّرفين عند الحوار وهذا التّوازن يكون عن طريق التّنازل المتبادل بين الطّرفين»(18).
من العوائق الهامّة في طريق حوار الحضارات، التي يصعب تجاوزها، الاختلاف الدّيني، ذلك أنّ الاختلاف في فهم العقائد وتأويلها يجعل من الآخر قريبا إلى العداء، بعيدا عن التّحاور، ولهذا فإنّ هناك مخاوف جدّية من «أن تُلقي الاختلافات القائمة بين الإسلام والمسيحيّة بضلالها على مسألة الحوار الحضاري» (19) .
إضافة إلى الاختلاف والتّناقض الدّيني، يبرز عائق التّاريخ المليئ بالصّراعات، ممّا يجعل عمليّة الحوار تصعب وتعسر، ولعلّ الحروب الصليبيّة وما رافقها من عدم ثقة بين المسلمين والغرب أكبر دليل، وفي هذا يقول محمد خاتمي: «بيننا وبين العالم المسيحي ذهنيّة تاريخيّة مروّعة، لاسيّما أعقاب الحروب الصّليبيّة، وقد شكّلت حالة من عدم الثّقة والتّشكيك بين المسيحيّين  والمسلمين تحوّلت مع مرور الزّمن إلى مجموعة ترسّبات الأذهان في العالمين»(20).
الخاتمة
من خلال ما سبق يتبيّن أنّ الحوار الحضاري هو أحد أبرز ما نادت به المنظومة الأخلاقيّة القرآنيّة باعتباره السّبيل الوحيد للقطع مع واقع الحروب والنزاعات، وهو السّبيل إلى تحقيق الفعل الحضاري، وتلبية الدّعوة الإلهيّة إلى تحقيق الإستخلاف والعمارة، ممّا يضمن صلاح الإنسان في الحال والمآل، وبالتالي فإن الواجب يحتم على الجميع التخلّص أوّلا من كلّ الرؤى والتصوّرات الدّاعية إلى العنف والتّطرف، والتّخلص ثانيا من شبح ماضي العلاقة مع الآخر المصبوغة بالحرب والصّراع وليس بالسلّم والمحبّة والإخاء ، وبدون ذلك لا يمكن الحديث عن إنشاء صفحة جديدة في مجال العلاقات بين الحضارات، ينعكس تأثيرها إيجابيّا على مختلف المجالات والميادين، ويحقّق شخصيّة الإنسان المستخلف والمستأمن. 
الهوامش
(1)  سورة الحجرات، الآية 13.
(2)  محمد خاتمي، كتاب حوار الحضارات ،ترجمة سرمد الطائي، دار الفكر ، دمشق ، ط1، 2002،ص 28.
(3)  نفس المرجع السابق ص18 بتصرف.
(4)  نفس المرجع السابق ص 12-50 بتصرف.
(5)  خاتمي محاضرة في جامعة فلورنسا، إيطاليا .نوفمبر 1999 نقلا عن المصدر السّابق ص 52و 53.
(6)  محمد خاتمي: نفس المصدر السابق ص66.
(7)  محمد خاتمي:نفس المصدر السابق ص 66.
(8) محمد خاتمي:نفس المصدر السابق ص 148.
(9)  روجيه غرودي :حوار الحضارات ، تعريب عادل عوا ، منشورات عويدات ، بيروت لبنان ، ط1،1999،ص10.
(10) روجيه غرودي :نفس المصدر السابق ص 162.
(11)  نحن و الاخر: سيد محمد صادق الحسيني ، دار الفكر المعاصر ،بيروت ، لبنان ، ط1،99.
(12)  نفس المرجع السابق، ص 99-100.
(13)  نفس المرجع السابق، ص100.
(14)  سورة الحجر - الآية 39.
(15)  محمد صادق حسيني، نحن والآخر، بتصرف.
(16) زكي ميلاد: بحث تعارف الحضارات... فكرة و تطورا ومصيرا زكي ميلاد و أخرون : تعارف الحضارات دار الفكر دمشق ، سوريا ط1 2006 ، ص 30.
(17) زكي ميلاد : تعارف الحضارت من حوار الحضارات إلى تعارف الحضارات، ندوة الإسلام وحوار الحضارات ، مكتبة الملك عبد العزيز العامة، المجلد 3 عام 2003، ص57.
(18)  عبد الله عليان : حوار الحضارات في القرن الواحد والعشرين رؤية إسلامية للحوار ، المؤسسة العربية للدارسات و النشر ، ط1، 2004 ، ص 115، بتصرف.
(19)  نفس المرجع السابق ، ص109.
(20)  محمد خاتمي : كتاب الإسلام و العالم ، مكتبة الشروق، القاهرة ، 2002 ، ط2، ص124.