شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
مراد هوفمان
 هو محامي ودبلوماسي وكاتب ألماني مسلم، ظلّت حياته وأفكاره مثار جدل وتساؤلات للكثيرين. أثار إسلامه في خريف العام 1980م عاصفة من الجدل بسبب مكانته الدبلوماسيّة الرّفيعة وتعجّب الكثيرون من إعلانه إعتناق الإسلام وإقباله على تبنّي مقولاته وفلسفته في ظلّ تصاعد الحركات الإسلاميّة المتشدّدة، وهو الذي نشأ في عائلة كاثوليكيّة ملتزمة، في حين يرى البعض الآخر أنّ «هوفمان» هو نوع جديد من المستشرقين الذين  لامسوا  الحياة والفكر الإسلاميين من بعيد دون أن ينغمسوا في إشكالياتهما التي لم تجد حلولاً بعد بين المسلمين أنفسهم.
في السادس من شهر جويلية-يوليو 1931م، ولد «مراد ويلفريد هوفمان»  في أشافنبورغ، وهي بلدة كبيرة في شمال غرب «بافاريا». تربطه صلة قرابة بهوغو بال، أحد مؤسّسي الحركة الدّادائيّة. بعد أن نال الشّهادة الثّانوية من مدرسة أشافنبورغ وكان الأول على صفّه بدأ دراسته في عام 1950 في كلية الاتحاد بمدينة سكنيكتادي (ولاية نيويورك الأمريكية) مع التركيز على علم الاجتماع وقانون العمل والأدب الأنجلو أمريكي. ثمّ درس القانون في جامعة ميونخ لينال شهادة الدكتوراه سنة 1957م. 
درّس القانون الأمريكي في كليّة الحقوق بجامعة هارفارد في كامبريدج(1960 - 1966)، وفي عام 1961 التحق بوزارة الخارجيّة وعمل في السّلك الدّبلوماسي في القنصلية الألمانية العامّة في الجزائر العاصمة، حيث عاصر الحرب الجزائريّة بشكل مباشر، وكانت أهمّ محطّاته الدبلوماسيّة تولّيه سفارة بلده في الجزائر من عام 1987 إلى عام 1990 وفي المغرب حتّى عام 1994.
نتيجة لما شاهده في حرب الاستقلال الجزائريّة وإعجابه بصبر الجزائريين واستيعابهم لما جرى، ولولعه كذلك بالفن الإسلامي، ولما اعتبره تناقضات في العقيدة المسيحية التي كان يعتنقها؛ قرّر قراءة القرآن بنفسه، وبعد ذلك قال عنه: «كلّ شيء في مكانه، منطقي تماما».
بعد إسلامه، ابتدأ «هوفمان» مسيرة التأليف ومن مؤلّفاته، كتاب «يوميات مسلم ألماني» ، و«الإسلام عام ألفين» و«الطريق إلى مكّة» وكتاب «الإسلام كبديل» الذي أحدث ضجّة كبيرة وشكّل نوعاً من الصّدمة لدى الألمان، فهوفمان يؤكّد في مقدمته التي وقّعها في مدينة الرّباط بالمغرب، أنّ العالم نظر إلى الإسلام كطريق ثالثة بين الرّأسماليّة والشّيوعيّة أيّام الحرب الباردة، لكنّه اليوم البديل للنّظام الغربي برمّته. وهو ليس واحداً من البدائل للعصر ما بعد الصّناعي الغربي، بل هو البديل الأوحد.
يتحدّث «هوفمان» عن التّوازن الكامل والدّقيق في الإسلام بين المادّة والرّوح فيقول:«ما الآخرة إلا جزاء العمل في الدّنيا ، ومن هنا جاء الاهتمام بالدّنيا ، فالقرآن يلهم المسلم الدّعاء للدّنيا ، وليس الآخرة فقط (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً) وحتّى آداب الطّعام والزّيارة تجد لها نصيباً في الشّرع الإسلامي»(«الإسلام كبديل» ص 55-115). ويعلّل ظاهرة سرعة انتشار الإسلام في العالم، رغم ضعف الجهود المبذولة في الدّعوة إليه بقوله:«إنّ الانتشار العفوي للإسلام هو سمة من سماته على مرّ التّاريخ، وذلك لأنّه دين الفطرة المنزّل على قلب المصطفى»(يوميات مسلم ألماني).فهو: «دين شامل وقادر على المواجهة، وله تميّزه في جعل التّعليم فريضة، والعلم عبادة … وإنّ صمود الإسلام ورفضه الانسحاب من مسرح الأحداث، عُدَّ في جانب كثير من الغربيين خروجاً عن سياق الزّمن والتّاريخ ، بل عدّوه إهانة بالغة للغرب !!»(الطريق إلى مكة ص 148).
ثلاثة أسباب جوهرية، تفسّر حسب«هوفمان»، الأوضاع الحالية للإسلام، أوّلها الضّربتان اللّتان تلقّاهما في الأندلس على يد الأوروبيين وفي بغداد على يد المغول، وثانيها ما طرأ على الفقه الإسلامي في القرن الرّابع عشر، حين تمّ إغلاق باب الاجتهاد فيه، فساد الجمود الفكري بين المسلمين. أمّا السّبب الثّالث فهو الطّفرة العلميّة التي شهدها العالم الغربي، والتي كان لا بدّ لها كي تنجح من أن تقلّص من الإيمان المسيحي ذاته ولم يكن الأمر موجهاً ضدّ دين معين.
وينتقد «هوفمان» المسلمين «المهزومين نفسيّا» معتبرا أنّ الإسلام بديل صالح لحلّ مشكلات العالم الكبرى في عصر ما بعد الحداثة والألفية الثّالثة، ويزجي نصيحة للمسلمين ليعاودوا الإمساك بمقود الحضارة بثقة واعتزاز بهذا الدّين، فيقول :«إذا ما أراد المسلمون حواراً حقيقياً مع الغرب ، عليهم أن يثبتوا وجودهم وتأثيرهم، وأن يُحيوا فريضة الاجتهاد، وأن يكفّوا عن الأسلوب الاعتذاري والتّبريري عند مخاطبة الغرب، فالإسلام هو الحلّ الوحيد للخروج من الهاوية التي تردّى الغرب فيها، وهو الخيار الوحيد للمجتمعات الغربيّة في القرن الحادي والعشرين»(مجلة «الكويت» العدد 174).
 وفي تناوله لموضوع «صحيفة المدينة» في يومياته التي صدرت ترجمتها العربية الأولى عن مركز الأهرام للترجمة والنّشر عام 1985، يبدي «هوفمان» استغرابه من عدم تمكّن الدّبلوماسيين الغربيّين والمسلمين على حدّ سواء من إيجاد أرضيّة مشتركة فيما بينهم على خلفيّة قانونيّة عادلة. 
وعن «سؤال الدّولة»، يؤكّد هوفمان أنّ الإسلام لم يدع إلى إقامة دولة كهنوتيّة مثل تلك التي نشأت في أوروبا في القرون الوسطى، بحيث يقبض رجال الدين على عالم السّياسة، ويقول:«أما إذا نسي المسلمون أنّ عالم السّياسة هو مجال النّشاط البشري الفاني وغير المعصوم، وأنّ اللّه يغفر للحكومات ولا يقيمها، وأنّه ليس في الإسلام بناء هرمي للعبادة مثل ذاك الذي في المسيحيّة، إذا نسي المسلمون ذلك كلّه فقد تكون النّتيجة نظاماً أحاديّا استبداديّاً شموليّاً ، تتربّع على قمته سلطة دينيّة جاهلة، فالدّولة الدّينية بمعناها الضّيق المتعارف عليه، دولة غير إسلامية». 
رؤية «هوفمان» للإسلام، هي أقرب إلى رؤية الشّاعر والفيلسوف الباكستاني محمد إقبال، من حيث كونها دعوة لتجديد فهم الإسلام وأفكاره، بعيداً عن التّشدد الذي حاربه. 
توفي مراد ويلفريد هوفمان في يناير عام 2020 عن عمر يناهز 88 عامًا في بون، بعد صراع طويل مع المرض، وترك وراءه حياة حافلة بالعمل الفكري والتّأليف لكتب مهمّة في الفكر الإسلامي الحديث.