في التنمية

بقلم
محمد صالح بنحامد
ماذا تعرف عن المحميّة الطبيعيّة بعين دكوك ؟
 من لا يعرف أنّ الجنوب التّونسي هو من أغنى المناطق بمخزونه الثّقافي والتّراثي والحضاري، عليه أن يقوم بجولة استكشافيّة وزيارة ميدانيّة لهذه المواقع السّاحرة للاستمتاع والاكتشاف.
تزخر مناطق الجنوب التّونسي منذ العصور الأولى بثروات طبيعيّة وبيئيّة ومواد إنشائيّة ومدنيّة إضافة إلى مواقع طبيعيّة وجيو سياحيّة عديدة. وفي هذا الإطار يندرج مشروع المحميّة الطّبيعيّة والمنتزه السّياحي بمنطقة «عين دكوك» ضمن مشروع الجيو-بارك بتطاوين.
ويعتبر هذا المشروع من أضخم المشاريع وأكثرها أهمّية وحيويّة في مجال العناية بالبيئة والطّبيعة والمحيط منذ أكثر من عشرين سنة في منطقة الجنوب الشّرقي؛ هذا المشروع العملاق -الذي انطلقت أشغاله منذ سنة 1995 ولم تنته إلى حدّ الآن- سيبقى حلما جميلا لجميع أبناء الجهة من ناحية، ولغزا محيّرا في أذهانهم من ناحية ثانية، يبحثون له عن حلول لم يجدوها منذ عقدين .. فهل سيتحوّل هذا الحلم الجميل إلى واقع ملموس في قادم الأيام ضمن مكونات وعناصر المنتزه الجيو سياحي بتطاوين ؟
يقع مشروع عين دكوك على الطّريق الرئيسيّة رقم 19 الرّابطة بين تطاوين ورمادة على مستوى النّقطة الكيلومترية 40، ولهذا الموقع عدّة خصائص مميّزة لعلّ أهمها وجوده على الطّريق المؤدّية إلى أعماق الصّحراء التّونسيّة، حيث حقول إنتاج النّفط بالبرمة والمخروقة والعريش، ومحطّات ضخّ البترول والغاز التّونسي الجزائري بتيارت والكامور.
تبلغ المساحة الجملية للأراضي المخصّصة للمشروع ستة آلاف وتسع مائة وأربعون هكتارا، وهي في أغلبها أراضي منبسطة بها بعض الجبال، تغطيها بعض النّباتات الصّحراويّة والشّجيرات العلفيّة و لا سيّما على ضفاف الوادي المعروف بوادي دكوك الذي يسبق المحميّة على مسافة تقارب السّبع كيلومترات.
ويعرف المناخ شبه الصّحراوي السّائد بهذه المنطقة بالقاحل السّفلي، معتدل في الشّتاء ونسبيّ الجفاف، حيث يتراوح معدّل نزول الأمطار بين 75 و 125 مليمترا في السّنة.
 I ـ مكونات المشروع:
 1 ـ المنتزه السياحي الترفيهي :
تبلغ المساحة المخصّصة للمنتزه السّياحي التّرفيهي ضمن مشروع عين دكوك، 310 هكتارا وهي الأراضي الممتدّة على طول 1625 مترا تقريبا غرب الطّريق الرّئيسيّة رقم19 الرّابطة بين تطاوين ورمادة، ويحتوي هذا المنتزه على العديد من عناصر البنية الأساسيّة كالمسالك، والمساحات الخضراء، والفضاءات الثّقافيّة، والتّنشيطيّة والرّياضيّة، بالإضافة إلى بعض الوحدات الخاصّة بالخدمات السّياحيّة، ممّا سيقدّم إضافة نوعيّة في المنتوج السّياحي سواءً من حيث موقعها في منطقة صحراويّة جبليّة أو من حيث ما ستقدّمه من متعة، لتصبح محطّة سياحيّة مركزيّة تنطلق منها العديد من المسالك السّياحيّة في اتجاه الجنوب الغربي وفي أعماق الصّحراء والجنوب الشّرقي.
2 ـ المحمية الطبيعية :
يندرج هذا المشروع ضمن الإستراتيجيّة الوطنيّة للغابات وحماية الوسط الطّبيعي، وتقع قطعة الأرض المخصّصة للمحميّة الطّبيعيّة بعين دكوك شرق الطّريق الرّئيسيّة رقم 19 وتمسح حوالي 5740 هكتار على الجزء الفاصل بين منطقتي الظاّهر والواعرة، وسيسمح هذا الفضاء بتعايش العديد من الحيوانات الصّحراوية والبرية المهددة بالانقراض، كما سيساعد على تكاثر النّباتات والشّجيرات التي تتلاءم مع المناخ القاحل، ممّا سيمكّن من الحدّ من ظاهرة التّصحّر، والانجراف، وتحقيق التوازن البيئي بالجهة.
 II ـ أهداف المشروع:
يهدف مشروع عين دكوك إلى :
* المحافظة على الوسط البيئي وتهيئته؛
* خلق فضاء ملائم للبحث العلمي وخصوصا فيما يتعلّق بالمناطق القاحلة؛
* تهيئة فضاء ملائم للمحافظة على التّوازن البيئي؛
* توفير الحماية اللاّزمة للحيوانات المهدّدة بالانقراض؛
* توفير الحماية اللاّزمة للنّباتات النّادرة التي بدأت في الانقراض بمفعول الرّعي الجائر والاستغلال
المفرط للمحيط؛
* خلق فضاءات ترفيهيّة وتثقيفيّة؛
* خلق قطب لجلب وتدعيم السّياحة الصّحراويّة على المستويين الوطني والعالمي، في إطار سياحة صحراويّة شاملة، تأخذ بعين الاعتبار تواجد معالم أثريّة مميّزة بالمنطقة.
III ـ التأثيرات الاقتصادية والبيئية:
- بالنسبة للمنتزه السياحي الترفيهي
سيسمح مشروع المنتزه السّياحي بعين دكوك بتحقيق إستراتيجيّة تنمويّة طموحة، حيث سيوفّر كلّ الظّروف الملائمة للتّنمية المستديمة، وباحتوائه العديد من مجالات التّرفيه والتّنشيط إلى جانب الخدمات الضّرورية للزّائر، سيكون حتما أحد الرّوافد الهامّة لتنشيط قطاع السّياحة الصّحراويّة الجبليّة بالجهة، وجلب العديد من الوفود السّياحيّة والشّبابيّة على امتداد الّسنة، ومن شأنه أيضا أن يفتح أفاقا واعدة وطاقات اقتصاديّة أخرى كالصّناعات التّقليديّة والفلاحة، فضلا عن إمكانيّات التّشغيل التي سيوفّرها لا سيّما في مجال الخدمات .
- بالنسبة للمحمية الطبيعية:
أمّا مشروع المحميّة الطّبيعية، فستكون تأثيراته البيئيّة بالغة الأهمّية على المدى البعيد، على الجهة خاصّة وعلى البلاد عموما، نظرا لكون منطقة عين دكوك هي بوّابة الصّحراء تمثّل الحدّ الفاصل بين منطقة الظّاهر وجفارة التي تضمّ أغلب سكّان الولاية؛ كما يمكن أن تمثّل هذه المنطقة في المستقبل القريب حزاما أخضرا يساهم في الحدّ من زحف الرّمال المتحرّكة، لكونها تحتوي على وادي يمتدّ على مسافة سبع كيلومترات، وهي غنيّة أيضا بالموارد المائيّة خاصّة الباطنيّة منها.
وستكون المحميّة -حسب ما يُعرف عن طبيعة هذه المنطقة- ملاذاً للعديد من الحيوانات الصّحراوية كالغزال، والطيور، وموردَ عيش لقطعان الإبل التي تجوب الصّحراء صيفا وشتاءً، وموقعا متميّزا للنّباتات الصّحراويّة التي يمكن أن تمثّل متحفا حيًّا ومجالا علميّا يساعد على تشجيع البحوث البيولوجيّة والإيكولوجيّة.
 IV ـ مراحل الانجاز:
 1 ـ المحمية الطبيعية :
تندرج مراحل إنجاز مشروع المحميّة الطّبيعيّة بعين دكوك ضمن الاستراتيجيّة الوطنيّة للغابات، وحدّدت مراحل الإنجاز على النّحو التالي:
*المرحلة الأولى: امتدّت على أربع سنوات من سنة 1995 إلى سنة 1998، وشملت عنصري البنية الأساسيّة والتّجهيزات والمعدّات.
*المرحلة الثّانية : بناء مركز إعلامي، واستصلاح روافد الأودية، وبناء مركز تجارب، وإتمام البنية الأساسية.
تضمّنت عناصر مشروع المحميّة الطّبيعيّة بعين دكوك بناء السّياج الخارجي ومدخلين أحدهما رئيسي والآخر ثانوي، وتركيز خليّة إرشاد وتجارب وفتح المسالك الداخلية واحداث منبت غابي ومنطقة غابية وتهيئة نقاط المياه وبناء مركز غابي وفضاء ترفيهي إلى جانب التجهيزات ووسائل الاتصال الحديثة والمعدات والتأطير والتسيير وغيرها ,, حيث تقدر التكلفة الجملية لكل هذه العناصر بحوالي 2 مليون دينار على امتداد أريع سنوات 1995 ـ 1998 .
 2 ـ المنتزه الترفيهي :
*المرحلة الأولى : وهي مرحلة التّهيئة الأوّليّة للبنية الأساسيّة للمشروع، مع انجاز المكوّنات اللاّزمة لاستغلاله في التّرفيه، والنّزهة؛ وتشمل فتح المسالك وتهيئتها، وبناء المدخل الرّئيسي للمنتزه والمشرب، وتهيئة القسط الأول من حديقة الحيوانات، وتهيئة أرضيّة المخيّم، وإيصال النّور الكهربائي، وتركيز القسط الأول من التّنوير العمومي (700م)، وإيصال الماء الصّالح للشّراب ومياه الرّي، إضافة إلى التّشجير الغابي للمنتزه، وتهيئة محطّة الاستراحة، وتركيز السّياج بالأسلاك.
*المرحلة الثّانية : وهي مرحلة التّهيئة النّهائيّة ومدّ مختلف الشّبكات العموميّة، وتشمل التّهيئة النّهائيّة للمسالك، وحفر وبناء الحوض المائي على ضفتي الوادي، وإتمام شبكة التّنوير العمومي، وبناء وتهيئة مدرج الطّائرات السّياحيّة الخفيفة، وإتمام بناء المنتزه وحديقة الحيوانات وتهيئتهما، وبناء المدخل الثّاني، إلى جانب زراعة حدائق الزينة وتهيئتها، وانجاز اللّمسات الأخيرة في مجال الزّينة والدّيكور والتّجميل.
تقدّر الكلفة الجمليّة لمشروع هذا المنتزه السياحي والترفيهي بحوالي مليون ومائتان وخمس وسبعون ألف دينار (1.275,000د)، وتتكوّن عناصره من فتح الطّرقات والمسالك وتهيئتها، وبناء المدخل الرّئيسي والمشرب، والتّسييج بالأسلاك، وتهيئة الملاعب الرّياضيّة والمسلك الصّحي، وساحة ألعاب الأطفال، وميدان سباق الدّراجات النّارية، ومدرج الطّائرات الخفيفة، وإحداث شبكة مائيّة للرّي داخل المنتزه، ومدّ شبكة التّنوير العمومي، وعملية التّشجير وإحداث المناطق الخضراء والحوض المائي، وتهيئة المنطقة السياحية والمتاحف وحديقة الحيوانات والمخيم، وتوفير المعدات والتجهيزات اللازمة لإنجاح المشروع.