أسماء الله الحسنى

بقلم
الهادي بريك
الملك ـ القدّوس ـ السّلام ـ المؤمن ـ المهيمن
 الملك ـ المليك ـ المالك
ورد هذا الإسم بمختلف تصاريفه مرّات، بعضها مركّب في مثل قوله سبحانه «مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ» في فاتحة الكتاب. ورد ذلك بقراءة « ملك  ومالك ومليك». وكلّها متواترة صحيحة. كما وردت مركّبة كذلك في قوله «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ». وورد على وزن فعيل في قوله «في مقعد صدق عند مليك مقتدر». وورد في قوله «فتعالى الله الملك الحقّ» وقوله «ملك الناس». كما ورد مرّات بصيغة الفعل في مثل قوله «تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء» وقوله «ولم يكن له شريك في الملك» وقوله «له الملك» وقوله «بيده الملك» وقوله «له ملك السماوات والأرض». كما يعبّر أحيانا عن الملك بقوله ملكوت «بيده ملكوت السماوات والأرض». وغير ذلك من تصاريف هذا الجذر ( م ل ك ). كما أسند الملك للإنسان أحيانا. كما في قوله سبحانه «وقال الملك» وهو ملك مصر أيام يوسف عليه السلام. ويسمّي الملأ الأعلى أحيانا بالملك ( بفتح اللام) وهم الملائكة. وأخبر عن العبيد والإماء أنهم ممّا ملكت أيدي الناس «وما ملكت أيمانكم». وغير ذلك. ملك الشيء هو الإستحواذ عليه بالكلّية والإستئثار به والتصرّف فيه بحرّية. ومن ذا يكون الله سبحانه هو الملك الحقّ الذي يملك كلّ شيء لأنه خلق كلّ شيء ودبّر كلّ شيء وصنع كلّ شيء. وما عداه مملوك له حتى لو ملك هذا المملوك شيئا. إذ أنّه يملّك عبده شيئا إبتغاء تكريمه وتحريره وإختباره. كما تقترن قيمة الملك بالحكم والهيمنة والسيطرة والقدرة والعلوّ والعظمة. الله سبحانه يملك ويحكم ويقدّر ويدبّر. والإنسان ملكه مؤقّت ومحدود ومثله حكمه. فلا مقارنة بين الملك الحقّ الذي لا شريك له وبين المملوك. إنّما سمّيت الملائكة كذلك لأنه ملّكهم سبحانه قدرات يؤدون بها وظائفهم. وبذلك تسمّى سبحانه بكلّ تصاريف هذا الإسم فهو : الملك والمالك والمليك
القدّوس
ورد إسم (القدّوس) مرّتين فحسب في الكتاب العزيز. «يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» وقوله «الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ». وهو من فعل (قدس) المجرّد وقدّس المزيد. ورد بصيغة المبالغة كالعادة (فعّول). القدس والقداسة من التطهّر والتنزه والتبارك. الله سبحانه قدّوس بمعنى أنه منزه عن كلّ ما لا يليق بالإلهية الواحدة المتفرّدة. قالت الملائكة «وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ» أي : ننزّهك ونسبّحك. في حين أنّ الخليفة الذي تجعله في الأرض قد لا يفعل ذلك.(روح القدس) هو جبريل عليه السلام لأنه منزّه مطهّر عن الكذب عن ربّه فيما يبلّغه عنه. والملائكة كّلهم منزّهون عن المعصية بالغريزة. الله سبحانه قدّوس لأنه منزه بنفسه عن الشريك والنظير. ولأنّ من خلقه من يقدّسه وينزّهه. فهو أهل التقديس والتنزيه وإفراده بالعبادة الخالصة والتسبيح. من أدعيته ﷺ «سبّوح قدّوس ربّنا وربّ الملائكة والروح». كذلك بأعلى صيغ المبالغة. ولم تخلع صفة التقديس والقدسية سوى على الأرض المقدّسة لقول  موسى عليه السلام لقومه «ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ». وهي فلسطين قدّسها الله بالمسجد الأقصى
السّلام
ورد هذا الإسم (السّلام) منسوبا إلى الله سبحانه مرّة واحدة في آية سورة الحشر «الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ». وثبت من دعائه ﷺ قوله «اللهمّ إنك أنت السلام ومنك السلام وإليك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام». وسمّى الجنة دار السلام. وأخبر سبحانه أنه يدعو إلى دار السلام. ويهدي سبل السلام. وأمر ببثّ السلام على الناس سواء لتأليف القلوب أو لتجنّب خصومة «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا» وخلع قيمة السلام على عدد من أنبيائه «سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ» و«إنّ الله وملائكته يصلّون على النّبيّ. يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما». ودعا إلى الدخول في السّلم كافة. السّلم والسّلام من جذر واحد يعني الأمن والأمان والحبّ والعلاقة الدافئة والحياة الطّيبة ونبذ الإختصام والإحتراب. ومن ذا إختار لدينه الأخير إسم الإسلام ليكون مادة سلم بين الناس وسلاما في علاقاتهم الأفقية والعمودية. وجعل الصّلاة مختومة بالتسليم عن يمين وشمال. وجعل تحيّة أهل الجنة السلام. كلّ ذلك ليحقن الإنسان بالأمن حقنا. وينتزع منه فسائل البغضاء والكراهية. وليجعل العلاقة مع ربّه علاقة أمن وسلام. وكذا مع الناس والكون والعجماء. إذ أنّ العبادة والعمارة  والتزكية لا تكون إلاّ في مناخ آمن مفعم بالسّلم والسّلام. فإن حلّت الحرب محلّ السّلام حلّ الخراب. إسم ( السلام) يرغّب الإنسان في ربّه ويغشيه منه سكينة وطمأنينة وأملا ورجاء فلا يقنط ولا ييأس.
المؤمن
ورد هذا الإسم ( المؤمن ) منسوبا إلى الله سبحانه مرّة واحدة في الكتاب العزيز. وذلك في الآية نفسها من سورة الحشر « السَّلَامُ الْمُؤْمِن». وهو الإسم الذي يشترك فيه مع عبده المؤمن. المؤمن إسم فاعل من آمن يؤمن إيمانا. فهو مؤمن. آمن معناها صدّق. لماذا سمّي التصديق إيمانا؟ لأنّ من يصدّق شيئا أو أمرأ أو أحدا فإنه يأتمنه ويؤمّنه على نفسه وعلى من معه وحوله. أصل الإيمان إذن هو التصديق. فإذا حصل التصديق فإن كلّ ما يخبره به الذي صدّقه محلّ إيمان منه وتصديق. ولذلك كان الإيمان بالله سبحانه هو أصل كلّ أركان الإعتقاد. ومثل ذلك كان الإيمان بمحمد ﷺ. إذ عندما يعتقد المرء في صدق محمد ﷺ فإنه سيؤمن بكلّ ما يخبر به. سمّى الله نفسه مؤمنا لأنه يصدّق عبده الذي صدّقه. وهذا يعود بنا مرّة أخرى إلى حرص الوحي على تعبيد الطريق بين الله وبين عبده. فهو طريق رضى متبادل. وهو طريق تصديق متبادل . كلّ ذلك تيسيرا من الله سبحانه لعبده أن يؤمن ويطمئن إلى ربه ويفرّ إليه حتى منه هو. فكيف لا يفرّ إليه من غيره؟ ويحتاج العبد المصدّق المؤمن إلى أن يطمئن إلى أنّ ربه يصدّقه في إيمانه حتى لا تفترسه وسوسات الشيطان وصروف الدنيا التي يشقّها كدحا . ومن ناحية أخرى فإنّ الله سمّى نفسه المؤمن ليؤمّن لعبده الإيمان والسلامة والطمأنينة والسكينة ولما يحتاج إليه راحة نفسية ورغد عيش وملجأ آمنا وملاذا دافئا.هما معنيان يعتلجان : معنى التصديق المتبادل بين العبد وربّه. ومعنى التأمين الذي يوفره الملك لمملوكه. كما ورد في الكتاب العزيز أنّ محمدا ﷺ يؤمن للمؤمنين. وذلك عندما قال عنه المنافقون أنه أذن «قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» أي يصدّق المؤمنين عندما يتحدثون إليه. أما المنافقون فإنه يستمع إليهم بأذنه أدبا منه. وليس يعني ذلك أنه يصدّقهم في كلّ ما يقولون غباء حاشاه. الإيمان منه هنا ﷺ هو التصديق.
المهيمن
ورد هذا الإسم ( المهيمن ) منسوبا إليه سبحانه مرّة واحدة. وذلك في آية الحشر نفسها إذ قال سبحانه «الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِن». كما وردت صفة الهيمنة كذلك مرّة واحدة منسوبة إلى القرآن الكريم «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ». هيمنة القرآن الكريم على الكتاب السّالف تعني النسخ والحكم والعلوّ والبقاء. إذ لا مشروعية لأيّ كتاب سماويّ سالف من بعد نزول القرآن الكريم. فكما أنّ الله سبحانه هو المهيمن فإنّ كتابه هو المهيمن كذلك. الفعل رباعيّ هو : هيمن. الهيمنة هي الملك المطلق والحكم المطلق وبجدارة القوّة والعظمة والقدرة والخبرة والبطش. بل بيسر لا لغوب فيه. ولذلك ـ وعلى خلاف العادة ـ جاءت الكلمة بحروف مرقّقة كلّها. ذلك أنّ الله سبحانه لا يعجزه شيء. وما مسّه من لغوب. ولم يعي بخلق أيّ شيء. وكما أخبر عن ذلك في قوله سبحانه «لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» وقوله في موضع آخر «مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ». وهو فعل رباعيّ ـ والرباعيّ مقارنة مع الثلاثيّ نادر ـ يبسط نفوذه مبنى ليبسط معناه كذلك
آية الحشر التي إحتضنت أكثر الأسماء
لا شكّ أنّ من يقرأ القرآن الكريم يلحظ بيسر أنّ آية سورة الحشر تضمّنت أكثر أسمائه سبحانه في حشر واحد تناسبا مع إسم السّورة. أي سورة الحشر. «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ، يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ». إحتضن هذا السّياق ثمانية عشر إسما من أسمائه عدا المكرّر منها هنا. وهو أطول سياق في الكتاب العزيز كلّه. وممّا لا مناص من ملاحظته كذلك أنّ بعض الأسماء لم ترد في غير هذا الموضع منها : السلام ـ المؤمن ـ المهيمن ـ الجبّار ـ المتكبّر ـ البارئ ـ المصوّر ـ أي أنّ سبعة أسماء لم تذكر عدا هنا. ومن ذا فإنّ لهذا السياق خصوصية
التسمّي من الإنسان بهذه الأسماء
أمّا القدّوس فلا، فهذا خاصّ به سبحانه. وإسم المهيمن كذلك. أو أخفّ وطأة. والأولى أن يتسمّى المرء بعبد المهيمن. وأمّا غيره ممّا ورد هنا فلا حرج أن يتسمّى الإنسان بالملك ( بكسر اللام طبعا وليس بفتحه) وإن كان التسمّي بعبد الملك أو عبد المليك أو عبد المالك أولى. ولا حرج  أن يتسمّى بالمؤمن من باب أولى وأحرى وبلا أيّ حرج. وإن تسمّى بعبد المؤمن فهو أولى. ولا حرج أن يتسمّى بالسّلام وإن كان التسمّي بعبد السلام أولى. ومن باب أولى وأحرى ألاّ يتسمّى الإنسان بملك الملوك إذ فيه نهي نبويّ صحيح صريح.والعبرة هو تمثّل هذه القيم التي جاءت بها هذه الأسماء سيما قيمة السلام والإيمان.