باختصار شديد

بقلم
محمد بن نصر
من غفلة الصّادقين
 وجدته مكتئبا لا يكاد يفصح عن وجعه، قال وقد أتعبه المسير: «تكلّمت باسم المبادئ وحضرت المجالس ناقدا ومعارضا، مؤيّدا لما أعتبره حقّا ورافضا لما أعتبره باطلا. مازالت في غي القديم، مؤمّنا بقوّة الفكرة، لا أعير اهتماما كبيرا للأشخاص وتأثيرهم». 
قلت له: «لم تكن في غيّ، ولكنّك كنت في حلم طال أمده حتّى تحوّل إلى وهم، وذلك لأنّك -وكثير أمثالك- لم تفهموا أنّ قوّة الفكرة ليس في جمالها ومتانتها النّظريّة، وإنّما في فعاليّتها وقوة تأثيرها الواقعية.
فتتفاجأ في كلّ مرّة حين تكتشف أنّ وراء الخطابات المنمّقة في اجتماعات المؤسّسات الرّسميّة رسائل مشفّرة لا يفهمها إلّا أصحابها. 
رسائل تنتج في ورشات خاصّة، ثمّ تعرض للبيع على المغفّلين ليتجادلوا فيها، حتّى يخيّل إليهم أنّها من صنعهم فقط، لأنّهم رفعوا أيديهم مؤيّدين لها. 
صناعة الرّأي العام فنّ يحذقه أصحاب النّفوذ الرّمزي والمادّي».