شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
المفكر محمد أسد (ليوبولد فايس)
 «ليوبولد فايس» ولد في الإمبراطورية النّمساويّة الهنجاريّة عام 1900، وتوفّي في إسبانيا عام 1992م. وهو كاتب وصحفي ومفكّر ولغوي وناقد اجتماعي ومصلح ومترجم ودبلوماسي ورحّالة مسلم، يهودي الأصل، درس الفلسفة والفنّ في جامعة فيينا ثمّ اتجه إلى الصّحافة فبرع فيها، وغدا مراسلاً صحفيّاً في الشّرق العربي والإسلامي، انتقل للعيش في القدس بعد تلقيه دعوة من أحد أقاربه اليهود للإقامة معه في القدس في الوقت الذي كانت فيه فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وكتب هناك عدّة مقالات مهمّة أبرزت قلق العرب من المشروع الصّهيوني، ثمّ زار القاهرة فالتقى بالإمام مصطفى المراغي، فحاوره حول الأديان، وبدأ بتعلّم اللّغة العربيّة في أروقة الأزهر، وهو لم يزل بعدُ يهوديّاً . ثم انخرط في دراسة متعمقة للإسلام، حتّى قرر التّحول من اليهوديّة إلى الإسلام في 1926 وهو في برلين وبعد عدّة أسابيع من ذلك اعلنت زوجته إسلامها. لقد جاء إسلام محمد أسد رداً حاسماً على اليأس والضّياع، وإعلاناً مقنعاً على قدرة الإسلام على استقطاب الحائرين الذين يبحثون عن الحقيقة …
قام محمد أسد بعد إسلامه بأداء فريضة الحجّ، ثمّ زار العديد من البلدان، كمصر وإيران وأفغانستان وجمهوريّات السّوفييت الجنوبيّة. كما التحق بعمر المختار ليبحث معه إيجاد طرق لتمويل المقاومة ضدّ الإيطاليين، وانتقل إلى شبه القارّة الهنديّة التي كانت تحت الاحتلال الإنجليزي، وهناك التقى بالشّاعر الكبير والمفكر محمد إقبال عام 1932 والذي اقترح فكرة تأسيس دولة إسلاميّة مستقلّة في الهند (والتي أصبحت لاحقاً باكستان)، وقد أقنعه محمد إقبال بالبقاء والعمل على مساعدة المسلمين لتأسيس تلك الدولة. ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 اعتقل والدا محمد أسد، وقتلا على يد النازيين. فيما اعتقل محمد أسد على يد الإنجليز وسجن ثلاث سنوات باعتباره عدواً.
فور استقلال باكستان عام 1947 وتقديراً لجهوده وتأييده لإقامة دولة إسلاميّة منفصلة في شبه القارّة الهندية، فقد تمّ منح محمد أسد الجنسيّة الباكستانيّة وتمّ تعيينه مديراً لدائرة إعادة الإعمار الإسلامي. وعمل رئيساً لمعهد الدّراسات الإسلاميّة في لاهور حيث قام بتأليف الكتب التي رفعته إلى مصاف ألمع المفكّرين الإسلاميين في العصر الحديث. وأشهر ما كتب «الإسلام على مفترق الطرق» و«الطريق إلى مكة»، كما قام بترجمة معاني القرآن الكريم وصحيح البخاري إلى اللّغة الإنجليزيّة . وفي وقت لاحق التحق بوزارة الشّؤون الخارجيّة رئيساً لوحدة شؤون الشرق الأوسط عام 1949، ثم تقرّر تعيينه بمنصب مبعوث باكستان إلى الأمم المتحدة في نيويورك عام 1952
يقول محمد أسد في مقدمة كتابه «الإسلام على مفترق الطرق»: «جاءني الإسلام متسلّلاً كالنّور إلى قلبي المظلم، ولكن ليبقى فيه إلى الأبد. والذي جذبني إلى الإسلام هو ذلك البناء العظيم المتكامل المتناسق الذي لا يمكن وصفه، فالإسلام بناء تامّ الصّنعة، وكلّ أجزائه قد صيغت ليُتمَّ بعضها بعضاً… ولا يزال الإسلام بالرّغم من جميع العقبات التي خلّفها تأخّر المسلمين أعظم قوّة ناهضة بالهمم عرفها البشر، لذلك تجمّعت رغباتي حول مسألة بعثه من جديد».
ويقول في نفس الكتاب «ص(102-103)»: «إنّ الإسلام يحمل الإنسان على توحيد جميع نواحي الحياة … إذ يهتم اهتماماً واحداً بالدّنيا والآخرة، وبالنّفس والجسد، وبالفرد والمجتمع، ويهدينا إلى أن نستفيد أحسن الاستفادة ممّا فينا من طاقات، إنّه ليس سبيلاً من السّبل، ولكنّه السّبيل الوحيد، وإنّ الرّجل الذي جاء بهذه التّعاليم ليس هادياً من الهداة ولكنّه الهادي» ويضيف: «إنّ الرّجل الذي أُرسل رحمة للعالمين، إذا أبينا عليه هُداه، فإنّ هذا لا يعني شيئاً أقلّ من أنّنا نأبى رحمة اللّه !».
كما يقول أيضا في نفس الكتاب: «الإسلام ليس فلسفة ولكنّه منهاج حياة .. ومن بين سائر الأديان نرى الإسلام وحده، يعلن أنّ الكمال الفردي ممكن في الحياة الدّنيا، ولا يؤجَّل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشّهوات الجسديّة، ومن بين سائر الأديان نجد الإسلام وحده يتيح للإنسان أن يتمتّع بحياته إلى أقصى حدٍّ من غير أن يضيع اتجاهه الرّوحي دقيقة واحدة، فالإسلام لا يجعل احتقار الدّنيا شرطاً للنّجاة في الآخرة .. وفي الإسلام لا يحقّ لك فحسب، بل يجب عليك أيضاً أن تفيد من حياتك إلى أقصى حدود الإفادة .. إنّ من واجب المسلم أن يستخرج من نفسه أحسن ما فيها كيما يُشرّف هذه الحياة التي أنعم اللّه عليه بها، وكيما يساعد إخوانه من بني آدم في جهودهم الرّوحيّة والاجتماعيّة والمادّية . الإسلام يؤكّد في إعلانه أنّ الإنسان يستطيع بلوغ الكمال في حياته الدنيا، وذلك بأن يستفيد استفادة تامّة من وجوه الإمكان الدّنيوي في حياته هو».
ويصف محمد أسد إفاضته مع الحجيج من عرفات فيقول في كتابه الطريق إلى الإسلام (ص7) : «ها نحن أولاء نمضي عجلين، مستسلمين لغبطة لا حدّ لها، والرّيح تعصف في أذني صيحة الفرح. لن تعود بعدُ غريباً ، لن تعود … إخواني عن اليمين، وإخواني عن الشّمال، ليس بينهم من أعرفه، وليس فيهم من غريب! فنحن في التّيار المُصطخِب جسد واحد، يسير إلى غاية واحدة، وفي قلوبنا جذوة من الإيمان الذي اتقد في قلوب أصحاب رسول اللّه … يعلم إخواني أنّهم قصّروا، ولكنّهم لا يزالون على العهد، سينجزون الوعد». 
ويسلط محمد أسد الضوء على سبيل النّجاة من واقعنا المتردّي فيكتب : «ليس لنا للنّجاة من عار هذا الانحطاط الذي نحن فيه سوى مخرج واحد ؛ علينا أن نُشعر أنفسنا بهذا العار، بجعله دائما نصب أعيننا وأن نَطعم مرارته … ويجب علينا أن ننفض عن أنفسنا روح الاعتذار الذي هو اسم آخر للانهزام العقلي فينا، وبدلاً من أن نُخضع الإسلام باستخذاء للمقاييس العقليّة الغربيّة، يجب أن ننظر إلى الإسلام على أنّه المقياس الذي نحكم به على العالم .. أما الخطوة الثاّنية فهي أن نعمل بسنّة نبينا على وعي وعزيمة…» .