أسماء الله الحسنى

بقلم
الهادي بريك
الواحد ـ القهّار ـ اللطيف ـ الكبير
 الواحد ـ الأحد
ورد هذا الإسم «الواحد» مرّات. وقد إقترن ست مرّات بالقهّار «الواحد القهّار». كما إقترن بإله «إله واحد». وهو يختلف عن الإسم  «الأحد» الذي لم يرد إلاّ مرّة واحدة في سورة الإخلاص. ورد الأحد مرّة واحدة وهو إنسجام عجيب لأنّ الأحد يعني الذي ليس كمثله شيء ولا قبله شيء ولا بعده شيء. إذ تقول: لا أحد في البيت لتنفي كلّ شيء من جنس المسؤول عنه. أمّا لو قلت : لا واحد فيحتمل وجود غيره. فلمّا كان اللّه سبحانه أحدا ورد إسمه هذا «الأحد» مرّة واحدة. أمّا الواحد فهو المتبوع بالزّوج إلى ما لا نهاية. ولذلك لا تكون الأحادية إلاّ للّه وحده سبحانه وما عداه كلّه مزدوج بشتّى ضروب الإزدواج. الواحد يدعم الأحد فهو واحد في ألوهيته وأحد في مثليته وهما مشتقان من جذر لساني واحد عدا أنّه سبحانه أحد ليس قبله شيء بمثل أنّ «أحد» بدأت بأوّل حروف الأبجدية العربية وهو حرف حلقي غائرمشفوع بحرف حلقي غائر مثله وهو حرف «ح». أرأيت كيف أن الكلمة في اللسان العربي تنحت معناها السليقي الجبلّي الطبيعي الأوّل من جذرها؟ السؤال هو : لم إقترن الواحد كثيرا بالقهر؟ بل إنّ إسم «القهّار» لم يرد إلا مسبوقا بالواحد. لا يكون القهر بصيغة المبالغة العظمى الممكنة في هذا الجذر  «ق ه ر» قهرا لا يغالب ولا يضاهى إلاّ إذا كان صاحبه واحدا. فكيف وهو الواحد وهو الأحد معا؟
القاهر ـ القهّار
إسم «القاهر» لم يرد عدا مرّتين وفي سورة الأنعام المكّية فحسب «سورة التوحيد الكبرى مضارعة لسورة التوحيد الصغرى أي الإخلاص». كما أنّه لم يرد إلاّ مشفوعا بقوله سبحانه «فوق عباده». القهر هو كلّ معاني العظمة والقوّة والكبر والغلبة والقدرة وكلّ ما يتّصف به اللّه سبحانه من تلك المعاني والقيم. ولذلك بدأ هويته «أي هذا الإسم» بحرف حلقي مفخّم غائر حتّى يؤدّي المبنى معناه بوفاء. لم يسمّ سبحانه نفسه القاهر، بل سمّى نفسه القاهر فوق عباده. ليس لعباده بل فوقهم. وكلّ مخلوق موجود ممّا علمنا وممّا لم نعلم هو عبد من عباده سبحانه. 
لو كان هو القاهر لعباده لما وهب الإنسان حقّ الإيمان بمثل ما وهبه حقّ الكفر إن شاء، ولما كان الإنسان موضوعا للإبتلاء. إنّما هو يقهر كلّ شيء سبحانه عدا الإنسان الذي منحه حرّية بها يختار ما يشاء من دين على أن يتحمّل مسؤوليته يوم يلقاه. أرأيت دقّة هذا النظم العجيب؟ الفارغون اللاهون اللاعبون يعكفون على هذه الفوقية هل هي فوقية مكان أم زمان أم غير ذلك ممّا لا يطاله العقل. أولئك تنكّبوا الرسالة من هذا الإسم الذي يمكن أن يعدّ هو كذلك مركّبا. الفوقية هنا هي فوقية القهر والعلوّ والعظمة والقدرة. إسم «القهّار» بأقوى صيغ المبالغة الممكنة من هذا الجذر « ق ه ر» على وزن فعّال يحمل المعنى ذاته من القهر عدا أنه بصيغة المبالغة التي لا يطمع فيها من رأى في نفسه غنى أو قوّة أو علوّا أو كبرا. 
أليس من مظاهر قهره أنه يحيي ويميت متى شاء من شاء وأين شاء وكيفما شاء؟ خير من عبّر عن ذلك القهر الذي تظل أعناق المتكبّرين إليه خاضعة هو إبراهيم عليه السلام إذ قال للملك المتجبّر «فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ»(1). وكانت الثمرة «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ»(1).
ورد إسم القهّار ست مرّات كا ورد بصيغة الجمع في قوله «وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ» (2). إذ لا بدّ من تلك الفوقية إفرادا وجمعا. ولم يرد إسم القهّار إلاّ مسبوقا بإسم الواحد لأنّ خير من يقهر هو الواحد الذي لا ينافسه قهّار مثله ولا ينازعه على قهره منازع. مظاهر القهر لا تحصى لمن يتدبّر في الكون والتاريخ والنفس
اللطيف
ورد هذا الإسم «اللّطيف» بهذه الصيغة المعرّفة المفردة فحسب سبع مرّات وبصيغة المبالغة «فعيل». اللّطف تتكافل على نحت هويته معان متقاربة. منها معنى الرفق والرحمة والرأفة والحبّ والعطف ولذلك جاء قوله سبحانه «لطيف بعباده». 
هو لطيف بهم ترفّقا ورعاية لضعفهم عندما يكلّفهم وعندما يخطئون. ومن مظاهر لطفه أنّـه يُرســل حفظـــة من الملائكة «يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ»(3) أي يوفّرون أسباب اللّطف والرّفق للإنسان بأمر من اللّه وليس مواجهة لأمر اللّه. ومن معاني اللّطف العزّة والدقّة والعظمة والقدرة إذ أن الله سبحانه لا يعجزه شيء ولذلك قال سبحانه «إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ» (4) أي أنّه عندما يشاء شيئا فإنّه يقدر عليه بعزّة وقوّة ودقّة وحكمة. ولذلك إرتبط إسم اللّطف بالخبرة مرّات «لطيف خبير» إذ أنّ الخبير بالأمر يصنعه كما يشاء هو بيسر وسلاسة. وممّا ورد مؤكّدا معنى الرّفق في إسم «اللّطيف» قوله في شأن أصحاب الكّهف وإيصائهم صاحبهم كيف يتعامل مع النّاس «وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا»(5). أي يتعامل مع الباعة والنّاس بلطف حتّّى لا يشعرون بهم فيقتلونهم وقد كانوا يظنّون أنّ النّاس هم النّاس وأنّ الزّمن هو الزّمن.
الكبير ـ المتكبّر
كعادة أسماء اللّه لا تكون في الأعمّ الأغلب إلاّ في أقصى صيغ المبالغة التي يتيحها التّركيب التّصريفي. «الكبير» على وزن «فعيل» من فعل: كبر «بضمّ الباء» يكبر كبرا «بكسر الكاف وفتح الباء». ورد هذا الإسم ستّ مرّات كذلك وإقترن في خمس منها بإسم «العليّ» ومرّة بإسم «المتعالي». الكبر «بفتح الباء» يعني العظمة والقوّة والشدّة والقدرة والسّعة وكلّ معاني العلوّ والفوقيّة. فلا يكون الكبير إلاّ عاليا عليّا متعاليا وهو اللّه سبحانه العليّ الكبير. وهو من جنس إسم آخر لا يحقّ لغيره وهو «المتكبّر» وهو من فعل «كبر» بكسر الباء. عدا أنّ الإستخدام جرى على صيغة الزّيادة فكان الفعل «تكبّر» أي تقمّص صفة الكبر. كما تجيء بصيغة الزّيادة الأوسع ليكون الفعل «إستكبر» والجذر الثّلاثي واحد « ك ب ر».
إسم التكبّر لا يحقّ إلاّ للّه وحده سبحانه وهو في حقّ غيره مقبحة ومذمّة ومقدحة بسبب أنّ غيره ليس قويّا عظيما عزيزا قهّارا جبّارا وهّابا عليّا على نحو لا يضاهى حتّى يتلبّس بصفة التكبّر ولذلك لم يسمّ اللّه نفسه مستكبرا بل متكبّرا. ذلك أنّ الإستكبار هو طلب الكبر من لدن من شأنه الصّغر والتّفاهة. أمّا التّكبّر فهو صيغة صرفيّة مصنوعة إذ أنّ تفعّل تعني فعل الفاعل في الشّيء. ولذلك عندما نعى اللّه سبحانه على المتكبّرين قال عنهم «جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا »(6) وقال في موضع آخر على لسان التبّع الإمّعات يوم القيامة «إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا..»(7). فهم كبراء بمعنى أنّهم ليسوا كبارا في الحقيقة ولا أهل كبر «بفتح الباء» ولكنّهم أهل كبر مصطنع «بتسكين الباء».
الإمّعات هم الذين كبّروهم إذ أطاعوهم لمّا أستخفّوا. الكبراء مكابرون أي يصطنعون الكبر «بفتح الباء». ومعلوم أنّنا نقول في الصّلاة مرّات كثيرة «اللّه أكبر» ولم يرد هذا في القرآن الكريم ولو مرّة واحدة ولكن دعينا إلى تكبيره سبحانه في قوله «..كَبِّرهُ تَكْبِيرًا»(8) أو في قوله «وَرَبَّكَ فَكَبّرِ»(9). 
والعجيب أنّنا نقول : اللّه أكبر. وليس : اللّه الأكبر. ذلك أنّ الأكبر صيغة مفاضلة تقتضي وجود الكبير. وإذ ليس هناك كبير عداه سبحانه فإنّنا نقول : الله أكبر ليكون المعنى أنه أكبر من كلّ شيء ولتظل هكذا مطلقة. وبمثلها على ذكره «وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ» (10). وغيرها من المواضع التي يضيق عنها هذا الموضع.
أيّ حظّ للإنسان من هذه الأسماء؟
لك أن تلحظ معي بداية أنّ هذه الأسماء تحيل في الأعمّ الأغلب إلى طائفة أسماء القوة والقدرة التي رأينا أنها إحتلت المنزلة الثالثة وأنها تقتضي العلم والحكمة معا. ممّا لا يحتمل أيّ حوار هو أنّ إسم المتكبّر خاصّ به وحده سبحانه مثل الرّحمان فلا يتسمّى به أحد إلا ظالم لنفسه. ومثله بالتمام والكمال إسم الأحد. وما عداهما هنا فالأولى والأفضل لمن يعلم من هو الله ويعلم من هو نفسه ألاّ يتسمى إلاّ بعبد كذا. فهو عبد الواحد وعبد الأحد وعبد اللّطيف وعبد القهّار وعبد الكبير وغير ذلك. ولكن لو تسمّى عبد ببعض ذلك سيما بصيغة التنكير «لطيف ـ واحد ـ كبير» فليس كفرا ولا فسقا ولكنه خلاف الأولى. المستند هنا مزدوج فهو متعلّق بهوية الإسم نفسه فالتسمّي بقهّار مثلا ليس مناسبا ولكن التسمّي بعليّ مثلا فهو مناسب ولو كان ذلك غير كذلك لما تأخر عليه السلام في تغيير ذلك عن الرجل الذي هو وليّه أي الإمام عليّ عليه الرضوان. وهو متعلّق كذلك بالعرف الذي قال فيه الفقهاء : المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
الهوامش
(1) سورة البقرة - الآية 258
(2) سورة الأعراف - الآية 127
(3) سورة الرعد - الآية 11
(4) سورة يوسف - الآية 100 
(5) سورة الكهف - الآية 19
(6) سورة الأنعام - الآية 123
(7) سورة الأحزاب - الآية 67
(8) سورة الإسراء - الآية 111
(9) سورة المدّثر - الآية 3
(10) سورة العنكبوت - الآية 45