للنقاش

بقلم
رجاء موليو
علاقة الدين بالدولة
 دين الدّولة وأحيانا يطلق عليه « الدّين الرّسمي للدّولة» هو عقيدة دينيّة أو معتقد ديني تتبنّاه دولة ما بشكل رسمي في دستورها، وعمليّا الدّولة التي لا دين لها تعدّ دولة علمانيّة. وقد احتلت مسألة علاقة الدّين بالدّولة مكانة هامّة في الجدال بين الإسلاميّين وغيرهم سواء من أصحاب الدّيانات السّماوية المحرّفة أو العلمانيين؛ وذلك لأسباب تمثّلت في اعتبار أنّ ربط الدّين بالدّولة يقف حاجزا أمام النّهضة العلميّة،  كما يؤدّي إلى قمع حرّية الفكر والحرّيات السّياسية؛ لأنّ الدّين يعتبر اللّه هو مصدر التّشريع، لذلك نجد الدّول غير الإسلاميّة وكذلك بعض الدّول الإسلاميّة ترفع شعار العلمانيّة رغبة منها في التّحرّر من قيود الدّين .
فما هي علاقة الدّين في تشكيل الدّولة؟ هل له موقف السّلب أو الإيجاب ؟
« يؤكّد تاريخ اليهوديّة والمسيحيّة كتجسيدين للثّورة التّوحيديّة هذا التّناقض العميق والدّائم بين الدّولة والدّين ، أو عدم تفاهمهما وتوافقهما. فهو يظهر في اليهوديّة ضياع الدّين في  الدّولة ويظهر في المسيحيّة ضياع الدّولة في الدّين. وكما أدّى ضياع الدّين في الدّولة إلى تحويل اليهوديّة إلى طائفة بامتياز؛ وقبيلة دينيّة معزولة ومنعزلة في العالم. أمّا بالنّسبة للمسيحيّة، فبالرّغم من عالميّة رسالتها (1)، فقد أدّى ضياع الدّولة في الدّين إلى تفكيك الاجتماع المدني وسيادة التّمييز والفوضى وزوال القانون، وارتداد الحقيقة الدّينية إلى فكرة روحيّة صرفة»(2). 
من هنا يتبيّن أنّ ضياع الدّين في الدّولة اليهوديّة أو المسيحيّة كان بسبب سوء فهم الدّين؛ باعتباره يشكّل عقبة وعثرة في تقدّم العلوم والفنون والمؤسّسات التي تقوم عليها الدّولة، لذلك دعا العديد من المفكّرين إلى فكرة الفصل أي العلمانيّة التي تتمحور في فصل السّلطات الدّنيويّة عن الدّينيّة ، بحيث تنعدم علاقة الدّين بالدّولة وبهذا يتحقّق التّقدم. لكنّ هذا التقدّم في تقديرنا تقدّم ظاهريّ لأنّه غير مبني على أسس صحيحة .
يرتبط مصطلح «الكنيسة الرّسميّة للدّولة» بالدّيانة المسيحيّة، تاريخيًّا مع نشأة الكنيسة الرّسمية للدّولة. في الإمبراطوريّة الرّومانيّة، ويستخدم أحيانًا للدّلالة على فرع معين وطني حديث للمسيحيّة.
دين الدّولة هي دولة ذات مؤسّسات رسميّة أو حكومة دينيّة، ولكنّ الدّولة ليست بحاجة إلى أن تكون تحت سيطرة الكنيسة (كما هو الحال في النّظام الثّيوقراطي)، وكذلك الكنيسة الذي تقرّها الدّولة لا تكون بالضّرورة تحت سيطرة الدّولة.
وُجدت المؤسّسة الدّينيّة التي ترعاها الدّولة في العصور القديمة مثل الشّرق الأدنى القديم وعصور ما قبل التّاريخ. كانت أول دولة مسيحيّة هي أرمينيا التي اتخذت الكنيسة الأرمينيّة الرّسوليّة دينًا رسميًّا، وذلك في عام في301م.
« لا تكون الدّولة الإسلاميّة دولة للشّريعة، ولا تكون شريعة هذه الدّولة هي الشّريعة الإسلاميّة إلاّ لدى وعي يقيم الأوامر والجسور بين الدّين والدّنيا ، بين العقيدة والشّريعة ، فلا تفهم العلاقة بينهما إلاّ من حيث هي علاقة وصل واتصال، لا علاقة فصل وانفصال على نحو ما تذهب إلى ذلك مقالات قسم كبير من المثقّفين العلمانيّين(3). ولأنّ الدّفاع عن فكرة الوصل بين الدّين والسّياسة (الدولة)، فقد كان من نشأته أن يتّخذ شكل مساجلة بين دعاة تطبيق الشّريعة – من المفكّرين الإسلاميين المعاصرين – وبين دعاة فصل الدّولة والسّياسة عن الدّين ممّن اصطلح على تسميتهم بالعلمانيّين ، أو «اللاّئكيين»(4) كما يحلو للدّاعية الإسلامي الشّيخ عبد السلام ياسين(5)  أن يطلق عليهم» (6).
انطلاقا من هذا النّص يتبيّن أنّ الدّولة الإسلاميّة تتّخذ من الشّريعة والعقيدة أسسا أوّليّة في تنظيمها للدّولة، فهي لا تقيم حاجزا أو فاصلا بينهما، فعلماء الإسلام يعتبرون الجمع والتّوفيق بين الشّريعة الإسلاميّة وسلطات الدّولة من بين أولويّات نجاح وتقدّم الدّولة الإسلاميّة، وبذلك فهم يبتعدون عن الفكر الغربي في اعتبار الدّين بعلاقته بالدّولة عنصرا سلبيّا لتقدّمها. 
 وعليه فإنّ الدّين الذي حاول الغربيّون ربطه بالدّولة دين اضطهادي لأنّه اتجه إلى الحرّيات ممّا جعل النّاس يتّجهون نحو الخرافة، عكس ربط الدّين بالدّولة الإسلاميّة الذي أدّى إلى تحقيق أهداف ايجابيّة تمثّلت في تحقيق الكرامة والعدالة بين الإنسانيّة وحماية الحقوق والواجبات.
وفي اوروبّا، اقتصر الدّين على طبقة خاصّة وهي رجال الدّين، الذين تحكذموا في مصائر النّاس وتلاعبوا بها مثل اصدارهم لـ«صكوك الغفران».
وعلى عكس ذلك، فإنّ الدّين الإسلامي لا وساطة فيه بين الخالق والمخلوق، أمّا العلماء فيتمثّل دورهم في النّصح والإرشاد وحماية العقيدة من التّأويلات الفاسدة.
الهوامش
(1)  - نقد السياسة الدولة والدين ، برهان غليون ، ص:62.
(2) نفسه ، ص:62.
(3) العلمانية : هي « الفصل بين الدّين والدّولة» أي أنّها تعترف بالدّين ولكنّها لا تعتمد عليه في تشريعاتها وقوانينها.
(4) اللاّئكيّة : هي«اعتبار الدّين اختيارا شخصيّا» «ولا دين للدّولة» ... فلا يُعترف مثلا بالأعياد الدّينية، ولا تمييز بين أشهر السّنة فرمضان مثل باقي الأشهر سواء في توقيت العمل وفتح المقاهي والمطاعم. كما أنّ تنظيم الحجّ ليس من مشمولات الدّولة، وتتساوي المرأة بالرجل في الميراث... يعني فاللاّئكيّة إذن هي قطع تامّ مع الدّين بالنسبة لمؤسسات الدّولة الرّسميّة .
(5) الشيخ عبد السلام ياسين : هو عبد السلام بن محمد بن سلام بن عبد الله بن إبراهيم، ولد في 19سبتمبر/شتنبر 1928، كان موظفا سابقا في وزارة التّربية بالمغرب ، ثمّ أستاذا وداعية إسلاميّا ، تلقّى دروسه التّعليميّة الأولى في مدرسة بمراكش أسّسها المختار السّوسي. وفي 1947 التحق بمدرسة تكوين المعلّمين بالرّباط ، وحصل سنة 1956 ببيروت على دبلوم التّخطيط التّربوي بامتياز. وفي سبتمبر/شتنبر 1987 أصبح مرشدا عامّا لـ «جماعة العدل والإحسان» التي تمّ الإعلان عن تأسيسها. له العديد من المؤلّفات في السّياسة والدّين، نذكر منها الإسلام بين الدّعوة والدّولة، والمنهاج النّبوي تربية وتنظيما وزحفا وغيرها من المؤلّفات . توفّي يوم الخميس 13 ديسمبر/دجنبر 2012م.
(6) الدّولة في الفكر الإسلامي المعاصر ، عبد الإله بلقزيز ، بيروت ، 2002م ، الطبعة الأولى ، ص: 148-147.