في التنمية

بقلم
محمد صالح بنحامد
تثمينا للمخزون الجيولوجي بالجنوب : مشروع إنجاز حديقة الصخور بتطاوين: قصة تاريخ وعراقة حضارة
 إنّ مشروع إحداث حديقة الصّخور بشارع ذاكرة بتطاوين الذي يكاد يصبح انجازه حُلمًا بالجنوب الشّرقي للجمهوريّة التّونسية، يحتلّ مكانة هامّة وذلك لكونه يهدف إلى تنمية التّراث الطّبيعي الموروث عبر حقبات التّاريخ المختلفة بجهة تطاوين  وصيانته من الإهمال من ناحية وتوظيفه في تجميل مداخل المدن واستغلاله في مختلف الأنشطة الثّقافيّة والعلميّة والتّنمويّة من خلال إعطائه بعدٍ اقتصاديّ في مجال تنويع المنتوج السّياحي الصّحراوي وبعث المسالك البيئيّة والأيكولوجيّة والسّياحيّة بتطاوين من ناحية ثانية. 
حديقة الصخور بتطاوين .. مرآة حقيقيّة لذاكرة الأرض
إنّ التّاريخ الطّبيعي بكلّ محتوياته ومكوّناته الجيولوجيّة والنّباتيّة والحيويّة يروي لنا عبر نماذجه المختلفة حلقة من حلقات ذاكرة الأرض وما شهدته من تقلّبات وأعاصير وزلازل ويحكي لنا كيف غمرت البحار والمياه العاتية هذه الأرض التي تهيّأت لاستقبال البشريّة عبر حقبات التّاريخ المختلفة وشكّلت بذلك ذاكرة الأرض مع ذاكرة الأجيال أهمّ المكونات الذّاتية والشّخصيّة وأصبحت حديقة الصّخور في هذا الإطار مرآة حقيقيّة تعكس كلّ ما حدث ويحدث عبر العصور للبشريّة والطّبيعة على حدّ سواء.
وإن تلك الملحمة المتمثّلة في ما نسمّيه اليوم بذاكرة الأرض توحي إلينا باقتباس كلّ ما هو موجود وممكن من التّركيبة الطّبيعيّة لجهتنا لمحاولة إعادة رسم هذه الذّاكرة وتجسيم معالمها في عروض جماليّة تندرج في سياق المجهود الوطني للعناية بالبيئة والمحافظة على المحيط وتجميل المدن وتهيئة الفضاءات من خلال توظيف التّراث الطّبيعي والجيولوجي في إحياء الشّواهد والمكوّنات الطّبيعيّة الصّخريّة منها والنباتيّة والحفريّات والرّسوم الصّخريّة وتقديمها في شكل حديقة جيولوجيّة معبرة .
 أهمّ مكوّنات وملامح مشروع حديقة الصّخور 
يمتدّ مشروع حديقة الصّخور بشارع ذاكرة الأرض على المسافة التي تفصل ساحة البيئة التي ينتصب بها تمثال الكرة الأرضيّة وصولا إلى متحف الدّيناصورات والمقر الاجتماعي الحالي لجمعية أحباء ذاكرة الأرض بتطاوين .
 وتشتمل مساحة الحديقة على كامل الفضاء الطّبيعي لوادي تطاوين والمنحدرات والجبال المحيطة به والمشرفة على شارع ذاكرة الأرض حيث يقع تصنيف هذه الفضاءات حسب الحقبات الجيولوجيّة والطّبقات الأرضيّة بمكوّناتها ومشاهدها الحيّة المتواجدة حول الحديقة.
وتجمع الحديقة الصّخريّة من ناحية أخرى ثلّة من المشاهد المصوّرة في شكل لوحات ومجموعات مختارة من الصّخور والأحفريات التي سيتمّ جمعها وعرضها بالحديقة خاصّة بالجانب الأيمن على امتداد الوادي الموازي لشارع ذاكرة الأرض.
وينتظر أن تتمدرس المكوّنات الطّبيعية للحديقة وإبراز عناصرها حسب تركيبة أفقيّة وعلويّة لجيولوجيّة المكان مع إعادة رسم لوحات مشاهدها السّالفة وحسب تدرّجها الزّمني بحيث تكون هذه الحديقة بمثابة سجلّ وثائقي حيّ لذاكرة الأرض وكذلك نموذجا لما يمكن إحداثه في أكثر من مكان ومحيط مدنيّ ضمن شبكة شوارع الأرض لمدننا السّاحليّة والدّاخلية على حدّ سواء انطلاقا من موروثها الطّبيعي.
ويندرج إنجاز هذا المشروع في إطار برامج إتمام شبكة المسالك الثّقافيّة السّياحيّة والبيئيّة وإثرائها حسب خصوصيّات ومعطيات كلّ جهة من مواقع ومعالم ومشاهد من التّراث الطّبيعي الفنّي المتنوع. 
جبال وسهول وأودية وصحاري وبراري وقعت دراستها وكشفها قد يتعيّن علينا الآن البحث عن كيفيّة استغلالها وتنميتها وتوظيفها كإحداث حدائق جيولوجيّة وصخريّة.
 أبعاد وفحوى مشروع إحداث حديقة الصّخور 
من جهة أخرى يرى مسعود يامون نائب رئيس جمعيّة أحباء ذاكرة الأرض بتطاوين المكلّف بالبيئة أنّ جهة الجنوب وخاصّة منطقة تطاوين تزخر بتراث جيولوجي متنوع ومتكامل يرجع إلى المكانة البيولوجيّة التي تحتلّها في الحقبة الأولى من الدّهر الجيولوجي وحسب السّلم الموضوع لذلك، حيث أنّ كامل الجهة كانت تقع على الضفّة الشّرقيّة الجنوبيّة لبحر التّيتيس وشمال القارّة الإفريقيّة القديمة التي تدعى القندوانة.
وقد تكوّنت سلسلة جبال الظاهر وأعالي سهل الجفارة من طبقات رسوبيّة تعتبر سجلاّ لقرابة 250 مليون سنة شملت كلّ الأزمنة من الحقبة الجيولوجيّة الأولى إلى الحقبة الرّابعة والحاليّة قد تخللتها تغيرات كثيرة مناخيّة وعوامل عدّة تنشيئيّة مثل عوامل التّرسب إثر عوامل الانجراف والغمر وتراجع بحر التّيتيس كعوامل التّصلّب وعوامل التّصخّر والتّرمّل كعوامل الهزّ والكسر أي التّكتونيك وبعض الزّلازل وما ينجرّ عنها من كسر وعجن وضغط وخفض وانهيار والتواء وتثنية إلى غير ذلك من ميكانيكيّة التّحركات الجيولوجيّة والجيومرفولوجيّة. كذلك فقد غيّرت تحرّكات المدّ والجزر البحريّة مستويات البحر المحيط وتبعها تغيّر لمواقع الشّريط السّاحلي.
وقد خلّفت لنا كلّ التّقلّبات المناخيّة والحراريّة المشفوعة بالحركات الجيولوجيّة المذكورة موروثا هامّا من الأحفريّات والبصمات التي تعتبر أكبر شاهد على الحياة البحريّة والبرّية ونوعيتها خلال الأحقاب الجيولوجيّة وعلى الصّخور التي تعتبر ألواحا لسجلّ وثائقي يروي لنا ذاكرة الأرض. ومبدأ هذه الحديقة هو في الواقع عبارة عن شريط مصوّر وحيّ لتلك الذّاكرة.
 أهم المراحل لإحداث وتجهيز حديقة الصّخور
يتضمّن مشروع إحداث حديقة الصّخور بشارع ذاكرة الأرض بتطاوين ثلاث مراحل أساسيّة وهي مرحلة التّهيئة ومرحلة الاحداثات ومرحلة التّجهيز ، حيث تتمثّل المرحلة الأولى في مسح المكان ووضع خرائط بيانيّة للفضاءات والمواقع التي ستشملها التّهيئة لدراسة المعروضات ووضع أمثلة بيانيّة للحديقة، وأشغال عامّة لتهذيب المكان وإزالة ما به من رواسب وأوحال وعقبات تهيئة الفضاءات والمحطات.
ويتمّ على مستوى الاحداثات تجميع المعروضات من صخور وأحفوريّات ولوحات ووضعها في الأماكن المعدّة لها حسب الدّراسة إلى جانب تجسيم المسلك وإعداد مستلزماته من بيانات ولوحات إعلاميّة وتوضيحيّة ثمّ تركيز المنصّات المعدّة للعروض السّمعيّة البصريّة النّاطقة للجبل والصّخور لتروي ذاكرة الأرض وإنجازات لمواقع من خلال عرض سمعي ضوئي. 
أما مرحلة التّجهيز فتشمــل مستلزمــات المحطّــات والمسلك من شبكة ميـاه ومغروســـات وجسور ومقاعد ووحدات ترفيهية ومستلزمات الإنارة إضافة إلى مستلزمات من أجهزة سمعيّة بصريّة للعرض السّمعي البصري والضّوئي. 
هل يدرج المشروع  ضمن مكوّنات الجيو-بارك ؟
أخيرا وليس آخرا  .. وفي إطار الحركيّة الكبيرة التي تشهدها ولاية تطاوين خلال السّنوات الأخيرة  في مجال توظيف الثّروة الجيولوجيّة والطّبيعيّة، التي تزخر بها الجهة، في خدمة السّياحة والتّنمية وطنيّا ومحليّا، من خلال الاعداد لنواة مشروع جيولوجي ضخم عنوانه الكبير «المنتزه الجيو سياحي»، نتمنى أن يدرج مشروع حديقة الصّخور  بتطاوين الذي تأجّل إنجازه لعقــود من الزّمـن ضمـن مكوّنــات مشروع الجيو-بــارك (Géo-park) الضّخم .
ويعتبر هذا المشروع هو الأوّل من نوعه في تونس على أن يتمّ بعد ذلك العمل على بعث مشاريع مماثلة في أربع جهات في الجمهوريّة التّونسيّة تتميّز بمواصفات المنتزهات السّياحيّة والجيولوجيّة المتّفق عليها عالميّا.