باختصار شديد

بقلم
البحري العرفاوي
في الأخلاق المعرفية
 «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا» الإسراء - 36
هذه الآية الكريمة نستخرج منها منهجا في المعرفة ومبدأ أخلاقيا في المعرفة.
(1) منهج في المعرفة
إنّ المعرفة لا يمكن أن تكون تقليدا أو ترديدا أو انقيادا إنّما هي تحصيل واعٍ متبصّر يُستعمل فيه العقل والحواس،فاللّه الذي كرّم هويّتنا الإنسانيّة بالعقل والحواس وبالحرّية الكامنة في جوهرنا لا يقبل لنا أن نكون «تُبّعًا» ـ وهذا تعبير قرآني ـ ولا يقبل لنا أن نكون منقادين مقلّدين إذ لا يستقيم ذلك مع معنى المسؤوليّة والحرّية والتّكليف. إنّ الواحد منا يكون «إنسانأ» طالما هو بصدد التّفكير والسّؤال والشّك والتّدبّر والنّقد والمراجعة، وهو لا يخرج عن كونه شيئا من الأشياء حين يتوقّف عن التّفكير وينقاد لإرادة غيره ورأي غيره حتّى وإن كان غيره على صواب، فالصّواب هو أن أتبنّى رأيا بوعي وإن كان خطأ لا أن أقلّد رأي غيري وإن كان صائبا. لا خوف على الذين يفكّرون حتّى وإن ابتدأوا خطأ، فالعقل الذي أحسن اللّه تصميمه سيقود صاحبه في النّهاية إلى «الحقيقة» أو «الصّلاح» وسينتهي إلى مقاصد الشّرع سواء بتأمّل الشّريعة أو بتقليب المواقف والإجراءات «فالعقل كالأسّ والشّرع كالبناء ولن يُغني أسٌّ ما لم يكن بناءٌ ولن يثبت بناءٌ ما لم يكن أسٌّ، فالشّرع عقل من خارج والعقل شرع من داخل». هكذا تكلم فيلسوف الإسلام أبو حامد الغزالي.
(2) أخلاق المعرفة
تُعلّمنا الآية الكريمة أن نكون أمناء في نقل المعلومة أو الفكرة أو الصّورة معتمدين عقولنا وأبصارنا وأسماعنا مباشرة لا تقليدا ولا ترديدا، ولا يكفي «ثقتنا» بالغير فالحقيقة تقتضي أن نثق أكثر بأنفسنا حين نقتنع وحين نرى وحين نسمع، ليس في الأمر سوء ظنّ بنوايا النّاس وإنّما هو شكّ في ما قد يكون سوء تقدير أو سوء فهم، فمن الأخلاق عدم الاستهانة بنقل أخبار أو أفكار لسنا واثقين من صحّتها ولا ندري ما قد يترتّب عنها في البناء الذّهني والنّفسي لدى الآخرين ولا ندري أيضا ما يترتّب عنها من أحكام ومواقف وردود فعل تطال علاقات النّاس في المؤسّسات والأسر والمجتمع والدّولة وغيرها من مستويات العلاقات.