تأملات

بقلم
فاطمة المصمودي
بلاغة اللّفظ في القرآن الكريم اللّفظ «أجد»
 عندما تأمّلت قول اللّه تعالى:«وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ»(1)، تبادر إلى ذهني السّؤال التالي: «لماذا قال يعقوب إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ولم يقل إنّي أشمّ ريح يوسف»؟ وعندما بحثت في معنى «وجد» كان كالتالي: «وجد مطلوبه وجْدا ووُجدا وجَدَةً ووجودا ووجدانا أصابه وأدركه وظفر به وعثر عليه. والوجد هو الشغف والحبّ. أمّا لفظ «شمّ» فهو يخصً حاسّة الشّمّ وهي إحدى الحواسّ الخمس وهي حاسّة إدراك الرّوائح بواسطة الأنف.
و هنا نرى أنّ اللّفظ «أَجِدُ» قد عبّر تماما عن شعور يعقوب نحو يوسف والذي يتجاوز الحواسّ إلى الرّوح والوجدان. والشمّ حسّي وليس فيه المعنى الرّوحي ومعنى الوجد. كذلك فإنّ لفظ «وجد» قد عبّر بدقّة كبيرة عن عثور يعقوب على يوسف بأمر من اللّه «كن فيكون» وعلى بعد مسافة كبيرة جدّا من البشير.
اللّه سبحانه وتعالى لم يجعل يعقوب يشمّ ريح يوسف بل جعله يجدها أمرا واقعا وحاصلا بالفعل، فسبق أمر اللّه وقوع الفعل حقيقة وهو عثور يعقوب على يوسف وهو ماجاء على لسان يعقوب « إنّي لأجد». كما أنّ لفظ «وجد» يحمل في ذاته معنى المطلوب والمطلوب هنا هو يوسف. كما أنّه ضدّ لفظ أضاع، وهو يتوافق تماما مع القصّة، فقد أضاع يعقوب يوسف في ما مضى وهو الآن يجد ريحه تسبقه، فيوسف الآن موجود. لقد جاء اللّفظ «أجد» معبّرا عن يقين يعقوب وثقته باللّه. ولذلك قال يعقوب «لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ» ، فلولا أنّهم يفنّدونه ولايزالوا يظلّونه رغم أنّ قدر اللّه قد سبق التّفنيد، فجاء في لفظ «أجد» وقضي الأمر الذي فيه يستفتون. و«لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ» هنا ليست بمعنى أن تكذّبوني وإنّما والله أعلم بمعنى إذا لم تحولوا بيني وبين يوسف كما فعلتم في الماضي ولذلك كانت إجابتهم: «قَالُوا 
تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ»(2) أي لا يـزال يوسف أحــبّ إليك ولازلت ترى أنّنـا لسنا 
من الصّالحين وتعتبر أنّنا نحول بينك وبين يوسف.
الهوامش
(1) سورة يوسف - الآية 94
(2) سورة يوسف - الآية 95