حوارات

بقلم
حميد السراوي
حوار مع مع الدكتور محمد سليم العوا
 (1)
س: فضيلة الدكتور محمد سليم العوا أنتم من كبار الشّخصيات المشاركة في ‏الدّورة العلميّة «مقاصد الشّريعة الإسلاميّة في ضوء السّنّة النّبوية» هل يمكن ‏أن تقرّبوا القرّاء والمهتمّين من أهداف هذه الدّورة العلميّة؟ ‏
ج: بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد للّه والصّلاة والسّلام على رسول اللّه، وبعد، ‏فإنّ المتّفق عليه عند علماء الإسلام أنّه ليس في الإسلام حكم إلاّ وله ‏مقصود محدّد من جلب مصلحة للنّاس أو دفع مفسدة عنهم، وقد اتفقت كلمة ‏العلماء منذ العزّ بن عبد السلام على أنّ درء المفسدة مقدّم على جلب ‏المصلحة،فإذا استطعنا أن نلخّص الأمر في كلمتين يسيرتين على القارئ، نقول أنّ مقاصد الشّريعة كلّها ترمي وتؤول إلى تحقيق مصالح النّاس ومنع ‏وقوع المفاسد بالخلق. ‏
من هذا الباب، باب الوصول إلى مبتغى الشّريعة، يجري البحث في ‏مقاصد الشّريعة الإسلاميّة في ضوء السّنّة كما يعبّر عنوان النّدوة، ليست ‏مقاصد للسّنّة، لأنّه ليس للسّنّة مقاصد خاصّة وللفقهاء مقاصد خاصّة ، ‏فالموجود مقاصد شريعة تعبّر عنها آيات القرآن وتعبّر عنها السّنّة النّبويّة ‏ويعبّر عنها الفقهاء المجدّدون إلخ... فهذه الدّورة هي الرّابعة في سلسلة ‏دورات مضى قبلها ثلاث دورات في القرآن الكريم في تعبيره عن المقاصد، ‏ثمّ الدّورة الرّابعة في السّنّة وأعتقد أنّه ستتلوها دورة أو دورات أيضا في السّنّة ‏وكيفيّة بيان هذه المقاصد، لأنّ ضبط النّاس لأصول القرآن والسّنّة أمر ‏ييسّر عليهم فهم الدّين، ويحملهم على حبّه واتباعه، بينما ربط النّاس بكلام ‏المشايخ والعلماء مع إجلالنا واحترامنا لهم، فهذا ممّا يحتمل الأخذ والرّد، كلّ إنسان يؤخذ من كلامه ويردّ إلاّ صاحب هذا القبر(محمد ﷺ)، هذا كلام الإمام مالك ،فلكي لا ندخل فيما يؤخذ به ويترك، نحاول أن ‏نردّ النّاس إلى أصول مقاصد الإسلام كما عبّرت عنها المصادر.‏
(2)
س: فضيلة الدكتور، اختيار هذا الموضوع كما أشرتم يوحي ‏بوجود إشكال في الواقع عند المجتمع بخصوص الفهم والتّنزيل في التّعامل ‏مع السّنّة النّبوية، أليس كذلك؟
ج: نعم هو كذلك، يوجد إشكال كبير في التّعامل مع السّنّة النّبويّة لأنّ النّاس ‏وقفوا في مفترقات طرق متعدّدة، فمنهم من يقول لا فائدة من السّنة ‏لأنّها متعلّقة بالرّسول ﷺ وبعهده وبما فعله وأمر به ونهى ‏عنه ولا تصلح لزماننا، فهؤلاء نسمّيهم منكري السّنّة. ‏
هناك أناس يقولون نعم، السّنّة من مصادر التّشريع، لكن بشرط ما يقبله ‏العقل نأخذ به وما يرفضه العقل لا نأخذ به، فهؤلاء جعلوا أنفسهم معيارا على ‏كلام النّبي ﷺ وهذا من أكبر الأخطاء. ‏
هناك أناس أكثر ذكاء، قالوا نحن نبحث عن مقاصد السّنّة ولا نبحث ‏عن نصوصها واتخذوا المقاصد وسيلة وذريعة لترك النّص الأصلي وترك ما ‏نطق به الشّارع ﷺ أو ما نطق به من قبل القرآن الكريم، ومواجهة هؤلاء بالأخذ والرّد غير العلميين، أو الأخذ والرّد العاطفيين لم تنتج شيئا، وإنّما يجب مواجهتهم بعمل علميّ مدقّق، وهو ماسعينا إليه في ‏دورات القرآن الكريم ونسعى إليه الآن في دروة السّنّة. ‏
(3)
س: كيف نجمع بين النّص والحكم ؟
ج: نجمع بين النّص والحكم بتحقيق مقصد الحكم لا بإلغاء المقصد أو بإلغاء ‏الحكم.‏
(4)
س: فضيلة الدّكتور، هناك قضايا كثيرة تحتاج إلى حضور السّنّة منهجا ومقصدا، ‏نصّا وروحا كقضايا الحرّيات العامّة، قضايا المرأة، العلاقات الدّوليّة، مستجدّات ‏الحياة المعاصرة التي يجد فيها بعض العلمانيّين موطأ قدم بسبب غياب ‏اجتهادات رصينة، فكيف ننطلق من السّنّة لتقديم حلول ومقاربات واقعيّة ‏لهذه القضايا؟
ج: لابدّ من تطوير الواقع المعاصر وأقصد به تحسين أحوالنا وتغيير ‏طباعنا وعاداتنا التي اكتسبناها من زمن الاستعمار والاستبداد إلى طباع ‏وأحوال وأخلاق وتصرّفات تتلائم مع أزمان القضيّة التي يعيشها العالم ‏الآن، فالعالم كلّه يتقدّم في كلّ مجال ونحن واقفون في مكاننا لا نغادره. ‏فكيف نغادره؟ نحاول أن نقنع النّاس لمغادرته عن طريق إبراز دور السّنّة ‏النّبوية في إظهار مقاصد الشّريعة وتحقيقها لكي نحمل النّاس بالحسنى ‏وبالإقناع على تطوير حياتهم من حال سيئ إلى حال حسن.‏
(5)
س: فضيلة الدكتور، بصفتكم باحثا في قضايا الفكر الإسلامي منذ ‏عقود،  كيف تنظرون إلى قضيّة تجديد الفهم للسّنّة النّبويّة؟ ‏
ج: الذي يطالب به كثير من النّاس لا سيّما بعض من ذكرت من العلمانيّين ‏وغيرهم ما يسمّونه بتجديد الخطاب الدّيني، وهم لا يعنون بالخطاب الدّيني ‏كلام العلماء، وإنّما هم يريدون في واقع الأمر -كما يعبر عنه الشّجعان منهم - محو هذا الخطاب الدّيني، يريدون ألاّ يكون للخطاب الدّيني ‏علاقة بالمجتمع ولا بالحكومة ولا بالنّاس ولا بالتّشريع ويسمح للدّين أن ‏يبقى محصورا في المسجد إذا بقي هناك مسجد.‏
الردّ على هؤلاء بالتّنظير والفلسفة والمجادلة قائم وموجود وهناك من يقف ‏على هذه الثّغرة من العلماء ويسدّها بكفاءة، لكن هناك ردّ آخر مطلوب، هو ‏الذي نسعى إلى أن يكون جهدنا مؤدّيا إليه، وهو ردّ متعلّق بالنّاحية العمليّة، ‏ردّ متعلّق بالفائدة التي تعود على المجتمع من خلال اتباع السّنّة النّبويّة.
فكما تفضّلت في قضيّة مثل الحرّيات، مثل حقوق المرأة وحقوق المغايرة ‏عرقيّا أو دينيّا، ما يسمّونها بالأقليّات- وأنا أرفض تسميتها بالأقليّات ولا ‏أقبله-فهذا لا يمكن أن يتمّ إلاّ باستصحاب السّنّة النّبوية، فهي التي عاشت مع ‏المشركين في مكّة المكرّمة، وعاشت مع النّصارى واليهود والمشركين في ‏المدينة المنوّرة، وعاشت مع أمم الأرض كلّها في الفتوحات الإسلاميّة منذ ‏عهد أبي بكر رضي اللّه عنه إلى أن انتهت الفتوحات، فإذا لم نستصحب هذه ‏الطّريقة وهذا المنهج في السّنّة الصّحيحة فلن نصل إلى مانريد، فهذا هو ‏غرضنا، وهذه هي الكيفيّة التي نستفيد بها من السّنّة في تطوير أحوالنا.‏
(6)
س: في هذه النقطة على سبيل إجابتكم على هذا الجانب العملي هناك أيضا في ‏الاتجاه المخالف دعوات مغرضة تطعن في مصادر السّنّة ،فكيف تنظرون إلى ‏هذه القضيّة، فهل تكفي فيها الرّدود أم إنّ هناك بدائل حضاريّة بانية لعلاج ‏هذه الشّبهات؟
ج: دعني أقول لك أمرين:‏
الأمر الأول: إنّ الذين يشكّكون في مصادر السّنّة ليسوا إلاّ كما قال الشّاعر: ‏
كناطح صخرة يوما ليوهنها       فلم يضرّها وأوهى قرنه الوعل
فهذا أمر لا نتيجة له، النّاس تلقّت هذه السّنّة النّبوية المدوّنة بالقبول من ‏القرن الثّاني وقت بداية التّدوين إلى اليوم ولن يمكن هدم هذه المصادر، نعم ‏هناك أصوات من هنا وهناك ....‏
فهؤلاء الأئمة الكبار من البخاري ومسلم والترمذي.... وغيرهم من أئمة ‏الحديث الكبار، هؤلاء قدّموا للإسلام أعظم خدمة فلا يكاد يعزب عنّا حرف ‏من تراث النّبي ﷺ فهؤلاء انقطع عملهم، لكن أراد اللّه أن ‏يتّصل أجرهم ،هذا عن الجواب الأول. ‏
‏  الجواب الثاني: هم ينتقدون البخاري أو مسلم أو غيرهما، ينتقدون حديث أو ‏اثنين أو ثلاثة، ونحن نعمل بهذه الأحاديث بقدر فهمنا لها وبقدر تعلّقنا بها، ونعمل بهذه الأحاديث بقدر فهمنا لمقاصدها فنحاول أن نحقّق المقصد ولو ‏لم يكن النّص حرفيّا هو محلّ متابعة ،أي أنّ المقصد ينبغي أن يكون محلّ ‏عمل ومتابعة ،فنحن نمشي على هذه الخطّة ولعلّ اشتغالنا بحول اللّه في ‏السّنة القادمة بتحويل عملنا في السّنّة النّبوية إلى عمل نافع للمجتمع في ‏تطويره وتحسين أوضاعه سيكون أبلغ ردّ على هذه الدّعوات.‏
(7) 
نودّ أن تقدّم فضيلتكم كلمة أخيرة لعموم المتابعين والمهتمين والقرّاء، كيف ‏ينتفعون من السّنّة، من السّيرة في تحقيق الاهتداء في الحياة؟‏
أنا أقول للمسلمين في العالم كلّه...... إلى أن يتتبّعوا السّنّة العمليّة لرسول ‏اللّه ﷺ فمثلا سنّة  إقراء السّلام، وكنّا تربّينا على شيوخنا ‏أن نُقرِئ السّلام على من عرفنا وعلى من لا نعرف، لأنّ إقراء السّلام يفشي ‏المحبّة قال ﷺ (لا تدخلوا الجنّة حتّى تحابوا، أولا أدلّكم على ‏شيء إذا فعلتموه تحاببتم، قالوا بلى يا رسول الله :قال أفشوا السّلام بينكم) ‏فهذه سنّة عمليّة.   ‏
كان رسول اللّه ﷺ يتفقّد المرأة والمسكين والفقير ومن ‏عنده حالة وفاة ومن عنده نقص في أموره المعيشيّة، فإمّا أن يرسل إليهم ‏وإمّا أن يكلّف من يقوم بشأنهم، فهذا التّكافل الاجتماعي العملي ينبغي أن ‏يُقام به.‏
وممّا أدعو إخواني وأخواتي إليه ألاّ يسرفوا في انتقاد العصاة وألاّ يبالغوا ‏في ذمّهم واتهامهم بما ليس فيهم، ثمّ الدّعاء لهم والاستغفار لهم، لأنّه لابدّ من التّراحم لأنّ كثرة الانتقاد والسّب والشّتم تثير ‏البغض ونحن لا نريد الفرقة والتّباغض، ولم يجتمع النّاس إلاّ على الحبّ، ‏وهذا الحبّ طريقه الصّحيح اتباع سنّة النّبي ﷺ في تعامل ‏النّاس بعضهم ببعض.