أهل الإختصاص

بقلم
أ.د.فوزي أحمد عبد السلام
كنوز الطّبيعة مختزنة في معادلات الرّموز الثّلاثة‎ ‎[1]‎‏ معادلة لابلاس ‏
 معادلات الرّموز الثّلاثة
لا شيء يدعو للتّعقيد، كلّ الأمور البسيطة تبدو جميلة جدّا، وليس كلّ بسيط في المبنى سطحيّا، ‏فشتّان شتّان ما بين السّطحيّة والبساطة، ففي الأولى تبدو الحقائق فيها مسطّحة جدّا، مجتثّة الجذور أو ربّما بدون جذور على ‏الإطلاق، بينما في الثّانية يبدو التّناغم واضحا جدّا بين ما يدور على السّطح في العالم المشاهد، وبين ما يمكن أن نتنبّأ بحدوثه في ‏منطقة الجذور، حيث الغيب النّسبي، وهنا تلعب الرّياضيّات لعبتها المفضّلة «معرفة المجهول في النّظام من المعلوم فيه». وحين ‏يغيب الفهم العميق للرّوابط بين ما يدور على السّطح المرئي وبين الجذور المخفيّة تتعقّد العلاقات، لذلك تمرّ الحقائق الكبيرة من ‏بين فكّي المعادلات الصّغيرة جدّا، فثمّة معادلات من ثلاثة رموز لكنّها تختزن بداخلها الحقائق المدهشة عن الكون، ففي معظم هذه ‏المعادلات ثمّة متغيّران مرتبطان أو متناسبان طرديّا أو عكسيّا بثابت تناسب بينهما، ففي أقصي اليمين تنبئنا معادلة «نيوتن» عن ‏القوّة وعلاقتها بالتّسارع «العجلة»، وثابت التّناسب بينهما هو الكتلة، ومن البديهي جدّا أن ترتبط القوّة بالسّرعة، لكنّ الفهم العميق ‏لطبيعة العلاقة بينهما تخبرنا أنّ القوّة ترتبط ارتباطا عضويّا بالتّغيّر في السّرعة وليس بالسّرعة نفسها، ثم لا يكون التّغيّر في ‏السّرعة في نفس اتجاه السّرعة إلّا إذا كانت الحركة خطّية، لكن في الحالة العامّة حيث الحركة في مسار منحنٍ، يكون التّغيّر في ‏السّرعة عموديّا على السّرعة نفسها. وفي أقصى اليسار تنبؤنا معادلة «ماكس بلانك» بأنّ الطّاقة والتردّد يتناسبان بثابت بلانك. حتّى ‏معادلة «أينشتين» الشّهيرة والتي تربط الطّاقة بالكتلة وتنبئنا عن تكافئهما فثابت التّناسب بينهما هو مربّع سرعة الضّوء. تمثّل هذه ‏المعادلات أثمن ما امتلكه العلم على الإطلاق إلى الآن من نماذج. 
إنّها اللّغة التي نحاول بها أن نفهم الطّبيعة، ومن جمالها الرّائع أنّها ‏تستخدم لأكثر من ظاهرة، والأعجب أنّ هذه الظواهر تبدو متباعدة جدّا. سنأخذ مثالا واحدا فقط وهي «معادلة لابلاس» المنسوبة ‏للرّياضي والفيزيائي والفلكي الفرنسي «بيير سيمون لابلاس»، صورتها الرّياضيّة يعرفها كلّ من له اهتمام بالعلوم الرّياضيّة ‏والفيزيائيّة وهي 0 ‏‎= ‏‎ φ s2‎‏‎، إنّها تنمذج الكثير جدّا من الظّواهر في الطّبيعة، نجدها في مجال الجاذبيّة «التّثاقل»، وفي مجال ‏الكهرومغناطيسيّة، وفي ميكانيكا الموائع، وفي الحرارة، والانتشار والحركة البراونيّة وكذلك ميكانيكا الكمّ‎.‎‏ إنّها تعدّ حالة خاصّة ‏من معادلة «هلمهولتز» وحالة خاصّة من معادلة «بواسون». في هذه المعادلة تمثّل ‏φ‏ الشّيء الخاضع للدّراسة، أمّا المثلث المقلوب وفوقه ‏علامة التّربيع فهو عمليّة رياضيّة تسمى «اللابلاسيان»، برغم بساطتها الرّياضيّة، إلاّ أنّها تختزن الكمّ الكثير من المعلومات، فهي ‏مركّبة من عمليّتن رياضيّتين، هما على التّوالي حساب التّدرّج‎ ‏Gradient ‎‏  ثمّ التّباعد  ‏Divergence‏.‏
المؤثّر التّفاضلي الإتجاهي‎ «التّدرّج» ‏
قبل الدّخول إلى معرفة كيفيّة عمل مؤثّري التّدرج‎ ‎والتّباعد بشكل عام، نعرف أوّلا الحقول القياسيّة هي تلك الحقول التي ‏توصف رياضيّا بدوال في الكميّات القياسيّة، والتي تتحدّد بمقاديرها فقط، وكأنّها «دوال في الإحداثيّات فقط ويجب أن ينظر إلى ‏الإحداثيّات بمنظور عام وهو الكمّيات اللاّزمة لوصف حدث معيّن» بخلاف حقول المتّجهات التي تعتمد على كميّات متّجهة تحتاج ‏في معرفتها إلى المقدار والاتجاه. وقبل أن ندخل إلى معرفة مؤثّر التّدرج في فضاء متعدّد الأبعاد، نحاول التّعرف على حساب ‏التّدرج لدالة في متغيّر واحد «يسمّى المتغيّر المستقلّ». إنّه ببساطة مقدار التّغيّر في هذه الدّالة إذا تغيّر متغيّرها المستقل بمقدار ‏طفيف جدّا جدّا «بمعنى تغيّر يؤول مقداره إلى الصّفر»، أي مانسمّيه بالمشتقة الأولى، وهو يمثّل عدديّا بميل المماس للدّالة عند ‏نقطة ما، وإشارته تمثّل اتجاه تقدّم منحني الدّالة، إلى أعلى أم إلى أسفل أم مواز للمحور الأفقي، هذا الميل يفسّر فيزيائيّا بأشياء ‏كثيرة جدّا حسب فضاء المسألة، فمثلا إذا كان الفضاء هو (الزّمن - المسافة) فالميل هو السّرعة، وإذا كان الفضاء هو فضاء ‏‏(الزّمن - السّرعة) فالميل هو التّسارع «العجلة»، وإذا كان الفضاء هو (الزّمن – حسابك البنكي أو ميزانيّة شركتك) فالميل هو ‏المكسب أو الخسارة. ولتعميم ذلك لدالة في أكثر من متغيّر يتحوّل مؤثّر الاشتقاق إلى مؤثّر تفاضلي اتجاهي بحسب أبعاد الفضاء ‏التي تسكن فيه الدّالة. وحينئذ يؤثّر التدّرج على الحقول القياسيّة فينتج حقولاً متّجهة، أي أنّه قد أشبعها صفة الاتجاه، تساعد تلك ‏الصّفة على تحديد اتجاه التّغيّر في تلك الحقول في الاتجاهات المختلفة، لذلك من الممكن فهم أن مؤثّر التّدرج هو مؤثّر تفاضلي ‏اتجاهي، من خلاله نستطيع حساب التّغيّر «التّفاضل» للدّوال في أكثر من متغيّر بالنّسبة للأبعاد الثّلاثة‎(x, y, z) ‎، فمثلا عند ‏حساب تدرّج المجال المغناطيسي، نحسب معدل «قيمة» واتجاه تغيّرحركة شحنة «جسم اختباري ‏Test Particle‏» تتحرك في ‏هذا المجال في الأبعاد الثّلاثة للفراغ. 
ببساطة إذا تصوّرنا أعقد السّطوح مكوّنا من شبكة تربيعيّة بها عدد لا نهائي من «المربعات ‏المتناهية الصّغر» فإنّ حساب التّدرج هنا ليس ببساطة الدّالة التي في متغيّر واحد والتي تمثل بمنحنٍ في الفراغ والتي يكون التّغيّر ‏فيها ممثلا بالخطّ المستقيم المماس للمنحني، بينما إذا كانت الدّالة في أكثر من متغيّر فإنّها حينئذ تمثّل بسطح، فإذا تمّ تقسيم هذا ‏السّطح إلى عدد لا نهائي من المرّبعات الصّغيرة جدّا المتناهية الصّغر، فيكون أحد أضلاعه في اتجاه محور ‏x‏  (تكون ‏y‏  ثابتة ‏عليه) والآخر في اتجاه  ‏y‏  (تكون ‏x‏  ثابتة عليه)، فإذا حسبنا التّغيّر في اتجاه  ‏x‏  فإنّ ‏y‏ تكون ثابتة عليه، وبالمثل  فإذا حسبنا ‏التّغيّر في اتجاه  ‏y‏  فإنّ ‏x‏  تكون ثابتة عليه، وهنا يمكن اعتبارهما مركبتي التغير الكلّي الذي يتقدّم السّطح نحوه، أي يعطيك ‏المتّجه الذي يسير تغيّر الدّالة في اتجاهه. ‏
التباعد وكثافة الفيض
‏ أما حساب ‏‎ ‎التّباعدDivergence ‎‏ فهو يؤثّر على الحقول المتّجهة وينتج عنه حقل قياسي، وبعض معانيه أنّه يقيس ‏كيفية تباعد المجال عند نقطة ما في الحقل الاتجاهي. فإذا كان التّباعد موجبا سميت هذه النقطة مصدرا «مثل خرطوم المياه ‏وخطوط التّدفق تنساب منه، أو القطب الجنوبي المغناطيسي للأرض وخطوط الفيض المغناطيسي تنساب منه»، وإذا كان التّباعد ‏سالبا سميت هذه النقطة مصرفا «مثل بالوعة تصريف المياه وخطوط التّدفق تنساب إليه، أو القطب الشّمالي المغناطيسي للأرض ‏وخطوط الفيض المغناطيسي تدخل فيه» وإذا كان التباعد صفرا فهذا يعني أن الحقل المتجهي‎ ‎بلا مصدر‎ ‎ولا مصرف، أو ‏المصرف يكون مصدرا والعكس بالعكس، ويسمّى الحقل في هذه الحالة‎ ‎حقلا متجهيا ملفياSolenoidal ‎‏ لأنّه ليس له بداية ولا ‏نهاية. ومن الأمثلة على ذلك‎ ‎المجال المغناطيسي للأرض، فعند قياس تباعده تكون نتيجته صفرا لأنّه يخرج من القطب الجنوبي ‏ليدخل في الشّمالي خارج الأرض والعكس داخل الأرض، ففي كل نقطة يخرج منها ليعود إليها، وهذا ما أكد استحالة ‏وجود‎ ‎مغناطيس أحادي القطب.‏
اللاّبلاسيان كمقياس متوسط للتقوس
في معادلة لابلاس يمثّل اللاّبلاسيان ‏‎s2‎‏ حاصل الضّرب الدّاخلي لمؤثّر التّدرّج في نفسه. وهو أشبه ما يكون بتعميم مفهوم ‏المشتقّة الثّانية التي تقيس مقدار انحناء دالّة في متغيّر واحد، لكنّه هنا يقيس متوسّط الإنحناءات في الاتجاهات المختلفة، بمعنى آخر ‏يقيس اللاّبلاسيان التّوازن بين الزّيادات والانخفاضات في إنحناءات الفراغ في قيم المجال الخاضع للدّراسة، ولا يهمّ هنا الاتجاه ‏الذي تسير فيه، فإذا كنت مثلا في حقل الجاذبيّة الأرضيّة وأنت على سطح الأرض في منطقة تضاريسها جبليّة جدّا، فإذا كنت في ‏أخفض نقطة في الوادي وأردت حساب التّغيّر، فليس أمامك من أيّ اختيار سوى الصّعود وفيها تكون قيمة اللاّبلاسيان موجبا، ‏والعكس بالعكس إذا كنت في أعلى قمّة جبليّة فليس أمامك سوى النّزول وحينها يكون التّغيّر سالبا. فإذا كان الأمر كذلك وكانت ‏هناك نقاط تتعادل فيها خيارات الصّعود وخيارات النّزول بالقدر ذاته فعندها يصبح قيمة اللاّبلاسيان صفرا، وهي مثل النّقاط التي ‏تمثّل نقاط عظمى وصغرى في نفس الآن «مثل النّقاط المعروفة بالنّقاط السّرجيّة». لذلك مثلا أصبح النّوم لمدّة طويلة في وضع ‏أفقي مع الجاذبيّة أكثر راحة حيث تكون تأثير التّغيّرات في الحقل التّثاقلي على الجسم البشري مساوية للصّفر تقريبا.‏
غشاء الصابون أقل مساحة يحدها منحن مغلق
ربّما لا يساعد المثال السّابق «سطح الأرض» حيث التّعرج والنّتوءات كثيرة على الفهم الجيّد لمؤثر اللاّبلاسيان لكنّه ‏مهم لإحساسنا به جيدا. لكن غشاء الصّابون يساعد في استكمال الفهم للموضوع، التّجربة أكثر من بسيطة، اغمر سلكا خفيفا في ‏ماء وصابون وستلاحظ تكوّن غشاء خالٍ من أيّ نتوءات، أملس لدرجة أنّك لا تستطيع لمسه، فقط تستطييع رؤية ملاسته بالعين، ‏حرّك الماء بشكل دائري قليلًا وستلاحظ أنّك لا تستطيع تحديد موقع السّلك، حيث يبدو الصّابون أعلى من أعلى نقطة فيه، أو ‏أخفض من أخفض نقطة فيه أيضا، يا للعجب. من أيّ منظور، تقع الأجزاء الأعلى والأخفض على حدود السّلك بالضّبط، وهو في ‏الرّياضيّات ما نسمّيه الشّروط الحدّية. 
لقد تشكّل هذا الغشاء أصلا بسبب ظاهرة التّوتّر السّطحي. لكن يمكن وصفه والتّنبؤ به تمامًا ‏عن طريق معادلة لابلاس. وبالمناسبة فإنّ هذه المعادلة هي نفسها التي درس بها لابلاس النّظام الشّمسي، بهدف الإجابة عن سؤال ‏جال بذهنه حول استقرار منظومتنا الشّمسية، فهل سيأتي يوم وتترك فيه الأرض مدارها حول الشّمس وتضلّ طريقها في الفراغ؟. ‏أو تخيّل قطعة مشحونة من المعدن في مساحة فارغة، فعادةً، لا يوجد جهد كهربائي في الفراغ، لكن في هذه الحالة الفراغ القريب ‏جدًا من المعدن سيحصل على جهد مماثل جدًا للمعدن نفسه. إذا ابتعدنا سيصبح الجهد صغيرًا، لكن عند نقطة لانهائيّة البعد سيكون ‏مساوياً للصّفر فعلًا. عندما تتحرّك مبتعدًا عن المعدن لن يكون هناك أيّ قمم أو هبوطات حادّة لأنّه لا يوجد شحنات أخرى بالقرب ‏لتتسبّب بارتفاع الجهد الكهربائي. لذلك سينخفض الجهد تدريجيًا. وهذا يعيدنا إلى لابلاس. لإيجاد الجهد الكهربائي في أيّ مكان من ‏الفضاء الذي تسبّبه هذه القطعة من المعدن تحتاج فقط لحلّ معادلة لابلاس.‏