الأولى

بقلم
فيصل العش
في انتقال الإسلاميّين من موقع الدّفاع إلى موقع البناء
 (1)
كان تمرّد التّونسيّين على نظام  الحكم الاستبدادي قبل تسع سنوات من الآن لحظة تاريخيّة فاصلة وحدثا جللا جلب اهتمام العالم بأسره. وبالرّغم من نتائجها السّلبيّة العديدة، يمكن اعتبار الثّورة التّونسيّة الجديدة نهاية مرحلة «الدّولة الوطنية الأولى» التي أرست دعائمها طبقة سياسيّة متعالية عن شعبها مبهورة بما وصل إليه الغرب من تقدّم وازدهار، فحاولت - دون نجاح - نسخ تجارب الآخرين واعتمدت في ذلك على أجهزتها الدّعائية والإيديولوجيّة والقمعيّة لإحداث التّغيير الثّقافي والاجتماعي، في سياق متوتّر وصراعي، مبني ظاهريّا على القطيعة مع الماضي. وبالتالي يمكن اعتبار هذه الثّورة تدشينا لمرحلة «الدّولة الوطنيّة الثّانية» التي سيبنيها التونسيّون من خلال ممارسة حقّهم في اختيار من ينوبهم في تأثيث أجهزة الدّولة المعبّرة عن هويّتهم وتطلعاتهم. 
ومن بين ما أظهرته إلى حدّ الآن هذه الثّورة وتجربتها الدّيمقراطيّة النّاشئة، تراجع نفوذ التّيارات الحداثيّة العلمانيّة، وارتفاع أسهم تيّار التّمسك بالهويّة الذي تقف وراءه قاعدة شعبيّة كبيرة. وقد نجح هذا التيّار لعقود عديدة بالرغّم من القمع والهجمات الشّرسة عليه من طرف الأنظمة المستبدّة في المحافظة على وجوده وكسب ودّ نسبة كبيرة من النّاس وتعاطفها وهو ما يعني نجاحه في المهمّة الدّفاعيّة بشكل لافت للنّظر. 
لكنّ، ونحن على مشارف العقد الثّاني من الثّورة وبعد تجربة هذا التيّار في الحكم أو المشاركة فيه ممثّلا في أكبر فصائله وهو «حركة النّهضة»، يحقّ لنا أن نتساءل عن مدى قدرته على الانتقال من مهام الدّفاع التي نجح فيها في مرحلة سابقة إلى توفير متطّلبات البناء في المرحلة الجديدة، وعلى رأسها مشروع ثقافي ينشد التّغيير في السّلوك وفي نمط العيش ومشروع إقتصادي اجتماعي ينشد الخروج من واقع التّخلف والتّجزئة والتّبعيّة إلى واقع التقدّم والوحدة واستقلال القرار الوطني ومن حالة القهر والفقر والتّهميش إلى حالة الكرامة والرّفاه والتّشاركيّة. 
(2)
ونحن نحاول الإجابة على التّساؤل المطروح، سنترك جانبا نظريّة المؤامرة الخارجيّة والدّاخليّة بحكم أنّ المؤامرات في حدّ ذاتها هي أمر واقع وهي أحد العناصر الحاضرة في كلّ عصر وحين وبالتالي فلا لزوم للتّذكير بها أواعتمادها شمّاعة نعلّق عليها أسباب الفشل . 
في العموم، يمكن أن نستنتج من خلال ما جرى في تونس خلال السّنوات التّسع التي كان فيها «الاسلاميّون» من خلال أكبر فصائلهم أي «حركة النهضة» شريكا في الحكم، وجود ضعف فادح يرتقي في بعض الحالات إلى الفشل في انتقال «التّيار الإسلامي» من موقع الدّفاع والمعارضة إلى موقع البناء، ومن موقع الشّعارات إلى موقع الفعل الميداني. 
فباستثناء نجاحها في ميدان المناورة السّياسيّة الذي جنّب البلاد كوارث كادت تعصف بالثّورة وتُدخل البلاد في دوّامة العنف التي لا تحمد عقباها، ونجاحها في صدّ محاولات النّكوص إلى الوراء وتدمير المنجزات السّياسيّة التي أمكن تحقيقها، وباستثناء محافظتها على رصيد انتخابي جيّد برغم تقلّصه من محطّة انتخابيّة إلى أخرى، وكلّ هذا يمكن أن يصنّف في خانة «موقع الدّفاع»، فإنّ «حركة النّهضة» بصفة خاصّة والإسلاميين بصفة عامّة فشلوا في تحقيق تغيير يذكر على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثّقافي.
سندع المسألة الاقتصاديّة جانبا بحكم ارتباطها بممارسة السّلطة، ذلك أنّ النّهضة لم تتمكّن من ممارسة الحكم بمفردها وتطبيق البرامج التي اقترحتها في كلّ حملة انتخابيّة، وإن كان لنا رأي نقدي في مئات النّقاط التي تضمّنتها تلك البرامج، ومن التعسّف أن نحاسبها على نتائج حكومات لم تكن النّهضة فيها إلاّ شريكا. سنكتفي إذن بالتطرّق إلى المسألتين الاجتماعيّة والثقافيّة لما لهما من تأثير كبير في نجاح مشروع بناء «الدّولة الوطنيّة الثّانية» ولاعتقادنا أنّه من المفروض أن تكون «للاسلاميّين» قدرة الفعل في هاتين المسألتين أكثر من غيرهم بحكم مرجعتيهم التي تعتمد على كتاب الله المليء بالتوجّهات والمواعظ المتعلّقة بالمسألة الثّقافيّة والمسألة الاجتماعيّة.
(3)
يميّز الواقع الاجتماعي عنصران أساسيّان مترابطان وهما العلاقة بين مكوّنات الشّعب ومستويات عيش المواطنين بمختلف طبقاتهم وانتماءاتهم. ومعالجة هذا الواقع وتحسينه أو تطويره يتمّ بواسطة فاعلين إثنين الأوّل هو الدّولة عبر مؤسّساتها التّشريعيّة (القوانين) والتنفيذيّة (وزارة الشرون الاجتماعيّة والهياكل التابعة لها) والثاني هو المجتمع المدني عبر العمل الاجتماعي الميداني من جهة (الجمعيّات والمؤسسات الخيريّة) والضغط على الحكومة من جهة أخرى (الاتحادات العمّاليّة مثلا). 
كلّ ما فعلته الحكومات المتعاقبة والتي شاركت فيها حركة النّهضة، لم يغيّر في الواقع شيئا ولم يحرّك المؤشّرات الاجتماعيّة كالفقر والجهل نحو الانخفاض، والسّبب في ذلك السّياسات الاجتماعيّة المتّبعة التي لا تختلف كثيرا عن سياسات النّظام القديم. وحتّى مقترح مشروع «صندوق الزّكاة» الذي من المفترض تخصيص مداخيله للفقراء والعاطلين عن العمل، والذي تقدّمت به كتلتي «حركة النهضة» و«ائتلاف الكرامة»، فقد تمّ وأده في أولّ اجتماع للبرلمان الجديد حول ميزانيّة الدّولة 2020 والسّبب في ذلك - في تقديرنا - يعود إلى التسرّع في تقديم هذا المقترح وعدم اختيار التّوقيت المناسب له، وعدم توضيح آليات العمل به، ومصادر تمويله والإطار التّشريعي المحدّد له، وقد تمّ تقديمه بمبرّرات تشبه مبرّرات صندوق 26-26 وبنفس الألفاظ تقريبا أي مساعدة الدّولة على مقاومة الفقر وإزالة الأكواخ، الخ....
أمّا على مستوى العمل الاجتماعي المدني فقد لاحظنا مباشرة بعد الثّورة اتّجاه العديد من المنتسبين إلى التّيار الإسلامي إلى تأسيس عدد كبير من الجمعيّات الخيريّة لم يصمد منها إلّا نزر قليل خاصّة بعد التّضييق الحكومي على الجمعيّات الذي بدأ منذ عام 2013 (1) وتحوّل إلى حملة «غلق الجمعيّات» انطلقت مع حكومة المهدي جمعة (2) وتواصلت إلى يوم النّاس هذا، حيث أغلقت السّلطات ما يزيد عن 198 جمعيّة تونسيّة من جمعيّات العمل الخيري والاجتماعي، ووجّهت تنبيها إلى حوالي 947 جمعيّة أخرى وإحالتها إلى القضاء(3). ولو نظرنا إلى الحجج التي اعتمدتها السّلطات لغلق هذا العدد الكبير من الجمعيّات، فسنلاحظ أنّ جلّها تمحور في مخالفات شكليّة وإجرائيّة، كعدم توافق النّظام الأساسي للجمعيّة مع مقتضيات المرسوم 88 لعام 2011، أو تأخّر أو عدم قيام الجمعيّة بإرسال التّقرير المالي والأدبي إلى الكاتب العام للحكومة. ممّا يجعلنا نتساءل عن أسباب عدم احترام القائمين على تلك الجمعيّات للمرسوم المذكور والقواعد المتعامل بها وهو ما يؤكّد لدينا هشاشة تكوين هؤلاء وعدم إلمامهم بالقانون وغياب الاحترافيّة في العمل الجمعيّاتي.
نضيف إلى هذا أنّ العديد من هذه الجمعيّات تأسّست ضمن الزّخم الثّوري الذي شهدته البلاد مطلع سنة 2011 وما إن خفّ هذا الزخم حتّى فقد نشاط تلك الجمعيّات بريقه. وهو ما يؤكّد أن تأسيس تلك الجمعيّات لم يكن مدروسا ومرتكزا على رؤية واضحة للعمل الاجتماعي ومخطّطا يقود إلى الارتقاء بمستوى عيش المواطن وتمتين العلاقة بين مكوّنات الشّعب، وإنّما هي العواطف التي حرّكت الجميع. 
ولا يُخفى على أحد أن عديد الجمعيّات في المجال الاجتماعي تُبطن غير ما تُظهر إذ يختفي الطّابع السّياسي تحت يافطة العمل الإنساني. فعلى سبيل المثال قامت بعض الجمعيّات التي تربطها علاقة وطيدة بتنظيم أنصار الشّريعة بين  2012 و2013، بأنشطة خيريّة مكثّفة وذلك من خلال التّواجد في عدّة أحياء شعبيّة بالعاصمة وخاصّة الأحياء التي تتميّز بالكثافة السّكانية وتمّ تنظيم القوافل الطبّية وتقديم خدمات صحيّة ومساعدات من ملابس وأغذية للفقراء خاصّة في شهر رمضان، وعيدي الفطر والأضحى وكانوا إلى جانب الأهالي خلال العودة المدرسيّة. ومن خلال ذلك ربط أنصار الشّريعة علاقات ودّ وصداقة مع النّاس، فسهل استقطابهم وضمان تعاطفهم مع التّنظيم.
(4)
أمّا في المجال الثّقافي فحدّث ولا حرج، فقد فشل «الإسلاميّون» بشكل صريح في ترك بصمتهم في السّاحة الثّقافيّة، ولم يحقّقوا الانتقال إلى مرحلة البناء الثّقافي الذي بمقدوره أن يحمي الثّورة ويحقّق التّنميّة البشريّة الشّاملة والتقدّم  الحضاري، وإنّما تمسّكوا من منطق الدّفاع عن وجودهم عن قناعة أو مكرهين بمشغل الهويّة رافعين شعار التّمسّك بالهويّة مرتكزين على التّراث والمخزون النّفسي للجماهير، مستثمرين ذلك كلّما اشتدت رحى الانتخابات من أجل كسب ودّ عامّة النّاس والحفاظ على حزامهم الانتخابي. 
قد يرى البعض جورا في هذا التّوصيف، لأنّ «الاسلاميين»، في تصوّرهم، ليسوا من اختار سلاح الهويّة، بل حملوه اضطرارا نتيجة الحملات المسعورة التي قادها العلمانيّون المتطرّفون ومن ورائهم الأحزاب اليساريّة وماكينة النّظام القديم. لكنّ الحقيقة هي أنّ هذا هو «السّبب المباشر» لا غير، أمّا الأسباب الحقيقيّة فتعود إلى غياب رؤية ثقافيّة بنّاءة لدى هؤلاء من جهة وارتهان الثّقافي للسّياسي، فالثّقافة بالنّسبة لهم هي خادم للسّياسة لا غير.
  فإذا نظرنا للثّقافة على سبيل المثال على أنّها ذهنيّة ونمط سلوك، فإنّنا نتساءل عن دور «الإسلاميين» في تحقيق التّغيير الثّقافي المنشود. ما الذي فعله هؤلاء لتغيير ذهنيّة التّونسي ونمط سلوكه؟ ماذا قدّموا لنتحول من الشّعور بالدّونية إلى الثّقة بالنّفس، ومن الفرديّة إلى الجماعيّة، ومن اللاّمبالاة إلى المسؤوليّة، ومن الازدواجيّة إلى التّوازن، ومن الانسحاق والتّهميش إلى تحقيق الذّات وإعلاء حقوق الإنسان، ومن التّشتت إلى الوحدة، ومن ثقافة الغلبة إلى ثقافة المواطنة، ومن الاتباع إلى الإبداع؟ ...
وإذا نظرنا إلى التّغيير الثّقافي من زاوية العمل الثّقافي الميداني، فإنّنا نتساءل عن مدى تواجد الإسلاميين في السّاحة الثّقافيّة طيلة السّنوات التّسع الماضية ودورهم في تطويرها وتنظيمها لتكون سندا للثّورة وليس عائقا لها. ماذا فعل هؤلاء في السّاحة الفنّية مثلا، غير محاولة البعض التّطبيع مع الفنّ السّائد المتحكّم في السّاحة عبر حضور بعض الرّموز في المهرجانات الصّيفيّة والسّهرات الفنيّة أو اقتصار قيام البعض الآخر على أنشطة في أماكن مغلقة لا تستقطب إلاّ القليل، أو رفض آخرين لأيّ عمل ثقافيّ أو فنّيّ باعتبار ذلك ترفا أو عملا منافيا للشّريعة حسب فهمهم؟ أي تصوّر بديل للسّينما اشتغل عليه الإسلاميّون؟ أي دور لهم في وزارة الثّقافة التي لم تتغيّر سياستها عمّا كانت عليه في عهد الدكتاتورحيث تتحكّم في مفاصلها مجموعة صغيرة من أشباه المثقفّين، تقرّب من تشاء وتكرم من تشاء وتوزّع الدّعم حسب الانتماء الايديولوجي المعادي طبعا للإسلاميّين؟. وحتّى وإن تمّ اقتراحُ بعض الحلولِ للنّهوضِ بالثّقافة من ‏حضيضِها، فإنَّها لا تعدو أن تكون في غالب الأحيان «يوتوبيا» ‏ترتهنُ الثّقافةَ غالبا للمقاصدِ الأيديولوجيّة دونَ قراءةٍ موضوعيّةٍ ‏للواقع وبلا نيّة في تحرير الثّقافة من السّياسة. 
وإذا نظرنا إلى التّغيير الثّقافي من زاوية الفكر، فإنّنا نتساءل عن دور «الإسلاميين» في معركة تجديد الفكر الإسلامي على مقتضى وعي المرحلة التّاريخيّة، بما هي مرحلة تنوير وعقلانيّة. ماذا قدّم هؤلاء ليتمّ ربط الدّين بالثّورة فتصير العقيدة باعثا على العمل وليس انغماسا في الماضي البعيد وهروبا من تحدّيات المرحلة؟ هل استطاع هؤلاء فعل شيء على مستوى الفكر حتّى يُوضع التونسيّ في التّاريخ ليصبح صانع حاضره ومستقبله؟  أي دور لهؤلاء في إبراز أهمّية الإسلام كدين في تعبئة مختلف مكوّنات المجتمع لكسب رهانات  التّنمية والدّيمقراطية والوحدة والتّحرّر والعدالة الاجتماعيّة؟.
ماذا ربح النهضاويّون بفصل الدّعوي عن السّياسي؟ سوى ضياع الدّعوي وغياب الهمّ الثقافي وأمّا محاولة الانفتاح على الطّاقات السياسيّة غير الاسلاميّة التي كانت وراء هذا القرار، فقد كانت محاولة خاسرة باعتبار أنّ أغلب الذين التحقوا بالحزب بعد المؤتمر العاشر من غير الإسلاميين قد أضرّوا بالحزب ولم يفيدوه.
(5)
ليس ما نكتبه جلدا للذّات ولا تشهيرا بحركة النّهضة أو انتقاصا من أهمّية دورها منذ اندلاع الثّورة خصوصا في المجال السّياسي، وإنّما هي صرخة ونداء سبق وأن أطلقناه منذ أن منّ الله علينا بالحرّية، مفاده أنّ الثّورة السّياسيّة التي لا تصاحبها ثورة ثقافيّة، لامستقبل لها ولن تصمد كثيرا وأنّ عمليّة الانتقال الدّيمقراطي - التي هي أساس بناء الدّولة الوطنيّة الثانيّة - لا أمل في نجاحها إذا تمّت بدون عمليّة انتقال ثقافي بموجبها يتغيّر سلوك النّاس، فترسخ في أذهانهم ثقافة العمل عوضا عن ثقافة الخمول والكسل ومبدأ التوكّل على الله عوضا عن التّواكل والتّقاعس عن آداء الواجب. والتي بموجبها يصبح التّونسيّون مواطنين لا رعايا، يعرفون حقوقهم ويدافعون عنها كما يعرفون واجباتهم ويتفانون في القيام بها.
كما لا يمكن أن ينجح الانتقال الديمقراطي ويصبح التداول السّلمي على السّلطة سلوكا سياسيّا لكلّ الأطراف عبر ديمقراطيّة حقيقيّة في ظلّ حيف اجتماعي كبير وانتشار للفقر والجهل والبطالة. فلا أمل في نجاح الدّيمقراطيّة إذا كانت بطون النّاخبين جائعة وصحّة المواطنين مفقودة وأمنهم حلم صعب المنال. لهذا فإنّ الاهتمام بالعمل الاجتماعي داخل أجهزة الدّولة وخارجها أمر ضروريّ وأكيد.  
ولأنّ أبناء «تيّار الهويّة» أو «الإسلاميين» هم الجزء الأهمّ في المشهد في تقديرنا، فإنّهم مطالبون قبل غيرهم بحمل همّ الثّورة وتحقيق أهدافها غير منقوصة بما في ذلك تحقيق ثورة ثقافيّة تزيل ثقافة الذلّ والهوان التي يعيشها التونسيّون وتحقيق ثورة اجتماعيّة تقضي على الفقر والجهل. 
 ونظرا لتمحور خصوصيّة الثّقافة العربيّة الإسلاميّة التي يدافع عنها هؤلاء والتي تصبغ شخصيّتهم حول النّصّ الدّيني المقدّس (القرآن أساسا)، فإنّه لا سبيل لتغيير حال هذا البلد خصوصا والأمّة بصفة عامّة نحو الأفضل إلاّ باعتماد رؤية تجديديّة تستند إلى إصلاح ديني لا غنى عنه، يؤسّس على قراءة جديدة لكتاب الله عزّ وجلّ. هذا عمل فكري جبّار يتجاوز «القطريّة» لكنّه ضروريّ وعلى الجميع المساهمة فيه، لأنّه لا أمل في ثورة ثقافيّة حقيقيّة بدونه.
إنّ الذين خاضوا معارك الدّفاع عن الهويّة طيلة عقود، وحقّقوا فيها نتائج هامّة، لابدّ أن يمتلكوا القدرة  على خوض المعارك الجديدة في البناء الثّقافي والاجتماعي والاقتصادي والسّياسي والمؤسّساتي الذي بات يستوجبه المجتمع، من أجل السير في طريق تنمية حقيقيّة وكسب رهانات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتّحرر الكامل، وتكريس سلوك المواطنة وتثبيت مبدأ الدّولة التّعاقديّة التي تتلازم فيها الحقوق والواجبات. فالفارق بين مرحلتي الدّفاع والبناء يبدو جوهريّا، وعليه فإنّ المراجعـة الشّاملة شرط ضروريّ للفصل بين  طبيعة المرحلتين ومستلزمات كلّ واحدة.  
الهوامش
(1) أوضح المرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان في بيانه بتاريخ 28/11/2017، أنّ الإدارة العامّة للجمعيّات -والتي تتبع رئاسة الحكومة التّونسية- بدأت منذ عام 2013 بالتّدخل في تكوين الجمعيّات وممارسة الوصاية والتّضييق على أنشطتها من خلال طلب حذف أو تعديل أو تغيير بعض الأهداف التي تضعها الجمعيّات في أنظمتها الأساسيّة، والتّأخر في الردّ على ملفاتها، وطلب الكثير من الوثائق التي لم يرد ذكرها في الأنظمة الخاصّة بتنظيم الجمعيّات، ممّا أدّى إلى تعطيل عمل العديد منها. 
(2) قامت الحكومة التونسية برئاسة «مهدي جمعة» في 16 جوان 2014 باتخاذ قرارات بتجميد أكثر من 157 جمعية بتهمة تمويل الإرهاب، جلّها كانت تنشط في مجال العمل الخيري والإغاثي وتقديم المساعدات الإنسانية للأيتام والأشخاص ذوي الإعاقة.
(3) بيان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان بتاريخ 28/11/2017
 https://euromedmonitor.org/ar/article/2187