الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد 150
 غادرنا عام 2019 وقد ترك في أذهاننا ذكريات جميلة وأخرى سيئة ومؤلمة وإن كانت المؤلمة أكثر عددا وتأثيرا في النفوس. لم يبق من 2019 إلاّ صور قتل الأبرياء من فلسطينيين وسوريين ويمنيين.. لا يهمّ إن كان قتل هؤلاء تمّ بأياد عربيّة أو أجنبيّة وسواء كان ببراميل «زعيم العروبة» المتفجّرة أو بواسطة قنابل «الكيان الصهيوني» العنقوديّة أو عبر التجويع المتعمّد الذي مارسه تحالف آل سعود وآل نهيان على اليمنيين. المهمّ أنّ كلّ ذلك حدث والعالم يتفرّج ولا يحرّك ساكنا. 
جزء قليل من هذا العالم فقط اهتمّ بما يحدث لمسلمي الإيغور في الصين من اضطهاد فاق الخيال،وإبادة مستمرّة في السرّ والعلن. لكنّ العالم كلّه اهتزّ إلى الحريق الهائل الذي أصاب كاتدرائية نوتردام في باريس في 15 أفريل. 
تبكي حكومات العالم وشعوبها على الحجر ولا تحرّك ساكنا على إبادة البشر، فإلى أين تسير الإنسانيّة؟ وإلى أيّ حدّ مازالت شعارات مثل «التعايش» و«المساواة» و«الحرية الدينية» و«حماية الأقليات» و«حقوق الإنسان» التي ما دأبت حكومات أوروبا وأمريكا وأمثالها في الصين وروسيا و.......وأتباعها في بعض دول المنطقة العربية ترفعها، هل مازال لها معنى؟ أمّ أنّها مجرد خداع ومحض افتراء، فالواقع المعاش والأحداث الأخيرة المتتالية أكدت أن اضطهاد المسلمين - سواء كانوا أقلّية أو أكثرية - هو الحقيقة المخفيّة وأنّ الإنسانيّة تفقد باستمرار قيمها ومبادئها أمام توحّش قوى الشرّ من كل الفئات.
لكن هناك نقاط ضوء شقت ظلام سنة 2019، أهمّها انتصار الحبّ على الكراهيّة في نيوزيلندا. ففي مارس، قتل متطرّف يميني 50 شخصًا في مسجدين في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا. ومع ذلك، بدلا من الخضوع للانقسام، توحدت صفوف المجتمع النيوزيلندي. وتضامنت رئيسة الوزراء «جاسيندا أرديرن» مع الضّحايا وارتدت الحجاب أثناء تأبينهم. 
ومن بين أهمّ نقاط الضوء، ارتفاع صوت الشّعوب واستفاقتها للمطالبة بحقوقها، إنّه فيروز ثورة الجماهير وتمرّدها على السّاسة، حدث ذلك في السّودان حين أجبرت الاحتجاجات الشّعبيّة العسكر على الانقلاب في أفريل على الرئيس عمر البشير الذي ظل بالحكم لنحو ثلاثة عقود - وفرضت على قياداته خيار الحكومة المدنيّة المؤقتة . وفي الجزائر أجبرت الرئيس العجوز على الاستقالة وفتح المجال نحو تغيير نسبي لنظام الحكم . ومازال صوت الشعوب مرتفعا ومستمرّا في عدّة دول أخرى كالعراق ولبنان وهونكونغ وفرنسا وبوليفيا والشّيلي. 
لم يشتعل العالم من جرّاء القنابل والبراميل المتفجّرة وتمرّد الشعوب على حكّامها فقط بل اشتعل أيضا من جرّاء حرائق الغابات وتفاقمت على الأرجح بسبب تغير المناخ وبفعل البشر، بشكل سيء للغاية: في روسيا والولايات المتحدة وأستراليا.. وتسببت في آثار بيئية كارثية بالإضافة ذإلى الفيضانات العارمة التي اجتاحت العديد من مناطق الأرض.
في ظل هذه المآسي والآلام وبصيص من الأمل يصدر العدد 150 من مجلة الإصلاح يحمل في طيّاته عددا من المقالات المتنوعة ، نرجو برغم طول بعضها أن تخفف عن القارئ وطأة الأحداث وتنير له الطريق فتبدد حيرته وتشرح له صدره 
فقراءة ممتعة